نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

نظرة في الإعلان الدستوري

26/03/2025 - لمى قنوت

رياح الشام

25/03/2025 - مصطفى الفقي

في الردّة الأسدية الإيرانية

22/03/2025 - عبد الجبار عكيدي


عيد بأية حال ... خفايا وملابسات قصيدة أبي الطيب المتنبي في هجاء كافور الأخشيدي




الهدهد -فراس عبدالله - لا يمل العرب في الأعياد من تكرار قصيدة بعينها للمتنبي فبعد أيام ستردد الأغلبية "عيد بأية حال عدت يا عيد " لكن أقلية ضئيلة من تلك الأغلبية تعرف الظروف التي قيلت فيها هذه القصيدة العنصرية التي تكشف عن علاقة مربكة وملتبسة بين الشاعر والسياسي الذي كان بالصدفة أسود البشرة ولو كان أبيضها لما تغير الموقف فالشاعر الذي اراق ماء وجهه وأنكسر طموحه السياسي على أبواب القاهرة بعد إنكساره في بغداد كان لابد أن ينتنقم لكبريائه الجريح الذي تفجر ذات عيد في مرحلة أعداد الشاعر للهرب من قبضة مضيفه فما سر تلك العلاقة المعقدة التي أنتجت هذه القصيدة التي وقع العرب في غرامها على مر العصور ؟


مصر التاريخية ..لوحة من أعمال الفنان ديفيد روبرتس
مصر التاريخية ..لوحة من أعمال الفنان ديفيد روبرتس
علاقة معقدة تلك التي نشأت بين المتنبي صاحب الطموح اللا متناهي وكافور الاخشيدي حاكم مصر ، علاقة بدأت بالهجاء المبطن وانتهت بالهجاء الصريح اللاذع حتى أنها تركت أثرا عميقا في سيرة كافور تاريخيا ، فما إن يذكر حتى تذكر علاقته بالمتنبي وهجاؤه له
وحتى نفهم خفايا تلك العلاقة لا بد أن نعرف أن كافور كان الشخصية الثانية الذي تلا سيف الدولة الحمداني أهمية في سيرة المتنبي فقد فارق أبو الطيب حلب إلى مدن الشام ومصر وكأنه يضع خطة لفراقها ويعقد مجلساً يقابل سيف الدولة. ومن هنا كانت فكرة الولاية حلما دفع به للتوجه إلى مصر حيث كافور الإخشيدي
أبو الطيب الذي غادر حلب وأميرها مكرها بعد تزايد الوشايات به وتكاثر أعدائه عليه كان يبحث عما يضمد به كبرياءه الجريح فشدّ الرحال إلى كافور على كرهه له لأنه طمع في ولاية يوليها إياه ظن أنه حاصل عليه و لم يكن مديح المتنبي لكافور صافياً، بل بطنه بالهجاء و الحنين إلى سيف الدولة الحمداني في حلب ، فكان مطلع أول قصيدته مدح بها كافور:
كفى بك داء أن ترى الموت شافياً وحسب المنايا أن يكن أمانيا
فكأنه جعل كافورا الموت الشافي والمنايا التي تتمنى ومع هذا فقد كان كافور حذراً، فلم ينل المتنبي منه مطلبه، بل إن وشاة المتنبي كثروا عنده، فهجاهم المتنبي، و هجا كافور و مصر هجاء مرا
وليس لنا - مهما أحببنا أبا الطيب وتعصبنا له - أن نبرئه من تهمة النفاق السياسي بمفهومها المعاصر فلو أن كافور استجاب لرغبته وولاه الإمارة لربما ما كنا لنسمع بهجائه لكافور ولكنّا قرأنا بدلا عن ذلك قصائد تمدح وتمجد وتسوغ الأخطاء وتجعلها إنجازات بقدرة قادر كما نشهد في عصرنا الحاضر ،ويبقى للمتنبي في علاقته بالحكام نقاط بيضاء فهو على الرغم من تدهور علاقته بسيف الدولة وهجرته من حلب ما كان ليهجوه أو يذكره بشائنة كما فعل مع كافور ، بل حافظ على دفء العلاقة المليئة بالود والاحترام لشخص سيف الدولة فارس حلب وأميرها وحامي الحدود الشمالية للدولة العربية من غزوات الروم .
هجاء المتني لكافور قاس مليء بالتجريح وتشويه السمعة وتعميم الأحكام مرتكز على سواد كافور وكونه عبدا وكأن المتنبي أراد أن ينتقم منه شر انتقام وأن يرد الطعنة بسهام مسمومة يذكرها الراكب والراجل وتتناقلها المجالس وهو الخبير بمكانة الشعر لدى العرب وكان له ما أراد وهذا ما تفيض به قصيدته في هجاء كافور التي يقول فيها :
عيد بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم لأمر فيك تجديد
أما الأحبة فالبيداء دونهم
فليت دونك بيداً دونها بيد
لولا العلى لم تجب بي ما أجوب بها
وجناء حرف ولا جرداء قيدود
وكان أطيب من سيفي معانقة
أشباه رونقه الغيد الأماليد
لم يترك الدهر من قلبي ولا كبدي
شيئاً تتيمه عين ولا جيد
يا ساقيي أخمر في كؤوسكما
أم في كؤوسكما هم وتسهيد
أصخرة أنا ما لي لا تحركني
هذي المدام ولا هذي الأغاريد
إذا أردت كميت اللون صافية
وجدتها وحبيب النفس مفقود
ماذا لقيت من الدنيا وأعجبه
أني بما أنا شاك منه محسود
أمسيت أروح مثر خازنا ويداً
أنا الغني وأموالي المواعيد
إني نزلت بكذابين ضيفهم
عن القرى وعن الترحال محدود
جود الرجال من الأيدي وجودهم
من اللسان فلا كانوا ولا الجود
ما يقبض الموت نفساً من نفوسهم
إلا وفي يده من نتنها عود
أكلما اغتال عبد السوء سيده
أو خانه فله في مصر تمهيد
صار الخصي إمام الآبقين بها
فالحر مستعبد والعبد معبود
نامت نواطير مصر عن ثعالبها
فقد بشمن وما تفنى العناقيد
العبد ليس لحر صالح بأخ
لو أنه في ثياب الحر مولود
لا تشتر العبد إلا والعصا معه
إن العبيد لأنجاس مناكيد
ما كنت أحسبني أحيا إلى زمن
يسيء بي فيه عبد وهو محمود
ولا توهمت أن الناس قد فقدوا
وأن مثل أبي البيضاء موجود
وأن ذا الأسود المثقوب مشفره
تطيعه ذي العضاريط الرعاديد
جوعان يأكل من زادي ويمسكني
لكي يقال عظيم القدر مقصود
ويلمها خطة ويلم قابلها
لمثلها خلق المهرية القود
وعندها لذ طعم الموت شاربه
إن المنية عند الذل قنديد
من علم الأسود المخصي مكرمة
أقومه البيض أم آباؤه الصيد
أم أذنه في يد النخاس دامية
أم قدره وهو بالفلسين مردود
أولى اللئام كويفير بمعذرة
في كل لؤم وبعض العذر تفنيد
وذاك أن الفحول البيض عاجزة
عن الجميل فكيف الخصية السود

فراس عبد الله
الخميس 26 نونبر 2009