يعتبر القيصر أن الاتحاد السوفييتي كان خطيئة تاريخية لم تستمر أكثر من 79 عاماً، ولكن الإمبراطورية الروسية بملوكها وتاريخها وسطوتها وحضارتها، كانت وستبقى إلى الأبد قطباً عالمياً (إن لم تكن القطب العالمي) ويعلن مشروعه بإنشاء الاتحاد الأوروآسيوي، ومركزه روسيا، ويعمل على إخضاع أوربا لمشيئته والتعاون معها لطرد الولايات المتحدة الأمريكية إلى حدودها التي يحيط بها محيطان هائلان من الشرق والغرب، ويجعلها تتقوقع داخل جغرافيتها ولها كل الحرية للتمدد شمالاً وجنوباً في نفس القارة، (وهو في الحقيقية الهدف المنشود لمبادرة الحزام والطريق الصينية التي تقول ببرّ آسيوي – أفريقي – أوروبي واحد يخضع لهيمنتها بعد دفع الولايات المتحدة لداخل حدودها، أي إلى ما قبل انخراط أمريكا في الحربين العالميتين الأولى والثانية).
تعتمد روسيا على عوامل عدة تنطلق منها لتحقيق مشروعها، أولها شغل مساحة 9% من مساحة الكرة الأرضية، وامتلاكها بهذا لسطح الأرض وما تنتجه من غلال أهمها القمح، وباطن الأرض الذي يحتوي أكبر الاحتياطات العالمية من الغاز والنفط والمعادن، إضافة إلى امتلاكها لستة آلاف رأس نووي بإمكانها تدمير الحياة على الأرض عدة مرات، كما أنها تمتلك الكنيسة الأرثوذوكسية، التي تمثل القسطنطينية القديمة وروحيّتها ورمزيتها بل وقدسيّتها، وليس آخرها استحواذها ذراعاً سياسياً عالمياً يتمثل بامتلاكها حق الفيتو في مجلس الأمن، الذي يتيح لها التحكم بصدور قرارات مهمة أو إحباطها من أعلى سلطة مفترضة وشرعية في النظام الدولي الحالي.
لا يعترف نظام الدولة الإمبراطورية الروسية القائم على رأسمالية الدولة الاحتكارية والاقتصاد الريعي المعادي لكل أشكال النظام الديمقراطي في الحكم، بحدود الدول الوطنية التي تم التوافق عليها في منظمة الأمم المتحدة درءاً لنشوب صراعات لا تنتهي، ولا يؤمن بالأشكال الحديثة للمجال الحيوي أو مناطق النفوذ، وذلك لفقدانه كل أسباب القوّة الناعمة التي ترضي مجتمعه أولاً ومن ثم تغري الآخرين بالركون إليه.
بمعنى أن روسيا لا تملك نموذجاً معداً للتصدير ولا يمكنها تحقيق أهدافها إلا بالقوة الجبرية العنيفة، التي تبيح احتلال أراض بالقوة العسكرية الغاشمة، وهذا ما حدث في جورجيا وأوكرانيا كمقدمة لتحقيق الإمبراطورية التاريخية، مع العلم أن القيصر الروسي لا يدرك أن كل عوامل القوة التي يمتلكها لا تتيح له التربع على عرش السيادة العالمية أو المشاركة بها باقتصاد يعادل قيمة الاقتصاد الإيطالي مثلاً.
وكل ما يمكن أن تعترف به الولايات المتحدة هو أنه قوة إقليمية كبرى تملك أسلحة نووية.
تمتلك إيران مشروعها المعلن ولم تعد بحاجة للتقية الشيعية لإخفائه، وتبعاً للحجم والإمكانات والجيواستراتيجا، يعتبر النموذج الإيراني نسخة مصغّرة عن النموذج الروسي ويكمّله ولا يتعارض معه، ويمكن للمشروعين حل نقاط خلاف تطرأ بينهما بين الفينة والأخرى.
لا يعترف نظام ولاية الفقيه بالحدود الوطنية للدول، ويسعى لبناء هوية شيعية للمنطقة ترتبط بمركز ديني إمبراطوري يختلط فيه الدين بالسياسة، بل يحاول إخضاع الجغرافيا للتاريخ، ويعادي أي عوامل لبناء هوية وطنية مرتبطة بالأرض.
