نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


وحده العقل البارد ينجو من كوارث الحرب الباردة الثانية





على عتبة الحرب الباردة في العام 1946، ألقى الزعيم السوفياتي ستالين كلمته الشهيرة في عيد العمال، ليعلن "أنّ سمة العصر بعد الحرب العالمية الثانية، هي الصراع للقضاء على الإمبريالية، مصدر كل الشرور في العالم". وهكذا انتهى شهر العسل القصير الذي ضمّ الإمبرياليين الغربيين مع خصومهم
الإمبرياليين الشيوعيين الروس.

بعدها أبلغ السيناتور فاندنبرغ الرئيس ترومان: "عليك أن تخرج الى الشعب الأميركي وتخيفه من صميم الجحيم". واستغرق الأمر عاماً حتى أطلق ترومان 1947، عقيدته لمناهضة الشيوعية، معلناً بداية الحرب الباردة الأولى، والتي استمرت حتى 1991.

هكذا تماماً تصرّف بايدن! فبعد عام من غزو أوكرانيا، تطلّب الأمر حرباً في غزة، كي يعلن بايدن عقيدته المؤسسة للمواجهة الكونية الجديدة. لا يعني ذلك احتمالاً وشيكاً لحرب نووية، بل إنّها "حرب باردة ثانية"، تشتعل فيها البراكين الإقليمية، ويبدو كل منها متفرّداً بخصائصه التاريخية والاستراتيجية، لكنها تستمد اندفاعتها جميعاً، من الحوض المتفجّر ذاته، لتبقى مترابطة بخيوط شدّ تتحكّم في مسارها ومآلاتها واصطفافاتها.


 
تمخر قطارات طويلة سهول سيبيريا، تنقل مليون قطعة ذخيرة من كوريا الشمالية نحو جبهة أوكرانيا. وتنهمر مئات مسيّرات "شاهد" الإيرانية على كييف، في حين تشنّ "حماس" والحوثيون والحشد الشعبي هجماتهم بالأسلحة الإيرانية ذاتها على إسرائيل. لذلك، سنحتاج للكثير من الشطح الفكري، كي نتخيّل أنّ هذه القوى تتصرّف بمفردها. 
 
تشتري الصين النفط الروسي والإيراني بأسعار بخسة، لتكرّره وتبيعه بأرباح كبيرة. وتدعم روسيا وإيران في تطوير إنتاجهما الدفاعي في مواجهة العقوبات الاقتصادية. هذا، في حين يصعّد خفر السواحل الصيني والميليشيا البحرية نشاطهما جنوب المحيط الهادئ. 
 
مثل الأواني المستطرقة، تتواصل هذه الساحات على خرائط الباحثين الاستراتيجيين. إنّها تتفاعل معاً في رقصة شيطانية لتشعل الكثير من عدم اليقين والمخاطر في الأفق العالمي، أولاً بسبب كثرة اللاعبين، ثم بسبب مصلحتهم في عدم الاستقرار. 
 
بإحباطها مطامح نتنياهو في التهجير القسري للفلسطينيين، انتزعت الدول العربية – وبشكل أساسي مصر والسعودية - زمام المبادرة السياسية في غزة، لتصبح الممر الإجباري لأي مخرج سياسي للأزمة. هذا في حين يجد بايدن الفرصة ليمرغ أنف نتنياهو - وليس إسرائيل - في التراب، بعدما ذهب بعيداً في مغامراته الرومنسية مع بوتين، ليس في سوريا وحسب، بل وفي أوكرانيا.
 
لكن، في المقابل، تبقى جذوة المجابهة بين إسرائيل و"حزب الله" متّقدة! فبعد عقود من الصفقات بين إيران وإسرائيل لضبط لهب المجابهة بينهما، صار قصّ العشب الإيراني ترفاً باهظاً بالنسبة إلى إسرائيل، وهي لن تقبل، بعد الآن، ببقاء سكين إيران عند عنقها. من سيُشعلها؟ إنّها مسألة وقت! 
 
ترمي كل هذه القوى بصنارتها في أزمة غزة. وفيما تلوح هزيمة بعض أطراف الصراع، من نتنياهو إلى إيران، يصبح السؤال ماذا سيكون ردّهم؟ فلو أنّهم ذهبوا لخيار شمشوم، ستكون كارثة فادحة، لا تترك مجالاً لأي صدفة.
 
