نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

الصراع على دمشق.. إلى متى؟

13/09/2024 - جمال الشوفي

( ماذا نفعل بالعلويين؟ )

12/09/2024 - حاتم علي

(عن الحرب بصفتها "الأهلية" ولكن!)

07/09/2024 - سميرة المسالمة *

(الأسد المتوجس من غَضبة الداخل)

31/08/2024 - إياد الجعفري*


موسوعة الأكاذيب الأسدية " فبركة “باتريك سيل.؟






ذات يوم قرر مصطفى طلاس أن يسرد أمجاده الشخصية لتستفيد الأمة من خبرة "أبو النياشين" فكتب – افتراضيا - مذكراته ودبجها ،وطبعها وأدخلها الى سوريا ليوزعها ،وهو يظن نفسه صاحب كلمة لكن لدهشته منعت وزارة الاعلام توزيعها في بلد هو وزير دفاعه مع أن جلها إن لم يكن كلها في مديح نفسه ، ومديح سيده لكن ما لم ينتبه له العماد الذي لم يقاتل أية معركة إلا في المخادع إن جملة واحدة منعت مذكراته في حكاية رواها ، وهو يسرد أيامه الذهبية مع حافظ في الكلية العسكرية بحمص حيث كان طلاب الكلية كما قال يتناطحون، ولم يكن يستطيع أحد أن يتفوق على المقبور في القرداحة بالمناطحة .


