-
الخلاف بشأن الملف اليمني
أطلقت كل من السعودية والإمارات معركة عسكرية لمواجهة الحوثيين في اليمن تحت اسم عاصفة الحزم في عام 2015، بعد تأسيس التحالف العربي بقيادة السعودية. وبعد أقل من سنة على انطلاق المعركة حولت الإمارات عملياتها العسكرية من محاربة الحوثيين إلى محاولة السيطرة على المواقع الجيوستراتيجية على سواحل اليمن وخاصة ميناء عدن المطل على مضيق باب المندب. وقد أسست أبوظبي قوات غير نظامية موالية لها في اليمن تحت اسم المجلس الانتقالي، ويبلغ قوامها 200 ألف عنصر. استطاعت الإمارات إلى جانب هذه القوات السيطرة على معظم الساحل الجنوبي بالإضافة إلى ميناء عدن وعلى عدد من الجزر المجاورة. ومع نهاية 2019 قررت أبوظبي الانسحاب العسكري من اليمن بعد تثبيت قوات المجلس الانتقالي ودعمه عسكريا وماليا على حساب الحكومة الشرعية التي تدعمها السعودية. وقد استولت القوات التابعة للإمارات على المقار الحكومية والقصر الرئاسي في عدن. ويعتبر سلوك الإمارات في اليمن مزعزعاً للاستقرار ولا يخدم مصالح السعودية في تحييد قوات الحوثي، وتحقيق الاستقرار في اليمن والذي ينعكس على استقرار المنطقة الجنوبية للسعودية. لكن الأخيرة استطاعت تجميد الصراع مع الحوثيين في اليمن بعد تطبيع العلاقات مع إيران.
-
الخلافات على سياسات تخفيض إنتاج النفط
تقود السعودية منذ أكثر من عامين جهوداً دولية لتحقيق التوازن بين العرض والطلب على النفط في السوق الدولية منعا لانخفاض الأسعار كما حصل مع بداية جائحة كورونا. وأظهرت السعودية وباقي دول أوبك بلاس التزاما كبيرا في خفض الإنتاج، الا أن الإمارات طالبت عدة مرات بزيادة حصتها في الإنتاج، وقد حصلت على زيادة في بداية العام الحالي 2023. وتحاول الإمارات رفع إنتاجها من 4 ملايين برميل يوميا إلى 5 ملايين، وقد تعاقدت مع العديد من الشركات لشراء حفارات النفط الحديثة. سياسة النفط الإماراتية تضر بالسعودية التي ضحت بخفض إنتاجها الطوعي منذ بداية الأزمة على الطلب قبل عامين، وطلب الإمارات المتكرر قد يدفع الدول الأخرى لطلب زيادة إنتاجها مثل العراق، وبالتالي قد يؤدي إلى انهيار اتفاق مجموعة أوبك بلاس وانخفاض أسعار النفط لمستويات قياسية. ولابد من الإشارة إلى أن السعودية أشد حرصاً من الإمارات في المحافظة على أسعار النفط مرتفعة، لأن الاقتصاد السعودي يعتمد بنسبة 73% على تجارة النفط، فيما يعتمد الاقتصاد الإماراتي على 30% فقط.
-
التنافس حول مركزية المنطقة
تعتبر الإمارات مركزا ماليا واقتصاديا إقليميا، كما تعتبر مركزا للشركات الدولية، ونقطة انطلاق ونقل دولي ودعم لوجيستي، واكتسبت هذا المركز لما تمتلكه من مطارات دولية وموانئ وبنية تحتية متكاملة وأسواق حرة هي الأكبر في المنطقة، مما أعطاها فاعلية كبيرة على المستويين السياسي والاقتصادي. السعودية، باعتقادي، كونها دولة إقليمية كبيرة تمتلك إمكانيات ضخمة ترى أن لها الأولوية في أن تكون مركزاً اقتصادياً ونقلاً دولياً، ومقراً للشركات الدولية. وبحسب رؤية 2030 تحاول المملكة تأسيس بنية تحتية متكاملة بكلفة 142 مليار دولار تقريبا، وتشمل مطارات جديدة وشركات طيران، وسكك حديد وطرقا دولية، وموانئ. كما تحاول السعودية نقل جميع مقار الشركات الدولية من دبي إلى الرياض عبر فرض قانون يلزم تلك الشركات بفتح فروعها في السعودية. وقد يزعج هذا القانون الإمارات لأنه قد يفقدها جزءا من مكانتها كمركز إقليمي للشركات الدولية الكبرى، كما أن سعي السعودية لتكون مركزا دوليا للنقل سيخلق منافسة بينها وبين الإمارات وقد يفقد الأخيرة جزءا من أهميتها التجارية الدولية والإقليمية.
