ومنذ ذلك اليوم وحتى اللحظة وَجَدَ الشعب السوري نفسه مُضطراً لِخَوضِ حرب قذرة ودامية في مواجهة حرب إبادة اختارها وأعلنها نظام الأسد وحلفاؤه وميليشياته وأجهزته الأمنية، في حرب غير متكافئة تُرِكَ الشعب السوري فيها وحيداً وسط تقاعس دولي وفشل أممي في التدخل والانتصار لقيم الإنسانية والعدالة في سورية.
واليوم تحولت سورية إلى أكبر كارثة إنسانية بعد الحرب العالمية الأولى والثانية في العصر الحديث، لدينا أكثر من مليون شهيد وعشرات الآلاف من المعتقلين والمغيبين قسراً، وأكثر من نصف الشعب السوري بين مهجر ونازح يعيش حالة من الفقر والقهر والجهل والذل، في ظل سيطرة قوى الأمر الواقع السياسية والعسكرية المرتهنة إلى الدول الإقليمية والدولية، لتصبح الحلبة السورية ساحة صراع وتصفية حساب لتلك الدول فيما بينها على الأرض السورية وعلى حساب معاناة السوريين وآلامهم، وما زاد في الألم غصة هو ملف اللاجئين الذي تَستغّلهُ الدول المتصارعة كوسيلة ضغط معتمدة أصولاً فيما بينها خارجياً، وعرضة للاستغلال الداخلي من قبل بعض أحزاب الدول المضيفة للاجئين السوريين للضغط على حكوماتها داخلياً.
وفي ظل الاستعصاء السياسي للحل في سورية لا يجد سؤال خلاص السوريين من معاناتهم سوى غصّات ثقيلة تطبق على قلوبهم، في ظل بقاء المعاناة جاثمة على صدورهم، وحل سياسي مُنتَظَر متعسر الولادة يترقبه السوريون بشغف، في المقابل وفي ظل عدم قدرة السوريين غالبية السوريين أصحاب الهم والوجع على ان يجتمعوا لتشكيل حالة سياسية تفرض نفسها على طاولة الحل في سورية، تظهر بين الفينة والأخرى مبادرات ينقسم فيها السوريون بين غريق يتعلق بقشة، وبين حرب ضروس من التخوين والتصنيف والتفشيل، كما حصل بعد الأنباء المتداولة عن مبادرة للمجلس العسكري بقيادة العميد مناف طلاس.
فبحسب اتصال مع عضو المجلس العسكري المقدم أحمد القناطري، فقد أكد أن الاجتماعات التي شهدتها باريس خلال الأسابيع القليلة الماضية ضمت مسؤولين رفيعي المستوى من الولايات المتحدة الأمريكية، حضروا الاجتماع، كما جرى التواصل عبر الفيديو مع ضباط سوريون من الداخل، مؤكداً وجود توافق سوري – سوري بين ضباط الداخل والخارج، وتنسيق عالي المستوى بين الضباط المنشقين عن النظام السوري في الخارج من أعضاء المجلس العسكري مع ضباط محسوبين على المؤسسة العسكرية الحالية لدى النظام، ممن لا يزالون على رأس عملهم، وينتقدون أداء المؤسسة العسكرية وخطفها للسلطة.
وتهدف هذه الاجتماعات بحسب المصدر إلى إعادة المؤسسة العسكرية إلى العقيدة الوطنية الحقيقية، وأن الضباط والعسكر ضمن هذا المشروع يعملون لأجل خلاص سوريا من هذا الكابوس. وأضاف أن الاجتماعات “خرجت بالتوافق على بعض الخطوات العملية المباشرة التي تدعم وتشجع الأطراف السورية لتسريع الحل وإرساء السلام”، بالإضافة إلى توافق على شخص العميد مناف طلاس رئيساً للمجلس العسكري.
لتبدأ بعدها حملات التخوين على شخص مناف طلاس أو مشروع المجلس العسكري ككل، وانقسم السوريون بين مدافع عن المشروع بشراسة وبين مخون له، لتتردد بين أوساط السوريين المعارضين كثيرٌ من المقولات التي تنتقد اختلافهم وتفرُّقهم وتعاملهم الحادّ فيما بينهم، وانقساماتهم وعدم قدرتهم على العمل الجماعي، الناتج عن ضعف الثقة؛ والتي أدت لاحقاً إلى شيوع حالة من التخوين والإسقاط والاعتراض الجاهز على أية مبادرة، أو مشروع، أو حملة، أو عمل يحمل في طياته منفعة للسوريين أو لشريحة منهم. دون الأخذ بعين الاعتبار أحياناً معاناة الناس وظروفهم وحاجاتهم.
