وأتفهم أحياناً دوافع دول عربية، مثل لبنان والأردن، لمد الجسور مع النظام السوري، فكلا البلدين يستضيفان أكثر من مليوني لاجئ سوري، وأتفهم الدور الذي تقوم به السعودية والإمارات في إعادة تأهيل النظام السوري، كونه في النهاية هناك حاجة إلى التعامل مع دولة للتدخل لإصلاح الوضعين الإنساني والاقتصادي في سوريا. لكن يبقى التساؤل: هل يمكن إجراء إصلاحات على الوضعين الاقتصادي والإنساني في سوريا من دون إجراء إصلاحات سياسية ممكنة لقيادة هذا الإصلاح والبناء؟
وفي هذا الجو المثير حول سوريا ومستقبل النظام فيها، يصلني خبر عن إكمال ترجمة كتاب «موت الأبد السوري.. شهادات جيل الصمت والثورة» إلى الإنكليزية للروائي والكاتب السياسي اللبناني محمد أبي سمرا. فهذه الشهادات ستفضح جزءاً من جهنم العذابات التي تعرّض ويتعرّض لها الشعب السوري. وقد نشر هذا الكتاب في 2012، والذي يروي في خمسة فصول لقاءات مطولة مع لبناني وأربعة سوريين يصفون فيه التعذيب، الذي تعرّضوا له في سجون حلب وحمص وبانياس، وسجون النظام السوري في لبنان. ويبدو أن فكرة الكتاب تكاملت بعد أحداث الثورة السورية، التي انطلقت في مارس 2011. وكان الكاتب يعتقد أنه كون هناك أكثر من مليون سوري مقيم في لبنان، فسيكون من السهولة عقد لقاءات معهم كاشفين فيها عن تجاربهم المأساوية مع مخابرات النظام، لكنه اكتشف أن إرهاب النظام أصابهم بالخرس. يقول الروائي محمد أبي سمرا في كتابه: «ظننت أن وجود ألوف العمال السوريين المنتشرين صامتين منذ سنين كثيرة في الديار اللبنانية يسهل هذه المهمة. لكنني سرعان ما اكتشفت أن صمتهم لا ينطوي على الخوف من الرواية والخبر، بل على ما يمكن تسميته إرادة الخوف والكتمان المديدة التي اجتثت مقدرتهم على الخبر والرواية، وتركتهم يتعودون على الصمت في بلادهم كما في الديار اللبنانية».