الإعلام التركي نشر قبل أيام تقارير عن كشف جهاز الاستخبارات الوطنية التركية شبكة تجسس مكونة من ٥٦ عميلا يعملون لصالح جهاز الاستخبارات الإسرائيلية "الموساد" في تركيا، وأنه تم اعتقال سبعة مشتبه بهم اعترفوا جميعا أثناء التحقيق بالعمل للموساد الإسرائيلي. وكان ذات الجهاز سبق أن كشف شبكات تجسس أخرى مرتبطة بأجهزة الاستخبارات الروسية والإيرانية وغيرهما.
هذا النجاح الكبير لم يقابله، للأسف الشديد، نجاح أمني في مكافحة الحملات التي تستهدف اللاجئين السوريين والأفغان، وتقف وراءها أجهزة استخبارات أجنبية تسعى إلى تأجيج مشاعر العنصرية وتحريض الشارع ضد الحكومة، من خلال نشر الإشاعات والأنباء الكاذبة، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام التقليدية. ومن المؤكد أن تلك الحملات يمكن تصنيفها تحت عنوان الحروب الباردة والاستخباراتية.
الحكومة التركية حاولت حل المشكلة وقدمت خطوات إيجابية وتبنت مواقف مشرفة لصالح اللاجئين؛ إلا أنها في المحصلة لم تنجح في اختبار مكافحة العنصرية، بل استسلمت في كثير من الأحيان لحملات التحريض أو ظلت أمامها عاجزة، مكتفية بنفي الإشاعات
لماذا فشلت تركيا في مكافحة العنصرية وكبح جماح حملات التحريض ضد اللاجئين، على الرغم من النجاح الذي حققته في مكافحة شبكات التجسس؟ ولعلنا قبل الإجابة على هذا السؤال والبحث عن الأسباب، يجب أن نعترف أولا بحقيقة أن الحكومة التركية حاولت حل المشكلة وقدمت خطوات إيجابية وتبنت مواقف مشرفة لصالح اللاجئين؛ إلا أنها في المحصلة لم تنجح في اختبار مكافحة العنصرية، بل استسلمت في كثير من الأحيان لحملات التحريض أو ظلت أمامها عاجزة، مكتفية بنفي الإشاعات.
الجهات التي تتبنى التحريض ضد اللاجئين في تركيا لأسباب سياسية أو طائفية هي الجهات التي ما زالت تملك ثقلا أكبر بكثير من حجمها، كما أنها مدعومة من الخارج، الأمر الذي يدفع الحكومة التركية إلى التردد في ضربها بيد من حديد، كما أن معظم المؤيدين لأردوغان ما زالوا ينتمون إلى طبقة دون طبقة هؤلاء الذين يؤيدون حزب الشعب الجمهوري المعارض ويرون أنفسهم "أصحاب البلاد". وإضافة إلى ذلك، لا تنبع معاداة تلك الجهات للاجئين غالبا من القومية، بل من الطائفية ومعاداة الإسلام التي تتسابق مع نظيراتها في الدول الأوروبية وتتخذ من القومية قناعا لها. ولا يمكن مكافحة العنصرية في تركيا ومعالجة آثارها السلبية دون الاعتراف بهذه الحقيقة.
الحكومة التركية قامت بتمرير قانون من البرلمان لمعاقبة نشر الإشاعات والأنباء الكاذبة، إلا أن هناك تساهلا غير مبرر في تطبيق القانون بشكل رادع، بدليل أن حملات التحريض ضد اللاجئين لم تتراجع قيد أنملة، وما زالت ذات الجهات تنشر إشاعات لإثارة الفتن في المجتمع وضرب السلم الأهلي.
وفي أحد أمثلة الأنباء المفبركة التي تهدف إلى تحريض الشارع التركي ضد اللاجئين السوريين، انتشر قبل فترة مقطع فيديو لحوار جرى في إحدى شوارع إسطنبول بين مراسلة تركية وشاب زعم أنه لاجئ سوري، وقال: "فَلْيَمُتْ العاملون بالحد الأدنى للأجور"، مضيفا أنه يتقاضى شهريا ٢٥ ألف ليرة تركية ولا يدفع أي ضريبة، كما ذكر أن ما ينقص تركيا هو فقط حكم الشريعة الإسلامية. وتبين فيما بعد أن ذاك الشاب تركي من مدينة شانلي أورفا، كما اعترف هو نفسه بأنه لعب دور شاب سوري في مقابل أموال تلقاها ممن قاموا بتسجيل التمثيلية ونشرها.
الحكومة التركية قد لا ترى في تلك الحملات خطرا كبيرا يهدد الأمن القومي، أو تتساهل معها لأن من يقومون بها "مواطنون أتراك من الدرجة الأولى"، إلا أن اللاجئين المساكين، هم من يدفعون ثمن الفشل في مكافحة العنصرية، ويتم ترحيلهم نتيجة خطأ بسيط يرتكبونه أو حتى بدون أي خطأ، كما أن تحول مشروع "العودة بشكل طوعي" إلى "عمليات ترحيل قسري" ما هو إلا إحدى نتائج حملات التحريض ضد اللاجئين، وانحراف عن مبادئ "الأخوة" و"الأنصار والمهاجرين"، ورفع الراية البيضاء أمام العنصريين
الشاب التركي بطل التمثيلية حر طليق، كما أن الذين قاموا بكتابة السيناريو وتسجيل التمثيلية ونشرها يواصلون فبركة أنباء لتحريض الشارع التركي ضد اللاجئين، فيما اكتفت الحكومة التركية بالتأكيد على أن الشاب تركي وليس لاجئا سوريا.
وبالتالي، يمكن القول بأن عملاء المخابرات السورية والموالين لنظام الأسد يقومون بالدعاية للنظام الطائفي الدموي في سوريا على الأراضي التركية ويحرضون الأتراك ضد اللاجئين بكل حرية، لدرجة أنهم بالتنسيق مع المخابرات السورية يزورون العاصمة دمشق وبعض المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام وشبيحته، ويصورون الملاهي الليلية، لاستخدام تلك المقاطع والصور في التحريض ضد اللاجئين السوريين وترويج الدعاية السوداء القائلة بأن الهاربين من الحرب في سوريا يجب أن يعودوا إلى بلادهم، لأن الحرب انتهت وأن سوريا يسودها الأمن والأمان.
الحكومة التركية قد لا ترى في تلك الحملات خطرا كبيرا يهدد الأمن القومي، أو تتساهل معها لأن من يقومون بها "مواطنون أتراك من الدرجة الأولى"، إلا أن اللاجئين المساكين، هم من يدفعون ثمن الفشل في مكافحة العنصرية، ويتم ترحيلهم نتيجة خطأ بسيط يرتكبونه أو حتى بدون أي خطأ، كما أن تحول مشروع "العودة بشكل طوعي " إلى "عمليات ترحيل قسري" ما هو إلا إحدى نتائج حملات التحريض ضد اللاجئين، وانحراف عن مبادئ "الأخوة" و"الأنصار والمهاجرين"، ورفع الراية البيضاء أمام العنصريين
-------
عربي ٢١.