ويعتبر نظام ولاية الفقيه أن الوجود الغربي والأمريكي خاصة (بما فيها دولة الاحتلال الإسرائيلي) عوامل معيقة لتحقيق مشروعه، ويعتبر إخراجه من المنطقة الهدف الاستراتيجي لبسط هيمنته عليها، وقد لا تكون القنبلة النووية التي بها يبتزّ الغرب، إلا لتمرير سيطرته على المنطقة عبر الميليشيات والمسيرات والمخدرات والصواريخ، إضافة إلى تمدده المذهبي والاقتصادي، والعمل على مشروع للتشييع السياسي الذي يضم المجموعات غير الصلبة من الأديان والمذاهب الأخرى وحتى القوى المدنية من بقايا القوميين واليساريين، تحت دعاوى محاربة الشيطان الأكبر (الولايات المتحدة) والشيطان الأصغر (إسرائيل).
وقد عمل نظام الملالي منذ نشأته على إنشاء ما يطلق عليه بعضهم بتحالف الأقليات، حيث كان التحالف الاستراتيجي ولا يزال مع نظام الاسد قائماً منذ عام 1979 حتى الآن رغم كل التغيرات الدولية والإقليمية التي حدثت.
ويصدح بالقول كثير من معمّميهم أن حدود النفوذ الإيراني يجب أن تمتد من جاكرتا إلى الدار البيضاء ومن لاهور إلى القدس.
كما أن النموذج الإيراني لا يملك أيّاً من أدوات القوّة الناعمة التي تسهّل عليه الانتشار قبل وصول الميليشيات المسلحة وتجعله قابلاً للبقاء والاستمرار في الأماكن التي تم فرضه عليها.
فالفئات الشيعية التي كان معوّلاً عليها أن تكون الحوامل الاجتماعية له، رفضته وتنكّرت له بل ناصبته العداء كما شاهدنا في العراق ولبنان، وقبلها إيران نفسها، التي تشهد الآن ثورة مدنية على كل النموذج الإيراني وفي عقر داره.
نشهد اليوم بداية انحسار المشروع الإمبراطوري الروسي عبر هزائمه العسكرية المتتالية في أوكرانيا، حيث رفض الشعب الأوكراني والشعوب الأوروبية بل والعالم أجمع تلك العقلية التي تسوّغ الاعتداء على الآخرين واستئصالهم من الخارطة تحت مبررات تاريخية واهية، ويوماً ما سنسمع رأي الشعب الروسي في تلك الحرب التي هي رأس حربة ذلك المشروع، إذ إنهم الآن لا يستطيعون البوح بما يجول في صدورهم وخواطرهم.
كما أن الاحتجاجات الإيرانية الجارية الآن، التي سنطلق عليها اسم ثورة قريباً، أسقطت العمامة في الشوارع، في تعبير عن رفضها لكل ما ترمز إليه العمامة من خلط للدين بالسياسة والفساد والإفساد المغطى بالرمزيات المقدسة.
يحمل كلا المشروعين عوامل ضعفهما معهما ذاتياً وموضوعياً.
إن المشروعين اللذان يعيشان في التاريخ ولا يستطيعان الخروج منه، لا يصلحان لأن يكونان المستقبل الذي تطمح إليه الشعوب.
وكأحجار الدومينو سقوط أحدهما سيعجّل بسقوط الآخر.
----------
نينار برس
تعتمد روسيا على عوامل عدة تنطلق منها لتحقيق مشروعها، أولها شغل مساحة 9% من مساحة الكرة الأرضية، وامتلاكها بهذا لسطح الأرض وما تنتجه من غلال أهمها القمح، وباطن الأرض الذي يحتوي أكبر الاحتياطات العالمية من الغاز والنفط والمعادن، إضافة إلى امتلاكها لستة آلاف رأس نووي بإمكانها تدمير الحياة على الأرض عدة مرات، كما أنها تمتلك الكنيسة الأرثوذوكسية، التي تمثل القسطنطينية القديمة وروحيّتها ورمزيتها بل وقدسيّتها، وليس آخرها استحواذها ذراعاً سياسياً عالمياً يتمثل بامتلاكها حق الفيتو في مجلس الأمن، الذي يتيح لها التحكم بصدور قرارات مهمة أو إحباطها من أعلى سلطة مفترضة وشرعية في النظام الدولي الحالي.
لا يعترف نظام الدولة الإمبراطورية الروسية القائم على رأسمالية الدولة الاحتكارية والاقتصاد الريعي المعادي لكل أشكال النظام الديمقراطي في الحكم، بحدود الدول الوطنية التي تم التوافق عليها في منظمة الأمم المتحدة درءاً لنشوب صراعات لا تنتهي، ولا يؤمن بالأشكال الحديثة للمجال الحيوي أو مناطق النفوذ، وذلك لفقدانه كل أسباب القوّة الناعمة التي ترضي مجتمعه أولاً ومن ثم تغري الآخرين بالركون إليه.