فقد يُقبلُ النقد أو حتى التخوين أحياناً من صاحب معاناة جالس في خيمته وهو مبتور أحد الأطراف ولا يجد قوت يومه هو وأولاده، ولا يمكن تقبلها من شخص آخر يجلس أمام التلفاز في إحدى الدول الأوربية. ولست هنا في وارد الدفاع عن طرف ما أو تقييد الحرية الشخصية في النقد الموضوعي، ولكني أحاول تسليط الضوء على الفهم الخاطئ لمفردات “النقد والناقد”، وما أنتجه فهمنا المنقوص لها، ناهيك بالحدود الواجب الوقوف عندها بحسب موقع الناقد وظروفه مع الأخذ بعين الاعتبار تغيير الواقع المرير الذي يعيشه الشعب السوري المضطهد في الداخل السوري ودول الشتات.
ولست أيضاً بموقف المدافعة عن مبادرة المجلس العسكري أبداً، فمبادرة عسكرية كانت أم مدنية، يقودها فراس طلاس أو معاذ الخطيب أو غيرهم من التكتلات والأحزاب أو حتى المعارضة الرسمية، وتحظى بقبول دولي يكون فيها بارقة أمل للسوريين، هي خطوة أولى نحو الحرية المنشودة يجب دعمها ولن تكون حتماً الأخيرة، فطريق الحرية والعدالة طويلٌ جداً.
لا يمكن أن يتحقق حلم السوريين في الحرية مالم يقف جميع السوريون المعارضون لنظام الأسد بمختلف انتماءاتهم صفاً واحداً، نعم، فتح قنوات الحوار بين أطراف المعارضة السورية ضرورة وطنية، وحاجة سياسية، لتوسيع المساحات المشتركة وبلورة أطر التفاهم والحوار فيما بينهم.
سورية اليوم تحتاج أكثر من أي يوم مضى إلى ميثاق وطني موحد، يستجيب للهواجس السورية كافة، وفي الوقت نفسه تكون أداةً لتنظيم الاختلافات، وضبط النزاعات، وتطوير الحياة السياسية، وتوسيع القاعدة الوطنية المشتركة.
الشعب السوري ينتظر بارقة أمل في خلاصة، ولا أعتقد أن أي حل سياسي مهما كان مرضياً، وإن أسقط الأسد ومنظومته الإجرامية كاملةً قد تكون كافية لدفع الفاتورة الثمينة التي قدمها الشعب السوري العظيم خلال عمر الثورة السورية. فلا تقتلوا الحلم.
----------
نينار برس
واليوم تحولت سورية إلى أكبر كارثة إنسانية بعد الحرب العالمية الأولى والثانية في العصر الحديث، لدينا أكثر من مليون شهيد وعشرات الآلاف من المعتقلين والمغيبين قسراً، وأكثر من نصف الشعب السوري بين مهجر ونازح يعيش حالة من الفقر والقهر والجهل والذل، في ظل سيطرة قوى الأمر الواقع السياسية والعسكرية المرتهنة إلى الدول الإقليمية والدولية، لتصبح الحلبة السورية ساحة صراع وتصفية حساب لتلك الدول فيما بينها على الأرض السورية وعلى حساب معاناة السوريين وآلامهم، وما زاد في الألم غصة هو ملف اللاجئين الذي تَستغّلهُ الدول المتصارعة كوسيلة ضغط معتمدة أصولاً فيما بينها خارجياً، وعرضة للاستغلال الداخلي من قبل بعض أحزاب الدول المضيفة للاجئين السوريين للضغط على حكوماتها داخلياً.
وفي ظل الاستعصاء السياسي للحل في سورية لا يجد سؤال خلاص السوريين من معاناتهم سوى غصّات ثقيلة تطبق على قلوبهم، في ظل بقاء المعاناة جاثمة على صدورهم، وحل سياسي مُنتَظَر متعسر الولادة يترقبه السوريون بشغف، في المقابل وفي ظل عدم قدرة السوريين غالبية السوريين أصحاب الهم والوجع على ان يجتمعوا لتشكيل حالة سياسية تفرض نفسها على طاولة الحل في سورية، تظهر بين الفينة والأخرى مبادرات ينقسم فيها السوريون بين غريق يتعلق بقشة، وبين حرب ضروس من التخوين والتصنيف والتفشيل، كما حصل بعد الأنباء المتداولة عن مبادرة للمجلس العسكري بقيادة العميد مناف طلاس.
