يصعب وصف الزيارة التي قام بها فيصل المقداد وزير الخارجية في النظام السوري للقاهرة قبل أيّام، بأنّها كانت موفّقة. بدا ذلك من لغة الجسد التي كشفت امتعاض المقداد من الكلام الصادر عن وزير الخارجيّة المصري سامح شكري مباشرة بعد جولة المحادثات بينهما. أكثر من ذلك، اختصر المقداد زيارته للقاهرة التي لم تستمرّ سوى ساعات قليلة بعدما توهّم أنّ العالم كلّه، بما في ذلك العالم العربي، سيقف على خاطر النظام السوري وسيوافق من دون أيّ شروط على عودته إلى جامعة الدول العربيّة تمهيداً للمشاركة في قمّة الرياض المتوقّعة الشهر المقبل.
يصعب وصف الزيارة التي قام بها فيصل المقداد وزير الخارجية في النظام السوري للقاهرة قبل أيّام، بأنّها كانت موفّقة
ما الذي يرفض النظام السوري سماعه؟ يرفض سماع أنّ الحلّ الوحيد للأزمة السورية تطبيق القرار الرقم 2254 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو قرار صدر في 18 كانون الأوّل من عام 2015. وافق الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن على القرار الذي يدعو، بين ما يدعو إليه، إلى فترة انتقالية في سوريا (18 شهراً) تليها انتخابات عامّة "حرّة" بإشراف الأمم المتحدة. عمليّاً، مطلوب من النظام السوري التفاوض مع المعارضة تمهيداً لتسوية "سياسيّة". مثل هذا التطوّر لا يروق للنظام السوري الذي يعتبر أنّه انتصر على الشعب السوري وأخضعه نهائياً لإرادته بفضل الدعم الإيراني ثمّ الروسي لاحقاً.
بكلام أوضح، لدى النظام السوري حساسية، ليس بعدها حساسيّة، لمجرّد الإتيان على ذكر القرار 2254 الذي صدر في ظروف دولية حالت دون استخدام روسيا حقّ "الفيتو" كونها كانت في حال وفاق مع الإدارة الأميركيّة برئاسة باراك أوباما. في النهاية، لا يستطيع النظام السوري السماع بفكرة وجود رفض شعبي له. لم يعد هذا الرفض يشمل الأكثريّة السنّيّة فحسب، بل يشمل علويّين أيضاً. هؤلاء يعرفون أنّ الطائفة لا يمكن أن تستمرّ إلى ما لا نهاية في تقديم التضحيات من أجل بقاء بشّار الأسد في دمشق.
توجد أمور أخرى يردّدها غير مسؤول عربي عن ضرورة التفاوض مع المعارضة وعن عودة اللاجئين إلى الأماكن التي أخرجهم النظام منها وعن أهمية التفاعل مع اللجان الدستورية، التي تشكّلت بإشراف مبعوثي الأمم المتحدة، بغضّ النظر عن رأي الروس فيها. إضافة إلى ذلك، مطلوب التزام مسيرة "الخطوة خطوة" التي وضعها غير بيدرسون الذي لا يزال في موقع ممثّل الأمين العام للأمم المتحدة في سوريا. ثمّة جهات عربيّة، بينها الأردن، تدعو أيضاً إلى الأخذ والردّ مع بشّار الأسد في حال ردّ على أيّ خطوة إيجابية تجاهه بخطوة مقابلة من جانبه.
بيانان منفصلان
كان لافتاً صدور بيانين منفصلين أحدهما عن الخارجية المصريّة وآخر عن الجانب السوري في أعقاب زيارة فيصل المقداد للقاهرة. إن دلّ ذلك على شيء، فهو يدلّ على رغبة لدى النظام السوري في العودة إلى ما قبل اندلاع الثورة السورية قبل آذار 2011. بالنسبة إلى النظام، لم يحدث شيء في سوريا. لا يعني سقوط نصف مليون قتيل شيئاً بالنسبة إليه، ولا تهجير ما يزيد على عشرة ملايين سوري من بيوتهم. لذلك لا أجوبة لدى النظام على أسئلة من نوع ماذا يستطيع بشار الأسد تقديمه في مقابل عودته إلى الحضن العربي؟ هل يستطيع وقف تهريب الكبتاغون إلى دول الخليج العربي عبر الأردن وغير الأردن؟ ثمّ هل قرار تهريب الكبتاغون في يده أم في يد إيران التي تبدو مستعدّة لقبض ثمن وقف تهريب المخدّرات والأسلحة إلى الخليج؟
ثمّة سؤال آخر في غاية الأهمّية لا مفرّ من التوقّف عنده: هل سيوقف تمدّد المشروع الإيراني (الشيعي) في سوريا؟ لنفترض أنّ بشار يريد وقف تمدّد المشروع الإيراني، تبقى حقيقة لا يمكن تجاوزها. يجسّد هذه الحقيقة حجم الاستثمار الإيراني في المحافظة على النظام السوري، وهو استثمار جرى توظيفه في مجالات عدّة. بين هذه المجالات تغيير طبيعة سوريا ديمغرافياً من جهة، والحصول على حصص في قطاعات سورية مهمّة من جهة أخرى. من بين هذه القطاعات، الاتصالات على سبيل المثال وليس الحصر. ليست "الجمهوريّة الإسلاميّة" جمعية خيريّة تصرف مليارات الدولارات في سوريا من أجل أن تخرج منها يوماً... بمجرّد أن يطلب منها بشّار الأسد ذلك.
أيّ سوريا ستعود إلى جامعة الدول العربيّة... إذا عادت؟ لم تعد المسألة مسألة رفض النظام السوري سماع أيّ كلام عن القرار 2254 الذي يعني نهاية عهد الحكم الأقلّوي في سوريا وعودة المهجّرين إلى بيوتهم فحسب، بل المسألة مرتبطة أيضاً بما آل إليه النظام السوري الذي لا يمتلك أيّ هامش للمناورة، خصوصاً في ضوء تقلّص النفوذ الروسي في الأراضي السوريّة.
-------
اساس ميديا