أولا، وخلال اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قال سانشيز، وهو الرئيس الدوري للاتحاد الأوروبي، إن الهجمات على قطاع غزة التي تسببت في مقتل آلاف المدنيين، لم تكن حربا ضد الإرهاب، بل عقابا جماعيا للسكان المدنيين.
وأشار سانشيز بعد زيارة مصر والاجتماع برئيسها عبد الفتاح السيسي، إلى ضرورة التوصل لوقف إنساني دائم لإطلاق النار في المنطقة، بما في ذلك عند بوابة رفح الحدودية.
وأعلن سانشيز أن الوقت قد حان للاعتراف بالدولة الفلسطينية وفق حل الدولتين، وأن بلاده سوف تعترف بها في إطار الاتحاد الأوروبي أو بمفردها.
وعقب هذا التصريح، وصف وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، تصريحات سانشيز بأنها "دعم للإرهاب"، واستدعى سفيري إسبانيا وبلجيكا لدى الخارجية الإسرائيلية مبلغًا إياهما امتعاض تل أبيب من التصريحات المذكورة.
وبحسب كوهين، فإن "إسرائيل تحارب منظمة إرهابية أسوأ بكثير من داعش، التي ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
من جهته، وصف وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس تصريحات كوهين بالسخيفة، مشيرًا أن الشخصيتين اللتين طالتهما اتهامات كوهين هما الرئيسان الحالي والمقبل للاتحاد الأوروبي.
كما أشار ألباريس أنهم (الاتحاد الأوروبي) سيقدمون الرد اللازم على هذا الهراء، وأنه دعا سفيرة إسرائيل في مدريد، روديكا راديان جوردون، إلى الوزارة لتقديم توضيحات بشأن تلك التصريحات، مؤكّدًا أن إسبانيا لن تتوانى عن الرد على مثل هذه التصريحات التي يطلقها مسؤولون إسرائيليون.
هذه الأزمة التي تصاعدت بين البلدين، وصلت بالفعل إلى أبعاد خطيرة بدأت تطفو على السطح مع سحب إسرائيل سفيرتها من مدريد.
** سياسة التوازن في إسبانيا
وخلافا للعديد من أعضاء الاتحاد الأوروبي، لم تقم إسبانيا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل حتى 1986، عندما أصبحت عضوا في الاتحاد الأوروبي.
والسبب في ذلك يرجع إلى أن إسبانيا في زمن فرانسيسكو فرانكو (1939- 1975)، التي تركت وحيدة على الساحة الدولية لفترة بعد الحرب، أقامت علاقات وثيقة مع الدول العربية وبلدان أمريكا اللاتينية من أجل الانضمام إلى منظومة الأمم المتحدة.
واتهم فرانكو، الذي تجنب الاعتراف بإسرائيل، الجالية اليهودية بدعم الماسونية والشيوعية. واللافت في الأمر أنه بعد وفاة فرانكو، الذي بقي في السلطة 40 عاما، لم تغير إسبانيا هذه السياسة لفترة طويلة.
وكان أدولفو سواريز، رئيس وزراء المرحلة الانتقالية إلى الديمقراطية في إسبانيا، أول زعيم أوروبي يستضيف الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، عام 1979.
إلا أن السياسة الإسبانية قد تغيرت مع دخول مدريد الاتحاد الأوروبي عام 1986. واعترفت حكومة غونزاليس بإسرائيل تحت ضغط من أعضاء الاتحاد الأوروبي، بل وجعلت ذلك شرطا للعضوية.
ومع ذلك، واصلت حكومة غونزاليس معارضتها لاحتلال الأراضي الفلسطينية، والدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
وعلى الرغم من ظهور بعض الليونة في السياسة الإسبانية التي وضعها غونزاليس بسبب التغييرات الحكومية، فإن إسبانيا واصلت انتهاج سياسة التوازن تجاه المنطقة.
لذلك، لا بد من القول إن الانتقادات التي وجهها سانشيز لإسرائيل من معبر رفح الحدودي، تتوافق مع سياسة التوازن التي تتبعها إسبانيا منذ عام 1986.
** هل يتسع الصدع في نهج الاتحاد الأوروبي؟
لا يبدو سهلا على رئيس الوزراء الإسباني، ومن ثم نائبته يولاندا دياز، الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتبني هذا القرار على مستوى الاتحاد الأوروبي، خاصة في القمة المقبلة لرؤساء الدول والحكومات، مع وجود أعضاء مثل ألمانيا يتخذون مواقف مؤيّدة بقوة لإسرائيل.
كما لا بد من الإشارة إلى أن دياز، وهي زعيمة حزب سومار الذي يتكون من أحزاب يسارية، تعد ركنًا قويًا من أركان الائتلاف الحكومي في إسبانيا، وتعرف بتأييدها القوي لاعتراف مدريد بالدولة الفلسطينية.
ومع ذلك، يقول سانشيز، إن "العديد من الدول الأعضاء"، بما في ذلك إسبانيا وبلجيكا، تؤيد الاعتراف الجماعي للاتحاد الأوروبي بالدولة الفلسطينية، وهو ما يؤشر إلى وجود صدع أو شرخ في النهج السياسي للتكتل تجاه القضية الفلسطينية.
إن استمرار إسرائيل في ممارسة سياسة رعناء تدمّر جميع الإنجازات التي تحققت في مجال القانون الدولي حتى الآن، سيؤدي إلى اتساع الشرخ بين الدول الأوروبية في هذه القضية.
ومما لا شك فيه، هو أن اتساع هذا الشرخ سيعزز سياسة الضغط التي تمارسها تركيا على الساحة الدولية ضد حكومة إسرائيل الصهيونية، التي تواصل ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب ضد فلسطين.
وفي هذا السياق، يمكن لتركيا أن تتعاون فيما يخص القضية الفلسطينية مع إسبانيا، الرئيسة الدورية للاتحاد الأوروبي، التي فتحت الحرب على الساحة الدولية ضد حكومة إسرائيل الصهيونية، التي تتجاهل قواعد القانون الدولي وترتكب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب.
وإذا لم يكن من الممكن إيجاد حل لهذه القضية في أقرب وقت، فقد يتخذ البلدان مبادرة مشتركة، بما يتماشى مع التقاليد المعمول بها ضمن تحالف الحضارات.
-------------------------------------
وكالة الاناضول
** الكاتب آقين أوزجر، دبلوماسي متقاعد من وزارة الخارجية التركية، وصاحب مؤلفات "منظمة إيتا قد انتهت" (2018)، و"إسبانيا التعددية: نظامها الدستوري ونموذج مكافحة الإرهاب" (2006)، و"القومية الباسكية في التاريخ السياسي الإسباني" (1999).
** الأفكار والآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن سياسة الأناضول.