 
وطبعا المعلومة صحيحة ، فالأسد كان يرفس وينطح ، ويقتل دون رادع لكن لم تجد الوزارة من اللائق أن يشتهر رئيس الدولة بالنطاح كالثيران ، فمنعت الكتاب لتمهد الأرض لفرض سيرة الأسد الأب كما أحب أن يرويها بقلم منافق بريطاني محترف يعرف كيف يمرر المعلومات الكاذبة بألف أسلوب ، وهذه ميزة لا يجيدها إلا كبار المنافقين في العالم ، وكان باتريك سيل الذي كتب سيرة الأسد في موسوعة ضخمة من ثمانمائة صفحة ، ونيف أحدهم لكنه ، والحق يقال احتاط لنفسه وبدل أن يقول بتهذيبه الإنكليزي المعروف اعذروني إن كذبت كثيرا في هذا الكتاب اختار أن يقدم لكتاب سفاح سوريا بعبارة لأوسكار وايلد : "الحقيقة لا تكون صرفة أبدا ، وهي قلما تكون مجردة".
ولاأكتمكم إني كنت مثل كثيرين يعتقدون أن النفاق للحاكم صفة عربية قحة لا يباري فيها قومنا أحد لكني بعد التعرف على صحافيين وكتاب من عينة باتريك سيل وروبرت فيسك الذي رافق القتلة على ظهر دبابة للجيش من دمشق ليشهد مجازر الشبيحة المروعة في الغوطة تغيرت نظرتي كليا، وخفضت نسبة النزاهة عند الصحافي، والكاتب الغربي لأقل من الربع، ورغم هذا الحذر ما أ زال أجد باتريك سيل متفوقا في الكذب، والتزوير والفبركة على كثيرين من كبار المنافقين في العالم.
في كتاب " الأسد..الصراع على الشرق الأوسط " تفوق باتريك سيل على نفسه في سرد الأكاذيب ، وتبريرها ، وإيجاد مخارج منطقية تنافي المنطق ، ففي اشهر واقعة معروفة عن اعلان سقوط القنيطرة قبل ان تسقط في يونيو – حزيران في عام النكسة يتعرض كاتب سيرة الأسد لقصة لا يمكن تجاهلها لأنها دمغت الأسد الأب بالخيانة منذ ذلك التاريخ ، وعند ذكرها اكتفى سيل  بالقول :" أذاع راديو دمشق بلاغا من وزارة الدفاع أعلن فيه أن القنيطرة قد سقطت ، ومهما يكن مصدر هذا البلاغ فقد كان غير صحيح " .
ولا شك أن أول سؤال يقفز الى ذهن القارئ بعد عبارة من هذا هو: النوع كيف لا يكون البلاغ صحيحا، وهو صادر عن وزارة الدفاع ومُذاع من راديو دمشق الرسمي.؟ وهذا اعتراض لا يقف عنده الكاتب، فأفضل وسيلة للتدليس عن أية قضية هي أن تزرع الشكوك حولها، وتقفز منها الى غيرها بعد أن تثبت في الأذهان معلومة خاطئة لذا يسارع سيل الى "التفلسف" حول ذلك القرار الكارثة متسائلا: ولكن هل كان البلاغ الكاذب عن سقوط القنيطرة غلطة مقصودة.؟
وحتى في هذه المقاطع التي نشرتها مجلة "الوسط" في أواخر ثمانينات القرن الماضي، وهي مقتطفات من الكتاب بعد صدوره بعام، والتي تقدم صورة رومانسية للأسد العاشق، وزواجه من الفتاة التي أحبها لابد أن يلاحظ القارئ كيف يتحايل باتريك سيل على الأحداث ويدغمها كي لا يروي حقائقها كاملة، فأنيسة مخلوف ليست إبنة عمته سعدى كما يشاع لكنها إحدى زوجات أحمد مخلوف والد أنيسة لكن هل كان الزواج شرعيا بموافقة العائلة، أم "خطيفة" كما يقال في العامية السورية حين يكون الزواج دون موافقة الأهل.؟
وأمام هذا الموقف المربك ، وبعد أن تم الزواج وصار للأسرة أولاد منهم السفاح الحالي وجد مؤلف سيرة الأسد أنه لا يستطيع بناء على أوامر السلطان الذي يضرب بسيفه أن يتبنى فكرة "زواج الخطيفة" لذلك لفلف القصة ، وبعد أن ذكر بعض الخلافات المتعلقة بالمستوى الطبقي المتدني لعائلة الأسد أمام المخلوفيين ، و أثني على الفتاة "الذكية النقية" أنيسة مخلوف وجد انه من الأفضل أن يختصر الزواج بعبارة قصيرة فقال :" استمر الصراع من أجل أنيسة ، وأخيرا تمكن الأسد من التغلب على شكوك أسرتها ، فحملها الى دمشق ، وتزوجها أمام القاضي". .
وهنا لك كامل الحق أن تسأل المؤلف " هل تصدق نفسك يا باتريك.؟ ولماذا لا تروي الحقيقة كما هي فإن كان قد تغلب على شكوك اسرتها لماذا لم يتزوجها في القرداحة، أو في بستان الباشا حيث تقيم أسرتها؟ وقطعا لن يجيبك المؤلف الذي كتب كتابا ضخما في مديح أكبر سفاح في الشرق الأوسط بعد ابنه عن هذا السؤال، فأنيسة يجب ان تظل نقية، والنقيات الذكيات لا يتزوجن "خطيفة " دون موافقة الأهل.
أما أغرب مبالغات المنافق الإنكليزي الذي تفوق على نفسه ، وأقرانه بالنفاق فهو اجتهاده في تصوير أنيسة باسلوب أسطوري ، وحرصه على رواية حلم لها حلمت به قبل ليلة من قيام بعلها بالحركة التخريبية ، وفي الحلم كانت أنيسة تسير في الشارع ، فرأت حشدا يشخصون بأبصارهم نحو وجهة واحدة ، فلما اقتربت وجدت علبة بها ثقب صغير ، فوضعت عينها على الثقب ، وهناك تراءى لها المسجد الأقصى في القدس ، فأمسكت بالعلبة ثم استدارت الى الخلف ، فوجدت زوجها يقف وراءها ، فدفعت اليه بالعلبة ، وفي الصباح قصت عليه حلمها وقالت : " انك منتصر على أعدائك وسوف تكون أقوى زعيم عربي "
وإن كنت مبالغا في حسن النية تستطيع أن تبرر لباتريك سيل هذه الكذبة الرمادية لكن ماذا عن الأكاذيب الأخرى، وكلها من النوع الثقيل "المفبرك" وغير القابل للتصديق ومن ذلك مثلا إن عائلة الأسد تنحدر من أعرق القبائل العربية، وبعد عامين من صدور الكتاب يقول شقيقه الأصغر جميل إن جدهم الأكبر جاء من منطقة "بهرز" في شمال العراق وتلك منطقة ليس فيها رائحة لا للعرب، ولا للعروبة، وعلى أثر ذلك الاعتراف صار لقبهم عند السوريين بيت البهرزي.
لقد كان مطلوبا من الكاتب أن يجد لهم نسبا عربيا خالصا، وأن يؤلف، أو ينقل عنهم مجموعة أكاذيب عن كيفية تغيير اسمهم من بيت الوحش الى بيت الأسد، وأن يؤلف مجموعة أساطير عن جدهم البارع بالرماية لدرجة انه كان يستطيع بمسدسه القديم ان يصيب مسلة، او ابرة على جذع شجرة عن مسافة مئة متر، وهذا الجد المغوار نفسه قام بصد كتيبة للفرنسيين مع ثلة من أصحابه بالسيوف، والمسدسات العتيقة.
وعلى من صدق هذه الحكاية في الزمن القديم أن يتذكر انه بعد قيام الثورة لطم المندوب الفرنسي مندوبهم الجعفري أبو شهرزاد على وجهه في مجلس الأمن حين ذكره بوجود وثيقة في الخارجية الفرنسية تثبت أن جد العائلة كان من الموقعين على وثيقة تطالب باستمرار الانتداب الفرنسي، وعدم الحاق مناطقهم بالدولة السورية في دمشق مما يعني باختصار ، انهم كانوا- وخلافا لباتريك سيل الذي سربلهم بالوطنية والقومية ورسم صورتهم كما يريدون – مجرد عملاء صغار للفرنسيين، وخونة بالوثائق من الجد للولد للحفيد، وهاهم ما زالوا كما أثبتت التطورات والوثائق والحقائق بعد الثورة السورية العظيمة أسرة خيانة، وعمالة للأجنبي إسرائيليا كان أو إيرانيا ،او فرنسيا ،وهاهو تاريخهم وحاضرهم  يثبت لمن ما يزال عنده بعض الثقة بهم ، وبأبواقهم انهم مستعدون للتعاون، وتقديم الخدمات لكل من يدفع لهم ليحافظوا على نفوذهم المشبوه ، و المحمي من قوى دولية غامضة عقد معها الأسد الأب صفقته المشينة أثناء زيارته السرية الى لندن قبل عامين من نكسة يونيو - حزيران ، ولم يكن بلاغ سقوط القنيطرة قبل ثلاثة أيام من دخول الإسرائيليين إليها إلا أول دفعة على الحساب .
-----------
العربي القديم
 
 

د . محيي الدين اللاذقاني
السبت 24 غشت 2024