-
انعكاسات الصراع السوداني على العلاقات السعودية الإماراتية
الملف السوداني قد يكون في قادم الأيام ملفاً ضاغطاً على العلاقات السعودية الإماراتية، لأن الدولتين تدعمان الطرفين المتصارعين، فالسعودية تدعم الجيش السوداني، وتسعى لتحقيق الاستقرار في السودان، فيما تدعم الإمارات قوات الدعم السريع مالياً وعسكرياً. وقد يفتح الدعم العسكري لقوات الدعم السريع المجال لإطالة فترة الصراع وتوسيع دائرة الصراع في البلاد كما سيزيد من انتشار الميليشيات المسلحة غير النظامية والتي قد تزعزع أمن السعودية على سواحل البحر الأحمر. فعلى سبيل المثال قد تقوم بعض الميليشيات في السودان بإثارة المشكلات الأمنية في البحر الأحمر، مما قد يؤدي إلى تهديد مشاريع السعودية المتعلقة بتحولها إلى مركز نقل جوي وبحري عالمي، ويؤجل انطلاق المدن الصناعية في كل من جدة وجازان الواقعتين على البحر الأحمر. فارتفاع مستوى عمليات القتال وعدم الاستقرار وانتشار المظاهر المسلحة في السودان يضغط على السعودية وقد يجعلها تعود خطوة إلى الوراء إذا ما شهدت سواحل البحر الأحمر حالة من الاختراقات الأمنية التي تهدد المشاريع في المستقبل. وتحقيق السعودية للرؤية الاقتصادية التي تتضمن جذب الاستثمارات وتحويل البلاد إلى مركز دولي لسلاسل التوريد يحتاج إلى بيئة إقليمية آمنة، ولاسيما على البحر الأحمر الذي سيشكل نقطة الانطلاق الأولى لغالبية مشاريع المملكة، ومن المقرر أن يكون الساحل الغربي للمملكة موطنًا مستقبليًا لمدينة نيوم، وهي مدينة ضخمة تبلغ قيمة تأسيسها 500 مليار دولار. وقد يشتد الصراع في السودان ويمتد لسنوات إذا تلقت أطراف الصراع الدعم العسكري والمالي المستمر من قِبل فاعلين دوليين، وبذلك فإن المشاريع على البحر الأحمر لن تحقق استقراراً، وستصبح إمكانية تطويرها ضعيفة، ولن يتشجع المستثمرون الدوليون على الاستثمار في بيئة غير مستقرة، كل هذه التوقعات تسبب قلقا للقيادة السعودية وتجعلها ترفض سياسة الإمارات في السودان. ولذلك يشكل الموقف الإماراتي من دعم قوات الدعم السريع تهديدا لعملية التنمية في السعودية التي هي في صدد العمل عليها، الأمر الذي قد يؤدي إلى تعميق الخلافات بين الدولتين، وقد يكون جزءا من التنافس بين الدولتين حول مركزية المنطقة من الناحية السياسية والاقتصادية والجيوستراتيجية.
في النتيجة نحن أمام سيناريوهين لمصير العلاقات السعودية الإماراتية، السيناريو الأول، المحافظة على التحالف بين الدولتين وهو السيناريو الأرجح، ويدعم هذا السيناريو أن بين الدولتين تحالفا أمنيا متينا يحقق الاستقرار لمنطقة الخليج العربي على أقل تقدير، ومكاسب هذا التحالف أعمق من أي خلافات قد تحدث بين الدولتين. في حين تقوم الدولتان بإدارة الملفات الخلافية بدلا من مواجهتها. ويدعم التحالف الأمني بين الدولتين نفوذهما على المستوى الإقليمي والدولي، بالإضافة لامتلاكهما قوة عسكرية لاسيما سلاح الجو الذي يصنف الأكثر تطوراً في منطقة الشرق الأوسط إلى جانب تركيا والكيان الإسرائيلي. وحدوث توتر في العلاقات وممارسة الدولتين سلوك المواجهة أو الإقصاء سيكون له آثار سلبية عميقة على استقرار المنطقة.
السيناريو الثاني، انتهاء التحالف بين الدولتين وهو سيناريو مرجح، ويدعم هذا السيناريو، أن السياسة الخارجية الإماراتية الإقليمية تضر بأمن السعودية لاسيما في الملف اليمني سابقاً، والملف والسوداني حالياً، وقد توحي هذه الخلافات بأن التحالف بين السعودية والإمارات تحالف ظرفي وليس مرتبطاً بمصالح استراتيجية بعيدة. فالإمارات تسعى لمد نفوذها على محيطها الخليجي والعربي والتأثير عليه بما يخدم مصالحها. والسعودية من ناحية أخرى اعتادت تقليديا على قيادة السياسة الخارجية لدول الخليج، وهي الدولة الخليجية الأكبر، لذا فإن ما يبدو تحالفا بين الإمارات والسعودية قد يكون ظرفيا محدودا بمصالح الدولتين في المنطقة، وإن ما يعزز التحالف الحالي هو العلاقات الشخصية بين ولي العهد محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد.
----------------
تلفزيون سوريا