بمعنى أن روسيا لا تملك نموذجاً معداً للتصدير ولا يمكنها تحقيق أهدافها إلا بالقوة الجبرية العنيفة، التي تبيح احتلال أراض بالقوة العسكرية الغاشمة، وهذا ما حدث في جورجيا وأوكرانيا كمقدمة لتحقيق الإمبراطورية التاريخية، مع العلم أن القيصر الروسي لا يدرك أن كل عوامل القوة التي يمتلكها لا تتيح له التربع على عرش السيادة العالمية أو المشاركة بها باقتصاد يعادل قيمة الاقتصاد الإيطالي مثلاً.
وكل ما يمكن أن تعترف به الولايات المتحدة هو أنه قوة إقليمية كبرى تملك أسلحة نووية.
تمتلك إيران مشروعها المعلن ولم تعد بحاجة للتقية الشيعية لإخفائه، وتبعاً للحجم والإمكانات والجيواستراتيجا، يعتبر النموذج الإيراني نسخة مصغّرة عن النموذج الروسي ويكمّله ولا يتعارض معه، ويمكن للمشروعين حل نقاط خلاف تطرأ بينهما بين الفينة والأخرى.
لا يعترف نظام ولاية الفقيه بالحدود الوطنية للدول، ويسعى لبناء هوية شيعية للمنطقة ترتبط بمركز ديني إمبراطوري يختلط فيه الدين بالسياسة، بل يحاول إخضاع الجغرافيا للتاريخ، ويعادي أي عوامل لبناء هوية وطنية مرتبطة بالأرض.
ويعتبر نظام ولاية الفقيه أن الوجود الغربي والأمريكي خاصة (بما فيها دولة الاحتلال الإسرائيلي) عوامل معيقة لتحقيق مشروعه، ويعتبر إخراجه من المنطقة الهدف الاستراتيجي لبسط هيمنته عليها، وقد لا تكون القنبلة النووية التي بها يبتزّ الغرب، إلا لتمرير سيطرته على المنطقة عبر الميليشيات والمسيرات والمخدرات والصواريخ، إضافة إلى تمدده المذهبي والاقتصادي، والعمل على مشروع للتشييع السياسي الذي يضم المجموعات غير الصلبة من الأديان والمذاهب الأخرى وحتى القوى المدنية من بقايا القوميين واليساريين، تحت دعاوى محاربة الشيطان الأكبر (الولايات المتحدة) والشيطان الأصغر (إسرائيل).
وقد عمل نظام الملالي منذ نشأته على إنشاء ما يطلق عليه بعضهم بتحالف الأقليات، حيث كان التحالف الاستراتيجي ولا يزال مع نظام الاسد قائماً منذ عام 1979 حتى الآن رغم كل التغيرات الدولية والإقليمية التي حدثت.
ويصدح بالقول كثير من معمّميهم أن حدود النفوذ الإيراني يجب أن تمتد من جاكرتا إلى الدار البيضاء ومن لاهور إلى القدس.
كما أن النموذج الإيراني لا يملك أيّاً من أدوات القوّة الناعمة التي تسهّل عليه الانتشار قبل وصول الميليشيات المسلحة وتجعله قابلاً للبقاء والاستمرار في الأماكن التي تم فرضه عليها.
فالفئات الشيعية التي كان معوّلاً عليها أن تكون الحوامل الاجتماعية له، رفضته وتنكّرت له بل ناصبته العداء كما شاهدنا في العراق ولبنان، وقبلها إيران نفسها، التي تشهد الآن ثورة مدنية على كل النموذج الإيراني وفي عقر داره.
نشهد اليوم بداية انحسار المشروع الإمبراطوري الروسي عبر هزائمه العسكرية المتتالية في أوكرانيا، حيث رفض الشعب الأوكراني والشعوب الأوروبية بل والعالم أجمع تلك العقلية التي تسوّغ الاعتداء على الآخرين واستئصالهم من الخارطة تحت مبررات تاريخية واهية، ويوماً ما سنسمع رأي الشعب الروسي في تلك الحرب التي هي رأس حربة ذلك المشروع، إذ إنهم الآن لا يستطيعون البوح بما يجول في صدورهم وخواطرهم.
كما أن الاحتجاجات الإيرانية الجارية الآن، التي سنطلق عليها اسم ثورة قريباً، أسقطت العمامة في الشوارع، في تعبير عن رفضها لكل ما ترمز إليه العمامة من خلط للدين بالسياسة والفساد والإفساد المغطى بالرمزيات المقدسة.
يحمل كلا المشروعين عوامل ضعفهما معهما ذاتياً وموضوعياً.
إن المشروعين اللذان يعيشان في التاريخ ولا يستطيعان الخروج منه، لا يصلحان لأن يكونان المستقبل الذي تطمح إليه الشعوب.
وكأحجار الدومينو سقوط أحدهما سيعجّل بسقوط الآخر.
----------
نينار برس