يمكن للخيارات في المراحل الفاصلة، أن تكون مجرد تقدير خاطئ أو قفزة في المجهول، لكنها مع طول الأمد واستمراء العمل ضمن جوقة تستحل الدم وتستبيح الأعراض وتمارس كل الرذائل، تتحول إلى نمط شخصي، إلى فضيحة، فلا تبقى مجرد مغامر أو طامع بفرصة، بل شريراً آخر، وجد مكانه الطبيعي ضمن ما كان ينقصه، وسيكون الأمر أكثر تعبيراً عن طبعٍ إن تهيأت له، أو لها، مكان ومكانة في سلطة يجتمع فيها الثنائي التوأم، الاستبداد والفساد.
وجدت لونا الشبل ملاذها الشخصي والنفسي وسط هذا العفن، وهو ليس بالطبع حالتها وحدها، فكثيرون غيرها في سوريا وسواها، تاقت أنفسهم ليكونوا جزءا من ميليشيا أو مافيا أو عصابة شوارع، أو سلطة مستبدة، أو شبكة فساد، أو دعارة، هذا كان دوما أمراً طبيعياً ومتوقعاً، فنحن على الأرض ولسنا في الجنة، وللشر دوما جنود يخلصون له ولولاهم، طالما كان هناك كل هذا البؤس في العالم، وساد الظلم أرضنا، على مر الأزمان.
لكن، هل كانت لونا تصلح للدور الذي قامت به في نظام دمشق؟ أتحدث هنا عن كونها سيدة متعلمة، لم تفتها الشهرة، نشأت في عائلة متوسطة، وغالبا ما كان مظهرها الناعم، واسلوبها الإعلامي المشاكس في الدفاع عن قضايا شعوبنا المقهورة أيام عملها في "الجزيرة"، لا يوحي بانها يمكن أن تتحول إلى ترس صلب في آلة قتل ضخمة، أتت على الأخضر واليابس، وحطمت مستقبل أجيال كاملة في سوريا، وعصفت بهذا البلد وشعبه. مع ذلك فقد قامت لونا بهذا الدور على أكمل وجه، بل أنها كانت المسؤولة الأولى في النظام عن تجميل القبح، وتبرير الجريمة، وبناء جدار الأكاذيب، وتشويه صورة الشعب السوري العظيم المضحي والثائر. بمعني آخر فإن لونا الشبل، لم تكن مخدوعة بشعارات النظام، أو بصفات (الإرهاب) التي حاول إلصاقها بالشعب الثائر، لم تكن مخدوعة، لأنها هي من صنع الخديعة، أو شارك فيها على الأقل.
لا يشترط أن تكون النساء دوما ضحايا للعنف، أو ذوات عواطف جياشة تمنعهن من المشاركة في جرائم القتل الجماعي أو تعذيب الناس في السجون المظلمة، ليس شرطا أن يكن رحومات كالأمهات، فمنهن من يمكن أن يقمن بأدوار مدمرة وشيطانية حالها حال الرجال من هذا الصنف، وبغض النظر عن العدد والنسبة، لكنهن على عكس الرجال، لا يقمن على الأغلب بالأدوار التنفيذية للقتل والاغتصاب وتدمير الحضارة، فالحروب يؤديها الرجال في الغالب، فيما يمكن لنمط من النساء أن يقمن بأدوار تبدو أكثر (نعومة) في السياسة والدبلوماسية والإعلام، تماما كما فعلت لونا وكما أوكل إليها.
هذا الدور، كان خيارا توفرت لها فرصة الهرب منه لو كانت لديها بصيرة حق أو شعور بالتعاطف مع مئات الآلاف من الضحايا، وقد كان كل شيء يجري أمام نظرها دون تمويه، كانت آلة الموت تطحن الناس، وكانت إيران وروسيا والميليشيات تستبيح سوريا، والنظام يخوض صراعاته الداخلية على المكاسب والمناصب والولاءات لهذه الدولة أو تلك، وهي من قرر ان يظل، بل ويكون جزءاً فاعلاً من كل ذلك، ويبدو أنها اختارت أيضا الطرف الأجنبي الذي تواليه، فكان ذلك سبب هلاكها.
موت لونا الشبل أو مقتلها، حدث طبيعي ومتوقع، في الصراع داخل المافيات، وتصفية الخلافات بين الأجنحة، وبالطبع ففي سوريا تجاوز الأمر صراعات السلطة، والتصفيات الداخلية، وهو ما تكرر كثيرا خلال التاريخ الحديث لسوريا، لا سيما خلال السنوات الخمسين الأخيرة، تجاوز ذلك، إلى كونه صراع نفوذ وسيطرة إقليمي، بين إيران من جانب وإسرائيل من جانب آخر، من دون أن نغفل طبعا روسيا التي كانت لونا على علاقة خاصة بها، ولها مصالح تجارية في سوتشي، وفروعاً في دمشق.
المهم، أن لونا الشبل، كانت مجرد بيدق سقط، وقد رحلت من دون أن يتأسف عليها أحد، حتى النظام الذي خدمته، أحجم عن إرسال من يمثله في جنازتها، وفيما رفضت أسرتها في السويداء دفنها في مقابر العائلة بعدما كانت تبرأت منها بسبب علاقتها بالنظام، فقد وجدوا لجثتها قبراً في دمشق.
انتهت حياة هذه المرأة، بشكل يناسب خيارها، لتكون نسياً منسياً، ومن المؤكد أن أمثالها لن يتعظوا مما حصل لها، كما لم تتعظ هي من قبل، فهو خيار أعمى بالنسبة لهم، كما كان بالنسبة لها.
------
المدن