فقد مرت تسع سنوات على قيادتي لمجموعة من الجيش الحر للمشاركة في معركة طرد تنظيم الدولة (داعش) من مدينة عين العرب - كوباني، والوقوف إلى جانب إخوتنا الكرد في وجه الهجوم البربري الذي شنه عناصر التنظيم الإرهابي على المدنيين الأمنيين هناك، لم أتكلم خلال تلك السنوات ورغم كل ما تعرضت له، عن حيثيات وأسباب وتداعيات قرار المشاركة في تلك المعركة.
ما جعلني أطلق العنان لقلمي لإخراج بعضٍ مما في القلب الذي امتلأت جدرانه بندوب الخذلان، هو ما حصل في انتفاضة عشائر دير الزور في وجه قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتي أعادتني بالذاكرة إلى تسع سنوات خلت، وبتاريخ الثالث عشر من شهر أيلول\سبتمبر\ من عام 2014، شن تنظيم الدولة (داعش) هجوماً كاسحاً على مدينة عين العرب (كوباني)، دون سابق إنذار، معززاً بكل أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة بما فيها الدبابات والمدفعية، وكأنه يهاجم قطعة عسكرية محصنة، مجتاحاً أكثر من ثلاثمئة وخمسين قرية تتبع لها، وتقع تحت ما يسمى قوات الحماية الشعبية (Y P G) وقوات حماية المرأة (Y P J) التابعين لحزب الاتحاد الديمقراطي (P Y D)، دون أي مقاومة، مخلفاً قتلى وحالة من الرعب والهلع بين السكان المدنيين الذي نزحوا من بيوتهم باتجاه تركيا التي فتحت لهم أبوابها واستقبلتهم بداية في مدينة سروج الواقعة على الجهة المقابلة لعين العرب.
خلال أيام قليلة تمكن التنظيم من السيطرة على سبعين في المئة من مدينة عين العرب بعد أن سيطر على كامل ريفها، دون أن تسمح سلطة الأمر الواقع هناك لأي من أبناء المدينة وريفها بالمقاومة، متعمدةً تهجيرهم إلى تركيا وإفراغ المدينة
الرتل الذي هاجم المدينة كانت وجهته المعلنة مطار دير الزور العسكري لتحريره، ومن غير المعروف سبب تغيير وجهته، ولكن النتائج الكارثية والمآلات التي أوصلت المنطقة من مدينة عين العرب وصولا إلى أقصى شرق دير الزور والحسكة مروراً بمحافظة الرقة ومدينة منبج، يدلل على أن هذا الفعل كان مخططاً له من قبل جهات دولية وإقليمية وبالتنسيق بين نظام الأسد وميليشيا قنديل التابعة له، ولم تكن داعش سوى أداةٍ لتنفيذه.
خلال أيام قليلة تمكن التنظيم من السيطرة على سبعين في المئة من مدينة عين العرب بعد أن سيطر على كامل ريفها، دون أن تسمح سلطة الأمر الواقع هناك لأي من أبناء المدينة وريفها بالمقاومة، متعمدةً تهجيرهم إلى تركيا وإفراغ المدينة، واكتفت بمناشدة المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة للتدخل العسكري، في حين علت أصوات قيادات حزب العمال الكردستاني الموجودة في تركيا المطالِبة بدخول عناصرها (P K K) من تركيا إلى سوريا للدفاع عن عين العرب، وهذا ما حصل فعلاً.
لم يتردد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في الاستجابة لمطالبهم وكأن الأمر مُعد له مسبقاً، فالرجل ذكر خلال أسبوع واحد في تصريحاته الصحفية مدينة (كوباني) اثنتي عشرة مرة، لدرجة ظن البعض أن سوريا محافظة تقع جنوب عين العرب وتتبع لها، فأوعز للتحالف الدولي بتلبية مطالب الأحزاب الكردية، والتدخل المباشر واعتبارهم حليفاً رئيسياً في الحرب على الإرهاب، وإمدادهم بكل ما يحتاجون من أحدث الأسلحة وأجهزة الاتصال المتطورة للتنسيق الكامل بينهم.
ذهبت بعد يومين إلى مدينة سروج التركية برفقة بعض الأصدقاء للتضامن مع أهلنا الكرد، وقد أدركت مسبقاً أنهم ضحية لمسرحية أعدتها بعض القوى العالمية لتمكين هذا التنظيم القنديلي من التسلط على الكرد وتهجيرهم من ديارهم، واحتلال مدن وبلدات عربية محيطة بهم باتجاه الغرب والشرق لإقامة كانتونهم المزعوم وخلق شرخ كبير بين العرب والكرد الذين لم يذكر التاريخ أن خلافاً أو صراعاً وقع بينهم أبداً.
