واليوم، إذ ما تتجدد الحرب الصهيونية على غزة، فإن عموم السوريين قد يكونون أكثر انشداداً ومتابعةً من ذي قبل، ليس نتيجة لمجمل الروابط القومية والدينية والشعورية التي تربط المواطن السوري بقضية فلسطين فحسب، بل لاعتقاد الكثيرين بأن تداعيات الحرب على غزة سيكون لها أثر مباشر على القضية السورية، وأصحاب هذا الرأي يذهبون بهذا المنحى انطلاقاً من تصنيف سابق يجعل من نظام الأسد وإيران ومشتقاتها الطائفية حلفاً ممانعاً أو مقاوماً للمصالح الإسرائيلية والأميركية في المنطقة، وبالتالي يفترض أصحاب هذا الاتجاه أن الحلف المقاوم هو طرف في المعركة وليس حيادياً، وإن أي نتيجة مباشرة للمعارك الجارية سيكون لها ارتداد مباشر سواء سلباً أو إيجاباً على الأطراف الممانعة بما في ذلك نظام دمشق.
قبل الحديث عن أي أثر لحرب غزة على القضية السورية يجدر بنا التأكيد على جملة من المسائل، لعلّ أبرزها أن القضية السورية بالنسبة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل لم تحظَ بأي تموضع جديد، إذ ما يزال الطرفان المذكوران لا ينظران إليها سوى من منظار إلحاقها بالملف الإيراني، وبالتالي فإن الموقف الأميركي الإسرائيلي من نظام الأسد يمكن تحصيله في موقف واشنطن وتل أبيب من إيران، ولعل مجمل الوقائع السياسية والميدانية حتى الآن تثبت أن طهران ما تزال ملتزمة بقواعد الاشتباك المتفق عليها سابقاً، ولا نعتقد أن الاستهدافات المتفرقة لبعض القواعد أو النقاط العسكرية الأيركية سواء في شرق سوريا أو العراق، يمكن أن ترقى إلى مستوى التصعيد الحقيقي للحرب.
ولعل الثناء الأميركي المتكرر على التزام إيران بمبدأ ضبط النفس وكذلك تبرئتها المتكررة من أي مبادرة لتوسعة الصراع أو فتح معارك جديدة، هو دليل واضح على أن المايسترو الإيراني لم يعطِ الإشارة لأذرعه الوظيفية للتحرك أو المساهمة بأي نشاط عسكري مناهض لإسرائيل أو يستهدف المصالح الأميركية، مع التأكيد دائماً على أن الصواريخ التي يطلقها حزب الله من الجنوب اللبناني ويتم الرد عسكرياً عليها من جانب إسرائيل، لا يمكن أن ترقى إلى مستوى المعركة، فضلاً على أن الجانب الإسرائيلي يتفهمها جيداً ويُحسن التعاطي معها وفق قواعد اللعبة كما هو معلوم. وبالتزام القيادة الإيرانية موقف الحياد وعدم التدخل، يمكن الذهاب إلى أن موقف نظام الأسد لا يبدو بحاجة إلى مزيد من التفسيرات، مع الإشارة طبعاً إلى الاستهداف الإسرائيلي المتكرر لأهداف داخل سوريا وخصوصاً مطاري حلب ودمشق وإخراجهما عن الخدمة لأكثر من مرة، إذ يمكن التأكيد في هذا السياق، أن تلك الاستهدافات هي امتداد لسلوك إسرائيلي عمره سنوات، وليست هي الحالة الجديدة التي تقوم فيها إسرائيل بالإغارة على أهداف على الجغرافيا السورية.
وبناءً عليه، فان الاحتمالات المستقبلية الممكن توقعها لعلاقة إسرائيل بمحور المقاومة ستتوقف إلى حد كبير على مآلات الحرب في قطاع غزة وذلك من خلال السيناريوهات التالية:
أولاً، في حالة نجاة حركة حماس من حرب الإلغاء والشطب التي وضعتها إسرائيل نصب عينيها، فهذا سيؤدي الى معادلة جديدة في الصراع بين إسرائيل والميليشيات الإيرانية على الأرض السورية، وسيكون لدى إسرائيل خشية أكثر من دور إيراني داعم لحماس والمقاومة في المرحلة القادمة، ما يرجح فرضية تصاعد وتيرة الاستهدافات الإسرائيلية للتواجد الإيراني في سوريا.
ثانياً، في ضوء عدم تحرك النظام السوري خلال فترة الحرب وحرصه على استمرار هدوء جبهة الجولان لاستمرار حيازته الرضى الإسرائيلي عن بقائه في الحكم، إلا أن هذا سيؤدي في المقابل إلى انكشاف عورة مقاومته أمام ما تبقى من سوريين وفلسطينيين مازالوا مخدوعين، وحرصه على ـن يكون الوكيل المنفذ لمصالح الاخرين.
ثالثاً، في حال تم تثمير مقاومة وتضحيات الفلسطينيين، واجبار المجتمع الدولي لإسرائيل على الاعتراف بحقوقهم وفي مقدمتها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967، فان هذا المنجز سيعطي إشارة هامة للسوريين بضرورة ترتيب وتنظيم كياناتهم الثورية والمعارضة، لتمتلك استراتيجية وطنية سورية لإسقاط النظام وفرض قضيتهم على العالم كقضية عادلة بعيداً عن حلول لن تأتي.
العلاقة بين القضيتين السورية والفلسطينية تربطها تفاعلات وتأثيرات متبادلة. وقد أثبتت التجارب الماضية وما يحصل الآن في الداخل الفلسطيني وفي غزة على وجه التحديد، أن أي انتصار للمقاومة على الاحتلال الإسرائيلي سيؤدي الى تغيرات كبيرة في المنطقة، وسيكون بالنسبة إلى القضية السورية ملهماً وباعثاً قوياً للعمل على التخلص من الحارس الأمين والأداة الوظيفية التي اعتمدت عليها إسرائيل طيلة العقود الماضية لحماية حدودها الشمالية، وسيشكل فرصة للتغيير بالتخلص من نظام الاستبداد والاتجاه نحو بناء دولة القانون والمواطنة والحريات.
المدن