وهي المرة الأولى في تاريخ تركيا التي تجري فيها جولة ثانية، علماً أن نسبة المشاركة في الاقتراع كانت الأعلى في تاريخ الانتخابات التركية أيضاً، وقد تجاوزت نسبة المشاركين 92,88% من الناخبين الذين يفوق عددهم 60 مليوناً بقليل.
قواعد السياسة الخارجية التي يعتمدها كل من المرشحين الرئيسيين في تركيا متباعدة جداً، فأردوغان على خلاف مع الولايات المتحدة الأميركية منذ الانقلاب الفاشل الذي حصل ضده عام 2016، وهو اتهم واشنطن بدعم الذين خططوا للانقلاب، وبعضهم هرب إلى الولايات المتحدة ورفضت هذه الأخيرة إعادة تسليمهم إلى سلطات أنقرة. كما أن أردوغان أرسى صداقة شخصية متينة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعدما وصلت العلاقات بين أنقرة وموسكو إلى حافة الحرب في الشهور الأخيرة من عام 2015، بسبب إسقاط الدفاعات التركية طائرة عسكرية روسية فوق أراضي شمال سوريا. وهذه العناوين فرضت تموضعاً دولياً جديداً لتركيا، من دون أن يصل الأمر معها إلى حد الانسحاب من حلف الناتو الذي يخوض حرباً غير مباشرة ضد روسيا في أوكرانيا.
أمّا كليتشدار؛ فهو صديق للإدارة الأميركية، وكشف في خطابات التعبئة الانتخابية أنه سيغير بالكامل المسار الذي تنتهجه تركيا حالياً على المستوى الخارجي، وسيُعيد خطوط التواصل بين بلاده والاتحاد الأوروبي، والتي دمرها أردوغان – على حد تعبيره – وصولاً إلى حد إعادة النظر بالموقف من الحرب الجارية في أوكرانيا، متهماً أردوغان بالانحياز إلى روسيا. وهو هاجم الاجتماع الذي عقده وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو ونظيره السوري فيصل المقداد برعاية وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف في موسكو قبل أيام من الانتخابات، معتبراً أن هدفه تقديم خدمات انتخابية لأردوغان، لأن عدداً كبيراً من الناخبين في جنوب تركيا يتأثرون بالعلاقة مع سوريا، خصوصاً في لواء اسكندرون وفي مدينة غازي عنتاب الكبيرة، كما أن الإعلان عن وضع خطة لإعادة النازحين السوريين في تركيا إلى بلادهم، يخدم حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان.
ويتمدَّد التباين الكبير بين رؤية المرشحَين إلى الموقف من دول الجوار، وإلى التموضع الذي تعتمده تركيا في المنتديات الدولية. فأردوغان تبنّى التوجهات الإسلامية، وأعاد إحياء المنطلقات التي كانت تستند إليها الإمبراطورية العثمانية قبل عام 1923، مركّزاً على إحياء الروح القومية، وهو احتضن الحركات الإسلامية الإخوانية في دول الجوار، لا سيما العربية منها، كما أنه وقف إلى جانب الشعب الفلسطيني ضد العدوان الإسرائيلي، خصوصاً إبان انتفاضة عام 2009 في غزة. وأردوغان يرغب بتطوير هذه التوجهات فيما لو فاز في ولاية رئاسية جديدة – وهو احتمال قائم – وزيارته كنيسة آيا صوفيا التي أعاد تحويلها إلى مسجد في عام 2021 بعدما كانت متحفاً في إسطنبول قبل يومين من يوم الانتخاب؛ يؤكد هذه التوجهات، رغم الاعتراض الواسع على قراره في الدول الغربية، نظراً إلى الرمزية المسيحية التي تشير إليها كنيسة آيا صوفيا عبر التاريخ.
وتختلف المنطلقات السياسية للمرشح كمال كليتشدار أوغلو في الإقليم عن منافسه، وهو يستند إلى ركائز حزب الشعب الجمهوري الذي يُعتبر امتداداً "للأتاتوركية" (نسبة ألى كمال أتاتورك) التي أسست الدولة العلمانية في عام 1923، وألغت كل المنطلقات الإمبراطورية العثمانية، وفي ذلك يكون على طرف نقيض مع الخط الذي يعتمده أردوغان. وليس لكليتشدار أوغلو طموحات توسعية إقليمية، فهو سيعيد النظر بسياسة بلاده تجاه العراق وسوريا كما تجاه القضية الكردية، وسيتراجع عن التدخلات التي أرساها أردوغان في أذربيجان وفي ليبيا، بما في ذلك سحب القوات العسكرية التركية منهما، وإيقاف الدعم للمجموعات التي تناصر نظام أردوغان والتي تعتمد التوجهات الإسلامية المتشدِدة.
لا يمكن التنبّؤ بنتائج الدورة الثانية التي ستجري في 28 أيار، فاحتمالات الفوز متساوية تقريباً بين المرشحَين، بصرف النظر عن التفوق البرلماني الذي حققه تحالف "الجمهور" الذي يتزعمه أردوغان (321 نائباً) على حساب "تحالف الأمة" الذي يتزعمه كليتشدار (217 نائباً)، خصوصاً في ظل الضبابية التي تحيط بموقف المرشح المستقل سنان أوغان الذي حصل على 5.7% من الأصوات. لكن مهما كانت النتيجة فإن سياسة تركيا الخارجية ستشهد تغييرات كبيرة.