تنبع الخطورة الدولية أيضاً، من تزايد عدد اللاعبين، ومن حقيقة أنّ بعضهم يعاني من عدم استقرار ومن القلق الاستراتيجي. فإيران التي تخشى الآن أن تخرج من صراع في غزة صفر اليدين، وتعاني هي ذاتها من تناقضات عميقة، لتبلغ حالات الإعدام على أعمدة الكهرباء في إيران رقماً قياسياً هذا العام، في حين يعمل مركز القرار في طهران كمجموعة منفصلة من الجزر، تظهر ملامح تخلخل وتناقض خطير واضح، في لحظة يحكم إيقاعها الصراع على خلافة خامنئي.
 
 
بالقدر ذاته من عدم اليقين، ورغم التحدّيات الوجودية التي تجابه إسرائيل، تتشقق الحكومة والمجتمع، بين متطرّفين دينيين، وعسكريين متغطرسين، وسياسيين طامحين، وبين رئيس حكومة ملاحق، ليقف المجتمع الإسرائيلي تائهاً بين الخيارات. ويمتد عدم اليقين، بدوره، إلى صلب روسيا التي تغرق في حربها الأوكرانية. 
 
مثل كرات البلياردو في بداية الشوط، تتضارب السيناريوات الدولية، ويصعب ترجيح أي منها. وما يُقلق الاستراتيجيين أنّ الحروب الراهنة تندلع بقرارات واعية، ويتسارع معها الاصطفاف الدولي على جانبي الخنادق، لندخل بشكل معلن حرباً باردة ثانية. 
 
رسمت اتفاقات يالطا 1944 حدود الصراع بين القطبين بوضوح. فلا ثورة هنغاريا 1956، ولا تشيكوسلوفاكيا 1968، ولا ثورة الطلاب في باريس 1968 ولا ثورات بولندا المتكرّرة، نجحت في زعزعتها... إلى أن سقط الجدار. 
 
لكن مع تسارع تفكّك العولمة، ونهاية زمن القطب الواحد، وإعادة اصطفاف حجارة التحالفات الغربية من الأطلسي إلى الهادئ، تبدو يالطا بعيدة المنال. 
 
تغلي العديد من الأزمات وتفور لتمتد على طول حزام أفريقيا جنوب الصحراء، من إثيوبيا إلى السودان إلى مالي. وحتى في قلب أوروبا يبزغ بركان ثانٍ صغير وخطير في كوسوفو. 
 
بل يبدأ الجنّي في القوقاز بالخروج من قمقمه. وفي منطقة تحكمها المافيات، وتتراجع مواردها، وترتخي فيها يد الدولة الروسية المركزية، ويتحضّر القوقاز لجملة من البراكين التي قد تبدو صغيرة، ولكنها تُنذر بتقاطعات غايةً في الخطورة. 
 
فمن حراك ما بعد قديروف في الشيشان، إلى انفجار الغضب الإسلامي في محج قلعة، وصولاً إلى تعثر جهود التهدئة الأرمينية، تتحضّر الحرب المقبلة التي لم تكتمل، من أجل ممرات النفط الأذري عبر أرمينيا نحو تركيا. وفي هذا المناخ، سيكون من السذاجة أن لا نلحظ كثافة غيوم العواصف المتراكمة فوق آسيا الوسطى، إذ لم ينته بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي!
 
ثمة بصيص نور وحيد في هذا الظلام. فرغم أنّ الرئيس شي جينبينغ قد بلغ جيش التحرير الشعبي الصيني أخذ تايوان بالقوة بحلول عام 2027، ثمة مؤشرات جدّية الى أنّ قمّة سان فرانسيسكو بين شي جينبينغ وبايدن قد تنجح في تبريد بعض بؤر الصراع. وليس أدلّ على روح هذه القمّة مما قاله شي جينبينغ: "لا تبحث الصين عن مجالات النفوذ، ولن تخوض حرباً باردة أو ساخنة مع أي بلد". 
 
لكن، بعدما ساد هدوء نادر في شرقنا المتوسطي العاثر، تنفتح البحار على بعضها بعضاً وتتلاطم أمواجها بشراسة ليعود مكسراً للعصي، وبؤرة لثقب أسود كوني. 
 
في هذه الظروف، يشكّل الانجرار إلى الحروب أسوأ المخاطر. وفيما تحتدم الأزمات والصراعات، ويجتمع الأفاقون والشعبويون من كل حدب وصوب، يحتاج العرب الكثير من الحكمة، كي يمكن تحييد منطقتنا من الحروب المقبلة، بأقل التكاليف. فمع نهاية صلاحية أجندات خصوم السلام في الإقليم، تصبح برودة عقل حكماء العرب مقتلاً لجموح العقائديين. 
وفي نهاية الأمر، رغم قتامة المشهد، أجدني مندهشاً، لأني ما زلت متفائلاً. 
--------
النهار العربي
 

سمير التقي
الثلاثاء 28 نونبر 2023