
** جهاد كربوج، من أبناء مدينة حماة وأحد شهود المجزرة:
- لم يكن هناك أي معاملة خاصة لنا كمسيحيين، فقد واجهنا المصير ذاته الذي واجهه باقي سكان حماة
- ما حدث خلال تلك الأيام عزز من روابط التضامن والتآخي والمصير المشترك بيننا وبين المسلمين.
** رئيس كاتدرائية القديس جورج للروم الأرثوذكس الأرشمندريت صفرونيوس:
- قوات النظام فجرت الكنيسة القديمة مرتين وتعمدت سرقة الشمعدانات الذهبية والفضية التي كانت بداخلها
- كان النظام متعنتًا ووحشيًا وأراق دماء العديد من الأبرياء، الناس لا يزالون يذكرونه بكراهية
.
ومن بين الكنائس التي استُهدفت في المجزرة، كنيسة "سيدة الدخول"، التي يعود تاريخ إنشائها إلى القرن الخامس الميلادي، حيث تم تدميرها بشكل كامل باستخدام أطنان من المتفجرات، فيما تم ترميمها لاحقًا عام 1993 بدعم من متبرعين.
ولا تزال بعض المنازل في الأحياء المسيحية بحماة تحمل آثار الدمار الذي خلفته قوات نظام الأسد خلال تلك الأحداث.
** حصار وقصف
وفي الذكرى الـ43 للمجزرة، التقت الأناضول عددًا من سكان حي المدينة في حماة، واستمعت إلى شهاداتهم حول الأحداث الدامية التي عاشوها.
ومن بين الشهود على المجزرة، المواطن السوري جهاد كربوج، من أبناء مدينة حماة، الذي فقد خلال الأحداث سبعة من زملائه المسلمين في العمل.
وكان كربوج يعمل آنذاك مديرًا في إحدى المؤسسات الحكومية، إلا أن فاجعة فقدان زملائه في العمل دفعته للاستقالة ومغادرة سوريا، حيث عاش لسنوات طويلة في الخارج.
وفي حديثه للأناضول، قال كربوج: "عندما دخل الجيش إلى المدينة، كانت المنطقة بأكملها محاصرة بالأسلحة الثقيلة. طوال الليل، كانت الصواريخ تُطلق في السماء ثم تسقط على المناطق القريبة منا".
وأضاف: "لم يكن أمامنا سوى الاحتماء في الحمام لإنقاذ حياتنا. دخل الجيش إلى حماة من جهة المحطة، وكان منزلنا يقع على بُعد 200 متر تقريبًا من هناك. كل من كان يخرج لشراء الخبز، سواء كان شابًا أو مسنًا، كان يتعرض للاعتقال".
وأردف أن عمليات التفتيش بدأت في الأحياء في اليوم التالي، مشيرًا إلى أنه تعرض للضرب على يد أحد الجنود، فيما حاول جندي آخر انتزاع الصليب الذي كان يرتديه حول رقبته، لكنه تراجع عندما شاهد والدته.
** استهداف دور العبادة
وأكد كربوج أن النظام لم يميز بين أحد في استهدافه للمدنيين، قائلًا: "لم يكن هناك أي معاملة خاصة لنا كمسيحيين، فقد واجهنا المصير ذاته الذي واجهه باقي سكان حماة".
وزاد: "ما حدث خلال تلك الأيام عزز من روابط التضامن والتآخي والمصير المشترك بيننا وبين المسلمين".
وأشار كربوج إلى أن النظام لم يكتفِ بقتل الناس، بل استهدف أماكن العبادة أيضًا، وقال: "عشنا في حالة من الرعب، لاسيما مع بدء قوات الأسد بتفجير الكنائس".
ومضى قائلا: "طلبوا منا فتح النوافذ ومغادرة المنطقة، ثم فجّروا الكنيسة الجديدة، وبعدها مباشرة قاموا بتفجير الكنيسة القديمة (سيدة الدخول)، مما أدى إلى تصاعد سحابة ضخمة من الغبار في الشارع."
وأوضح كربوج أن قوات النظام زعمت وجود مسلحين داخل الكنائس لتبرير عمليات التفجير، مؤكدا أنه لم يكن هناك أي وجود لمسلحين داخل الكنائس.
كما تحدث كربوج عن المشاهد التي لا تزال عالقة في ذاكرته، فقال: "بينما كنت أعبر زقاق النجارين، رأيت عظامًا بشرية وجثثًا متفحمة في أحد الأركان. شعرت بالخوف الشديد فهربت إلى شارع آخر، لكنه كان يعج بالدبابات".
وتابع: "في شارع آخر، كان هناك مبنى تملكه عائلة مفتاح، التي كانت تعمل في تجارة الأحذية، وداخل المبنى رأيت جثتين ملقيتين على الأرض. هذه المشاهد لا يمكن أن تُنسى".