في تلك الأثناء كانت تدور معارك استنزاف ضارية جداً بين مقاتلي الجيش الحر وتنظيم داعش في ريف حلب الشمالي بالقرب من مدينة مارع وأخترين وصوران والراعي وغزل والتقلي وباقي البلدات، استُشهد فيها خيرة مقاتلي الجيش الحر وقادته، وقُتل المئات من عناصر التنظيم، الذي شعر بأن الكثير من عناصره الذين أكثرهم من أبناء تلك المناطق بدؤوا يتململون ويترددون في قتال الجيش الحر، لأنهم يعرفون في قرارة أنفسهم وهم الذين كان أغلبهم ضمن صفوف الحر، كَذب قيادات التنظيم بأن مقاتلي الجيش الحر أو أهالي تلك المناطق مرتدون أو كفار أو ما شابه من التهم التي يلصقها التنظيم بهم، فكان خيار التنظيم فتح معركة باتجاه آخر ضد من يحلو لقادة التنظيم تسميتهم (الملاحدة الأكراد)، وبالفعل تمكنوا من إقناع عناصرهم بأنهم يقاتلون ملاحدة ماركسيين، ما جعلهم يتسابقون للهروب من جبهات حلب الشمالي والذهاب باندفاع جنوني إلى عين العرب والموت هناك عسى أن يحظوا بالحور العين.
كان قد مضى على استقالتي من قيادة المجلس العسكري في حلب أقل من عام بقليل، ولم يكن لي أي منصب رسمي، ولكن كانت وجهة نظري أن الواجب الوطني والأخلاقي والإنساني يفرض علينا مناصرة ومساندة أهلنا الكرد في عين العرب وليس الوجه الآخر لداعش المتمثل بحزب الاتحاد الديمقراطي وأذرعه العسكرية، في وجه هذا الهجوم البربري، فالمدينة سورية وتعتبر من أوائل المدن التي انتفض أهلها في وجه نظام الأسد، وتفويت الفرصة على تنظيم (ب ي د) لتحقيق أهدافه بأن يكون البطل الذي تصدى لداعش وحده وحرر المدينة، ما يعني سيطرته الكاملة وإقصاء كل الخصوم، وتشويه صورة الجيش الحر أمام الكرد بأنه وقف متفرجاً عليهم وهم يقتلون على يد داعش ولم يناصروهم في بداية حتمية للتقسيم.
بعد ما يقارب الشهر وبعد اتصالات ومشاورات اتفق قادة سبعة فصائل عسكرية كبرى أذكر منها جيش الإسلام، فيلق الشام، جبهة ثوار سوريا وحركة حزم، جيش المجاهدين والفيلق الخامس الذي كان يضم أغلب فصائل إدلب، على إرسال قوات للتصدي لتنظيم داعش ومساندة أهلنا الكرد هناك، وتم التوافق بينهم بإشراف الجانب التركي ممثلاً بمسؤول الملف آنذاك المعروف بأبي فرقان والذي رعى كل اجتماعاتهم، واتفقوا على تكليف العقيد عبد الجبار عكيدي قائداً لتلك الحملة، كونه كان قائداً سابقاً للمجلس العسكري في حلب، ووقع جميع ممثلي تلك الفصائل على ذلك، وعلى أن يرسل كل قائد فصيل مئتين وخمسين مقاتلاً وإن اقتضت الحاجة مضاعفة هذا العدد بكامل سلاحهم وعتادهم، عدا قائد جيش المجاهدين المقدم محمد بكور أبو بكر الذي قال بأنه لا يمكنه إرسال سوى مئة مقاتل، وبذلك يصبح العدد \1350\ مقاتلاً، وكان الاتفاق على ألا يُسحب أي مقاتل من جبهات حلب المشتعلة وخاصة في حندارات.
بعد ما يقارب الساعة صرح الرئيس التركي السيد رجب طيب أردوغان بأن تركيا سوف تسمح بعبور \1300\ مقاتل من الجيش الحر عبر الأراضي التركية إلى عين العرب للمشاركة في قتال تنظيم داعش الإرهابي، وكذلك السماح لقوات البشمركة العراقية القادمة من أربيل
تم تبليغ الرئاسة التركية بالأمر من قبل أبي فرقان، وقبل أن أتوجه عائداً إلى غازي عنتاب صرحت لوكالة الأناضول التركية بمضمون الاتفاق وقرار فصائل الجيش الحر، وعند وصولي إلى غازي عنتاب توجهت مباشرة إلى مكتب قناة الجزيرة حيث كانوا بانتظاري لإعلان الخبر عبر قناتهم، وبعد ما يقارب الساعة صرح الرئيس التركي السيد رجب طيب أردوغان بأن تركيا سوف تسمح بعبور \1300\ مقاتل من الجيش الحر عبر الأراضي التركية إلى عين العرب للمشاركة في قتال تنظيم داعش الإرهابي، وكذلك السماح لقوات البشمركة العراقية القادمة من أربيل.
لا شك أن هذا التوجه الحازم نحو مقاتلة داعش كان يتداخل مع شعور بالغ القلق من إرهاصات عملية عديدة لقوى الثورة المضادة التي بدت علائمها تتجسّد على أرض الواقع، ولعل من أبرز تلك القوى دون أدنى ريب هو تنظيم داعش، الأمر الذي جعلني راسخ القناعة بأن هزيمة داعش في أي بقعة من الجغرافيا السورية هي انتصار للثورة السورية، فلمَ لا تكون الهزيمة الأولى لداعش في عين العرب؟ وهكذا عقدنا العزم، فكيف كانت سيرورة المواجهة؟ هذا ما سيكون موضوع المادة المقبلة بعون الله.
-----------
تلفزيون سوريا