كانت بهورا تعيش مع عشيق وترقص في حفلات باذخة مثل ولادة الأطفال وحفلات الزواج وتغدق عليها الهدايا، لكنها تركت عشيقها الأول من أجل آخر قبل أن تقتل بفترة قصيرة. كان القضاة البريطانيون الذين نظروا في الجريمة شبه مقتنعين بأن العشيق السابق هو الجاني.
وخلال التحقيق في الجريمة تبين أن بهوار كان رجلا مخصيا. وصف القضاة بهورا وأمثاله من المخصيين بأنهم "يمارسون التسول ويتشبهون بالنساء".
ذعر أخلاقي
وقال أحد القضاة إن وجود المخصيين "عار على الحكم الاستعماري"، وزعم آخر أن وجودهم يستوجب التنديد بالحكومة البريطانية.
وكانت ردود الفعل غريبة إذا أخذنا في الاعتبار أن أحدهم ذهب ضحية جريمة.
وبحسب المؤرخة جسيكا هينشي فإن حادث القتل فجر ذعراً أخلاقياً من المخصيين أو "الهيجراس" كما يطلق عليهم في جنوب آسيا.
وقالت الدكتورة هينشي: "إن القتيلة ذهبت ضحية جريمة، لكن جرى تفسير ذلك باعتباره دليلاً على إجرام وانعدام أخلاق المخصيين".
وكان المسؤولون البريطانيون حينذاك يرون بأن المخصيين تصعب السيطرة عليهم والتحكم بهم.
كما كان آخرون يرون أن لهؤلاء علاقة مباشرة بأمور مثل "الرجس، والمرض، والعدوى، والتلوث"، وراج اعتقاد بأنهم مدمنو جنس.
وكان مسؤولو السلطات الاستعمارية في الهند يقولون إن هذه الفئة لا تمثل خطراً على الأخلاق العامة فقط، بل أيضا على السلطة السياسية الاستعمارية.
وعلى مدار نحو عقد درست الدكتورة هينشي، المدرس المساعد للتاريخ في جامعة نانيانغ للتكنولوجيا في سنغافورة، السياسات الاستعمارية البريطانية في الهند تجاه المخصيين.
وكان هؤلاء يرتدون عادة ملابس نسائية، ويقولون إنهم تعرضوا للإخصاء أو ولدوا هكذا، وكان لهم دور مهم في العديد من الثقافات حيث كانوا حراساً للحريم أحيانا، أو مغنين وراقصين أحيانا أخرى.
وفي ثقافات جنوب آسيا يعتقد أن لهم قدرة على زيادة الخصوبة أو قطع النسل، ولهم أطفال عن طريق التبني وشركاء ذكور.
ويعتبر الكثيرون هؤلاء متحولين جنيساً في الوقت الراهن، رغم أن هذا الوصف يشمل ثنائيي الجنس.
وفي عام 2014 اعترفت المحكمة العليا في الهند رسميا بالجنس الثالث، ويندرج المخصيون أو الهيجراس ضمن هذه الفئة.
كانت بهورا واحدة من بين 2500 من المخصيين في شمال غربي البلاد أو ولاية أوتار براديش الحالية وجارتها أوتاراخاند حينذاك، وبعد سنوات من مقتلها، اتبعت تلك المنطقة سياسة هدفت إلى تقليص عددهم حتى يتم القضاء عليهم بشكل نهائي.
قانون مثير للجدل
بمقتضى قانون مثير للجدل صدر عام 1871 جرى تصنيف هذه الفئة باعتبارها "جماعة إجرامية"، ومنح القانون الشرطة سلطة مراقبتهم وضبطهم، وكانوا يوصفون عادة بـ "المجرمين والشاذين جنسياً".
وتقول الدكتورة هينشي إن الهدف الأساسي من المراقبة كان ضمان عدم زيادة أعدادهم.
وبموجب ذلك القانون لم يسمح لهم بارتداء ملابس نسائية أو مجوهرات، أو تقديم عروض عامة، وكانوا عرضة لغرامات مالية أو الزج بالسجون إذا لم يلتزموا بذلك.
وكانت الشرطة تقص شعرهم الطويل وتجردهم من ملابسهم إذا ما ارتدوا ملابس نسائية أو مجوهرات، وبحسب الدكتورة هينشي فإنهم عانوا من بطش الشرطة.
وسعى هؤلاء إلى رفع الحظر عن تقديم التماسات طالبين فيها منحهم حق الرقص وتقديم العروض العامة.
وتقول الدكتورة هينشي إن ذلك يكشف عن حجم الضرر الاقتصادي الذي ألحقه بهم هذا الحظر، لدرجة أن بعضهم قالوا أنهم يتضورون جوعاً.
كما جرى انتزاع الأطفال منهم بحجة إنقاذهم وخاصة الذكور. وكان المسؤولون البريطانيون ينظرون إلى هؤلاء الأطفال باعتبارهم "مصدراً للأمراض المعدية والخطر الأخلاقي".
وتقول الدكتورة هينشي: "إن السلطات الاستعمارية بالغت في خطر الهيجراس وعدد الأطفال الذين كانوا يعيشون ضمن هذه الفئة"، مشيرة إلى أن عدد الأطفال الذكور الذين كانوا يعيشون بينهم تراوح ما بين 90 و100 طفل بين عامي 1860 و1880.
وتضيف قائلة: "إن الهدف المباشر للقانون كان إنهاء وجودهم العلني أما الهدف النهائي فكان يتمثل في تحجيمهم قبل القضاء التام عليهم، فقد كان العديد من المسؤولين الاستعماريين يرون فيهم خطراً على المصالح والسلطات الاستعمارية".
وتقول المتخصصة في الشؤون الهندية ويندي دونيغر إن الدين لم يلعب دوراً في تحديد موقف السلطات البريطانية من هذه الفئة، وإنما كان ذلك مدفوعاً باعتقاد المسؤولين البريطانيين وقتها بأن هؤلاء مصدر "التلوث" و"القذارة" و"الانفلات الجنسي" لوجودهم العلني.
ورغم هذا التاريخ المظلم فقد نجحت هذه الفئة في الإفلات من محاولات الإبادة التي تعرضت لها عن طريق تجنب الشرطة والاستمرار في النشاط بشكل أو بآخر.
وتقول الدكتورة هينشي إنهم صاروا ماهرين في التحايل على القانون، وحافظوا على ثقافتهم حية داخل مجتمعهم الصغير وهو أمر كان مسموحاً به، كما أصبحوا ماهرين في إخفاء ممتلكاتهم لتفادي مصادرتها من قبل الشرطة.
وهكذا استمر وجودهم في الهند، يكسبون رزقهم من الرقص في حفلات الزفاف والمناسبات الأخرى رغم التمييز ضدهم والتهميش الذي يعانون منه.