** لا استثناء للمسيحيين
ولفت كربوج إلى أن مرتكبي المجزرة لم يخضعوا للمساءلة أو المحاكمة، وقال: "ماذا فعلت الأمم المتحدة والدول الأوروبية؟ لم تقدم أي دعم لعائلات ضحايا مجزرة حماة. كل ما فعلوه أنهم استقبلوا عددًا قليلًا من الأشخاص كلاجئين سياسيين في بلدانهم".
وأضاف: "فقدت سبعة من زملائي الموظفين في المؤسسة الحكومية التي كنت أعمل بها، ولم يبقَ منهم سوى الذكريات. عندما عدت إلى العمل، كانت الذكريات تمزقني من الداخل، ولم أستطع التحمل، فاستقلت وسافرت إلى لبنان."
وأشار كربوج إلى أنهم كانوا يعيشون دائمًا جنبًا إلى جنب مع المسلمين في حماة، وقال: "لم يكن هناك أي تمييز ديني في عمليات الاعتقال خلال المجزرة".
واستطرد قائلا: "نظرًا لأن عدد المسيحيين في حماة لم يكن يتجاوز 6 آلاف نسمة، لم تكن خسائرنا البشرية كبيرة (مقارنة بالمسلمين)".
وأوضح أن النظام لم يمنح المسيحيين أي معاملة خاصة، حيث واجهوا المصير ذاته الذي واجهه باقي أهالي حماة، "وخلال هذه الأحداث، ازدادت روابط التضامن والتآخي والمصير المشترك بيننا وبين المسلمين".
** القتل بوحشية
من جهته، وصف رئيس كاتدرائية القديس جورج للروم الأرثوذكس، الأب الأرشمندريت صفرونيوس، مجزرة عام 1982 بأنها "هجوم ممنهج ضد الإنسانية".
وقال صفرونيوس، الذي كان طفلًا وقت وقوع المجزرة، إن النظام لم يميز بين أي فئة من سكان حماة، مشيرًا إلى أن الناس لم يتجرؤوا على التحدث عن تلك الأحداث طوال 43 عامًا بسبب الخوف.
وتابع قائلًا: "لقد كان النظام متعنتًا ووحشيًا، وأراق دماء العديد من الأبرياء. الناس لا يزالون يذكرونه بكراهية".
وأضاف الأرشمندريت صفرونيوس أن قوات النظام استهدفت أماكن العبادة بشكل متعمد، قائلًا: "قاموا بتفجير هذه الكنيسة القديمة مرتين".
وأشار إلى أن قوات النظام تعمدت سرقة الشمعدانات الذهبية والفضية التي كانت بداخل الكنيسة ودمرت الهيكل الأساسي للكنيسة فضلا عن نهب ممتلكات الوقف التابع لها.
وأوضح صفرونيوس أن العديد من القطع الأثرية الثمينة اختفت بعد التفجيرات، حيث لم يتبقَّ سوى 20 قطعة فقط من أصل 150 قطعة تاريخية كانت موجودة في عموم الكنائس المستهدفة.
واتهم نظام الأسد وحزب البعث بالسعي وقتها لتغيير الهوية الديموغرافية للمنطقة، مشيرا إلى أن النظام صادر العديد من الأراضي التابعة للكنائس.
** مجزرة حماة
في أواخر يناير/ كانون الثاني 1982، بدأت قوات نظام الرئيس السوري الأسبق، حافظ الأسد، حصار مدينة حماة تحت ذريعة القضاء على ما أسماه النظام "تمردا" قاده تنظيم "الإخوان المسلمين".
وتمركزت الوحدات العسكرية والمدرعات على التلال والمناطق المرتفعة المحيطة بالمدينة، وبتوجيه من رفعت الأسد، شقيق حافظ، بدأت المجزرة في 2 فبراير/ شباط بقصف جوي ومدفعي مكثف استهدف الأحياء السكنية.
ووفقًا للشبكة السورية لحقوق الإنسان، قامت قوات الأسد بقتل نحو 40 ألف مدني خلال عمليات القصف والإعدامات الميدانية التي نفذتها في مدينة حماة. كما اختفى أكثر من 17 ألف مدني بعد اعتقالهم من منازلهم، ويُعتقد أن العديد منهم قُتل داخل سجن تدمر (الصحراوي) سيئ السمعة.
كما أدى القصف العنيف إلى تدمير عدة أحياء بالكامل، حيث أُزيلت أحياء السخانة، والكيلانية، والعصيدة، والشمالية، والزنبقي، وبين الحارين عن الوجود، بينما تعرضت أحياء أخرى مثل البارودية، والباشورية، والأميرية لتدمير بنسبة 80 بالمئة.
وألحقت هجمات قوات النظام على المدينة أضرارا جسيمة بالمواقع الأثرية، حيث تم تدمير 88 مسجدًا وثلاث كنائس خلال المجزرة.
وعمدت قوات نظام الأسد وقتها إلى تحويل المدارس والمصانع إلى مراكز احتجاز وتعذيب، بينما استُخدمت المساجد كسجون مؤقتة للمدنيين الذين تم اعتقالهم خلال عمليات المداهمة.