أنت كيف صرت بعد الجراحة فؤاد، والله ألم وانسداد بكل الآفاق ياعدنان..
قبل هذ المحادثة، وأنا أسترجع مكالماتي مع فؤاد حميرة، صديقي منذ مطلع التسعينيات والذي توفاه الله اليوم، سمعت رسالة صوتية مؤلمة.
ليس في إفشائها عيب على فؤاد، بل العيب علينا جميعاً، نحن من تركناه وحيداً فقيراً غريباً يعاني.
التسجيل الصوتي وبعد مراسلات مكتوبة، عن طلب فؤاد منبر يكتب به ليستطيع مواجهة الحياة وثمن الأدوية وإيجار البيت بمدينة الإسكندرية بمصر، وثمن الدخان...
سمعت التسجيل مراراً وتمزقت، ففي حين هواة وسفلة تبوؤوا مواقع بعد الثورة وصاروا كتابا وصحافيين، يتسوّل فؤاد، السباق بالمسرح والسيناريست الذي أسس لما بعده، إن عبر "رجال تحت الطربوش" أو "غزلان في غابة الذئاب" أو غيرهما، منبراً ليكتب ويستمر بالحياة فقط، بعد أن فقد وفقدنا، جميع أحلامنا الكبيرة...
مئات المشاهد تتزاحم بذاكرتي الآن، وقت عرفت فؤاد، وقت حاولت العمل مع الفرقة المسرحية الجامعية بعمل "سهرة على الطريقة الأمريكية" وقت بدأت عروضه تلقى رواجاً وعرض في ادلب وزار والفرقة أهلي بسرمين، وقت تشاجرنا واختلفنا، وسرعان ما نعود، لأن التشابه كبير، بالشكل والقلب، بيني وبين فؤاد.
كان فؤاد أكبرنا سناً بقسم الصحافة، إذ جاء بعد أداء الخدمة الإلزامية، وكان كاريزمياً حكاء يشع أفكاراً وطموحات وتمردا، قبل أن يمتهن الكتابة الدرامية والعمل المسرحي...
فؤاد من المستعجلين بالحياة، وكأنه موقن أنه لن يعمّر، لذا كان لجوجاً ومتنقلاً، بالعمل والكتابة والسكن وحتى بلدان اللجوء.. كأنه يسعى لترك بصمة ورائحة، بكل جنس أدبي وكل عاصمة.
ولعل ارتباط الراحل عبد الرزاق ديّاب، بمعظم المشاهد التي تجتاحني منذ صفعتني "إحسان" ظهر اليوم بفجيعة موت فؤاد، يزيد من الوجع وغياب زملاء الدراسة وأصدقاء الموقف والحلم والأوجاع..
كم شكوت عبد لفؤاد وكم شكاني فؤاد لعبد وعبد لفؤاد، كم تخاصمنا واختلفنا وتباعدنا، لنعود تحت ضغط الخبز الملح والذكريات والهم المشترك...
فؤاد حميرة من أكثر من توجّع، بصمت أو بصوت هامس، كان يضجر من الوحدة والفقر والغدر، فيصرخ بصوت مبحوح سرعان ما يلملم صرخته بدعابة أو بحلم جديد لزوال المستبد والعودة...
لكن فؤاد كمثلي ككثيرين، أيقن وأيقنت وأيقنا، أننا بيادق على رقعة شطرنج كبيرة، يؤثر لاعبوها بقاء الاستبداد ويحامون عنه ويدافعون...
كتبت مرة عام 2013 " لو علم باراك أوباما أن بشار الأسد بحاجة لدم، لطار من واشنطن دي سي لدمشق، تبرع له وعاد" راقت لفؤاد وقتها، رغم أحلامه وحيويته وقتذاك...
أي ذكرى سأروي وماذا سأقول يا فؤاد...أأقول وقت كتبت أنت على في بوك "لك اخراااااس" حينما ألقى الوريث كلمته بالبرلمان معلناً الحرب على الثوار..... وقت خفت عليك وذهبنا وتناولنا سندويشات سجق بباب شرقي ورأيتك تحلق ثورية وآمال...
أأقول عن خلافنا الذي وصل ما قبل التشكيك بكسرة خبز كنا نأخذها عن المكيّف بالمدينة الجامعية بدمشق...أأقول عن آخر أيامك وقت وجدنا ببعضنا "سر وغطاه" فنكي ونحكي ونشكي ونشكي...
أوجعني موتك يا فؤاد، استهلكناك كلك بحياتك وتماديت أنت معنا بالاستهلاك....منذ عامين وأنت تلاعب الموت كفأر وقط....لكنه استغفلك اليوم، رغم احساسك به ورثاءك نفسك...قبل وفاتك بثلاث ساعات...
ربما عليّ التوقف عن الكتابة، لأن نحيبي يتعالى، أبكي جيلاً وأحلاما وفقراء يا فؤاد...أعلم وتعلم ويعلم جل جيلنا، أننا أتينا من الأقاصي إلى دمشق، حاولنا أن نكون علامات فارقة وبدايات لتأريخ، عملنا بكل شيء وكتبنا بكل شيء...
قامرنا حتى على حرياتنا وأعمارنا...إلى أن جاءت الثورة فظننا بعفوية الطيب ابن البلد، أن إنصاف الحق والكفاءات والسوريين قد حان...وتجاهنا، رغم شبه يقيننا، أن العالم..كل العالم قوّاد.
---------
زمان الوصل
---------
زمان الوصل