--------
النهار العربي
قواعد السياسة الخارجية التي يعتمدها كل من المرشحين الرئيسيين في تركيا متباعدة جداً، فأردوغان على خلاف مع الولايات المتحدة الأميركية منذ الانقلاب الفاشل الذي حصل ضده عام 2016، وهو اتهم واشنطن بدعم الذين خططوا للانقلاب، وبعضهم هرب إلى الولايات المتحدة ورفضت هذه الأخيرة إعادة تسليمهم إلى سلطات أنقرة. كما أن أردوغان أرسى صداقة شخصية متينة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعدما وصلت العلاقات بين أنقرة وموسكو إلى حافة الحرب في الشهور الأخيرة من عام 2015، بسبب إسقاط الدفاعات التركية طائرة عسكرية روسية فوق أراضي شمال سوريا. وهذه العناوين فرضت تموضعاً دولياً جديداً لتركيا، من دون أن يصل الأمر معها إلى حد الانسحاب من حلف الناتو الذي يخوض حرباً غير مباشرة ضد روسيا في أوكرانيا.
أمّا كليتشدار؛ فهو صديق للإدارة الأميركية، وكشف في خطابات التعبئة الانتخابية أنه سيغير بالكامل المسار الذي تنتهجه تركيا حالياً على المستوى الخارجي، وسيُعيد خطوط التواصل بين بلاده والاتحاد الأوروبي، والتي دمرها أردوغان – على حد تعبيره – وصولاً إلى حد إعادة النظر بالموقف من الحرب الجارية في أوكرانيا، متهماً أردوغان بالانحياز إلى روسيا. وهو هاجم الاجتماع الذي عقده وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو ونظيره السوري فيصل المقداد برعاية وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف في موسكو قبل أيام من الانتخابات، معتبراً أن هدفه تقديم خدمات انتخابية لأردوغان، لأن عدداً كبيراً من الناخبين في جنوب تركيا يتأثرون بالعلاقة مع سوريا، خصوصاً في لواء اسكندرون وفي مدينة غازي عنتاب الكبيرة، كما أن الإعلان عن وضع خطة لإعادة النازحين السوريين في تركيا إلى بلادهم، يخدم حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان.
ويتمدَّد التباين الكبير بين رؤية المرشحَين إلى الموقف من دول الجوار، وإلى التموضع الذي تعتمده تركيا في المنتديات الدولية. فأردوغان تبنّى التوجهات الإسلامية، وأعاد إحياء المنطلقات التي كانت تستند إليها الإمبراطورية العثمانية قبل عام 1923، مركّزاً على إحياء الروح القومية، وهو احتضن الحركات الإسلامية الإخوانية في دول الجوار، لا سيما العربية منها، كما أنه وقف إلى جانب الشعب الفلسطيني ضد العدوان الإسرائيلي، خصوصاً إبان انتفاضة عام 2009 في غزة. وأردوغان يرغب بتطوير هذه التوجهات فيما لو فاز في ولاية رئاسية جديدة – وهو احتمال قائم – وزيارته كنيسة آيا صوفيا التي أعاد تحويلها إلى مسجد في عام 2021 بعدما كانت متحفاً في إسطنبول قبل يومين من يوم الانتخاب؛ يؤكد هذه التوجهات، رغم الاعتراض الواسع على قراره في الدول الغربية، نظراً إلى الرمزية المسيحية التي تشير إليها كنيسة آيا صوفيا عبر التاريخ.
وتختلف المنطلقات السياسية للمرشح كمال كليتشدار أوغلو في الإقليم عن منافسه، وهو يستند إلى ركائز حزب الشعب الجمهوري الذي يُعتبر امتداداً "للأتاتوركية" (نسبة ألى كمال أتاتورك) التي أسست الدولة العلمانية في عام 1923، وألغت كل المنطلقات الإمبراطورية العثمانية، وفي ذلك يكون على طرف نقيض مع الخط الذي يعتمده أردوغان. وليس لكليتشدار أوغلو طموحات توسعية إقليمية، فهو سيعيد النظر بسياسة بلاده تجاه العراق وسوريا كما تجاه القضية الكردية، وسيتراجع عن التدخلات التي أرساها أردوغان في أذربيجان وفي ليبيا، بما في ذلك سحب القوات العسكرية التركية منهما، وإيقاف الدعم للمجموعات التي تناصر نظام أردوغان والتي تعتمد التوجهات الإسلامية المتشدِدة.
لا يمكن التنبّؤ بنتائج الدورة الثانية التي ستجري في 28 أيار، فاحتمالات الفوز متساوية تقريباً بين المرشحَين، بصرف النظر عن التفوق البرلماني الذي حققه تحالف "الجمهور" الذي يتزعمه أردوغان (321 نائباً) على حساب "تحالف الأمة" الذي يتزعمه كليتشدار (217 نائباً)، خصوصاً في ظل الضبابية التي تحيط بموقف المرشح المستقل سنان أوغان الذي حصل على 5.7% من الأصوات. لكن مهما كانت النتيجة فإن سياسة تركيا الخارجية ستشهد تغييرات كبيرة.
--------
النهار العربي