فبحسب اتصال مع عضو المجلس العسكري المقدم أحمد القناطري، فقد أكد أن الاجتماعات التي شهدتها باريس خلال الأسابيع القليلة الماضية ضمت مسؤولين رفيعي المستوى من الولايات المتحدة الأمريكية، حضروا الاجتماع، كما جرى التواصل عبر الفيديو مع ضباط سوريون من الداخل، مؤكداً وجود توافق سوري – سوري بين ضباط الداخل والخارج، وتنسيق عالي المستوى بين الضباط المنشقين عن النظام السوري في الخارج من أعضاء المجلس العسكري مع ضباط محسوبين على المؤسسة العسكرية الحالية لدى النظام، ممن لا يزالون على رأس عملهم، وينتقدون أداء المؤسسة العسكرية وخطفها للسلطة.
وتهدف هذه الاجتماعات بحسب المصدر إلى إعادة المؤسسة العسكرية إلى العقيدة الوطنية الحقيقية، وأن الضباط والعسكر ضمن هذا المشروع يعملون لأجل خلاص سوريا من هذا الكابوس. وأضاف أن الاجتماعات “خرجت بالتوافق على بعض الخطوات العملية المباشرة التي تدعم وتشجع الأطراف السورية لتسريع الحل وإرساء السلام”، بالإضافة إلى توافق على شخص العميد مناف طلاس رئيساً للمجلس العسكري.
لتبدأ بعدها حملات التخوين على شخص مناف طلاس أو مشروع المجلس العسكري ككل، وانقسم السوريون بين مدافع عن المشروع بشراسة وبين مخون له، لتتردد بين أوساط السوريين المعارضين كثيرٌ من المقولات التي تنتقد اختلافهم وتفرُّقهم وتعاملهم الحادّ فيما بينهم، وانقساماتهم وعدم قدرتهم على العمل الجماعي، الناتج عن ضعف الثقة؛ والتي أدت لاحقاً إلى شيوع حالة من التخوين والإسقاط والاعتراض الجاهز على أية مبادرة، أو مشروع، أو حملة، أو عمل يحمل في طياته منفعة للسوريين أو لشريحة منهم. دون الأخذ بعين الاعتبار أحياناً معاناة الناس وظروفهم وحاجاتهم.
فقد يُقبلُ النقد أو حتى التخوين أحياناً من صاحب معاناة جالس في خيمته وهو مبتور أحد الأطراف ولا يجد قوت يومه هو وأولاده، ولا يمكن تقبلها من شخص آخر يجلس أمام التلفاز في إحدى الدول الأوربية. ولست هنا في وارد الدفاع عن طرف ما أو تقييد الحرية الشخصية في النقد الموضوعي، ولكني أحاول تسليط الضوء على الفهم الخاطئ لمفردات “النقد والناقد”، وما أنتجه فهمنا المنقوص لها، ناهيك بالحدود الواجب الوقوف عندها بحسب موقع الناقد وظروفه مع الأخذ بعين الاعتبار تغيير الواقع المرير الذي يعيشه الشعب السوري المضطهد في الداخل السوري ودول الشتات.
ولست أيضاً بموقف المدافعة عن مبادرة المجلس العسكري أبداً، فمبادرة عسكرية كانت أم مدنية، يقودها فراس طلاس أو معاذ الخطيب أو غيرهم من التكتلات والأحزاب أو حتى المعارضة الرسمية، وتحظى بقبول دولي يكون فيها بارقة أمل للسوريين، هي خطوة أولى نحو الحرية المنشودة يجب دعمها ولن تكون حتماً الأخيرة، فطريق الحرية والعدالة طويلٌ جداً.
لا يمكن أن يتحقق حلم السوريين في الحرية مالم يقف جميع السوريون المعارضون لنظام الأسد بمختلف انتماءاتهم صفاً واحداً، نعم، فتح قنوات الحوار بين أطراف المعارضة السورية ضرورة وطنية، وحاجة سياسية، لتوسيع المساحات المشتركة وبلورة أطر التفاهم والحوار فيما بينهم.
سورية اليوم تحتاج أكثر من أي يوم مضى إلى ميثاق وطني موحد، يستجيب للهواجس السورية كافة، وفي الوقت نفسه تكون أداةً لتنظيم الاختلافات، وضبط النزاعات، وتطوير الحياة السياسية، وتوسيع القاعدة الوطنية المشتركة.
الشعب السوري ينتظر بارقة أمل في خلاصة، ولا أعتقد أن أي حل سياسي مهما كان مرضياً، وإن أسقط الأسد ومنظومته الإجرامية كاملةً قد تكون كافية لدفع الفاتورة الثمينة التي قدمها الشعب السوري العظيم خلال عمر الثورة السورية. فلا تقتلوا الحلم.
----------
نينار برس