وقد بلغت (الآداب) أنباء هذه المحاضرات من أصدقاء لها بين الطلاب والأساتذة العرب في أميركا، وخاصة محاضرته في جامعة كولومبيا بنيويورك التي أثارت عليه الطلاب والأساتذة العرب وبعض المعتدلين من الأساتذة والطلاب الأميركيين، ومنهم عدد من اليهود، لما فيها من تهجم صريح على زعيم عربي كبير. واستطاعت (الآداب) أن تحصل على شريط مسجل للمحاضرة التي ألقاها الدكتور لويس في 1 نوفمبر (تشرين الثاني) 1971 بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد. وقد أحالت هذا الشريط على الدكتور محمد يوسف ليترجمه إلى العربية ويعلق عليه».
هذه الصيغة كانت تقديماً للموضوع الأول في ذلك العدد، الذي نشر تحت هذا العنوان: «التطور الثقافي في مصر منذ 1952، محاضرة للدكتور لويس عوض وتعليقات للدكتور محمد يوسف نجم».
هذا التقديم كتب باسم المجلة، وأرجح أن كاتبه هو رئيس تحريرها سهيل إدريس. وإن لم يكن هو كاتبه بالمعنى الحرفي، فقد كتب بتوجيه منه وتحت إشرافه.
مجلة «الآداب» في تاريخها وفي جنباتها تضم اتجاهات تقدمية تحررية، لكن الاتجاه الفكري والسياسي المهيمن عليها هو الاتجاه القومي الناصري، وذلك لأنَّ مالكها ورئيس تحريرها، سهيل إدريس، من دعاة هذا الاتجاه في لبنان وفي العالم العربي.
إن سهيل إدريس هو من أبلغه بعض الناشطين السياسيين من الطلاب والأساتذة العرب في أميركا بنبأ محاضرات لويس عوض في عدد من الجامعات الأميركية. أو على نحو أدق نبأ محاضرتيه: «التطور الثقافي في مصر منذ 1952» و«دور المثقفين في مصر الحديثة»، اللتين كرر إلقاءهما في عشر جامعات أميركية، وكرر إلقاءهما في مدينة كيبك بكندا في جامعة لافال.
وأولئك الناشطون السياسيون هم الذين بعثوا له في بيروت من مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس بالشريط المسجل للمحاضرة الأولى التي ألقاها في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد. واستناداً إلى المصدر الذي استند إليه تقديم مجلة «الآداب»، وهو كتاب لويس عوض الذي صدر ضمن سلسلة «اقرأ» قبل صدور عددها بخمسة أشهر، فإن جامعة هارفارد هي الموقع الأول الذي انطلقت منه رحلة محاضرتيه بين عشر جامعات أمريكية، وجامعة كندية.
والأديب والمثقف العربي الفرانكفوني سهيل إدريس اختار الأستاذ في الجامعة الأميركية، محمد يوسف نجم، ليتولى ترجمة تلك المحاضرة والتعليق النقدي على ما يرد في متنها، مكتوب بخط صغير ورفيع في أسفل الصفحات، عن دراية بتمتعه بالصفات الملائمة لمثل هذا العمل الذي كلَّفه به. فهو مترجم حاذق. وأكاديمي مدقق برصانة. ومثقف وافر الاطلاع. وعلى معرفة عن كثب بتاريخ الحياة الأدبية والثقافية والسياسية في مصر الحديثة. وذو توجه قومي عربي ناصري، وإن كان لا يبلغ حد العقائدية التامة، كما هو الحال عند سهيل إدريس.
وكما كتب محمد يوسف نجم تعليقات نقدية، هي عبارة عن استدراكات معلوماتية على بعض ما ورد في محاضرة لويس عوض، فسأكتب استدراكات معلوماتية على بعض ما ورد في تقديم «الآداب».
ليس هناك في أميركا كيان يسمى «مؤتمر الطلاب الجامعيين العرب».
في أميركا اتحاد تتعدد صيغ ترجمته إلى اللغة العربية، والاسم الذي افتتحنا به هذا المقال هو إحدى هذه الصيغ في ترجمته إلى اللغة العربية، واسمه في كتاب لويس عوض الذي استند إليه تقديم «الآداب» هو «اتحاد الخريجين العرب الأمريكيين». ورأى أن «الأمريكيين العرب» هو الأصح. وبالترجمة إلى اللغة العربية تارة يسمى اتحاداً، وتارة يسمى رابطة.
الاسم باللغة الإنجليزية هو «Association of Arab – American University graduates 17» ويرمز له بهذه الحروف: «AAUG».
هذا الاتحاد تأسس بباعث سياسي قوي، وهي هزيمة يونيو (حزيران) المدوّية عام 1967. فعقب هذه الهزيمة المدوّية بما يقرب من نصف السنة تنادى أساتذة أميركيون من أصل عربي، لتأسيس هذا الاتحاد.
وفي الاجتماع الأول لجمعية دراسات الشرق الأوسط الذي عقد في مدينة شيكاغو بتاريخ 8 و9 ديسمبر (كانون الأول) عام 1967، طرحت على هامشه فكرة إنشاء «اتحاد خريجي الجامعات العرب الأمريكيين أو الأمريكيين العرب»، بهدف التصدي للوبي الصهيوني المتحكم في توجيه سياسة أميركا في منطقة الشرق الأوسط، والمعادي للعرب في مجالات عدة وشؤون شتى. وحين تأسس هذا الاتحاد عام 1968 انتخب الدكتور إبراهيم أبو لغد رئيساً له، لكنه رأى أن الأفضل للاتحاد أن يكون رئيسه الدكتور فوزي النجار، لأنه أكاديمي غير منغمسٍ مثله في اتجاه سياسي وفكري محدد. فضغط على الدكتور فوزي للقبول بالرئاسة، فقبل بها لكن لم تمض سنة إلا واستقال. فخلفه في الرئاسة أبو لغد ثم استقال عام 1970، فانتخب الدكتور شريف بسيوني رئيساً لهذا الاتحاد. ولم أتمكن من معرفة الأسماء التي توالت على رئاسته بعد شريف بسيوني. وهذا الاتحاد لم يعد قائماً منذ ستة عشراً عاماً. فقد انحلّ عام 2007.تقديم «الآداب» مع أنه استند إلى كتاب لويس عوض (رحلة الشرق والغرب)، وتحديداً باب «رحلتي الأمريكية» صاغ الدعوة التي وجهت إلى لويس عوض بفعل مبني للمجهول، فقال: «دعي إلى عدد من الجامعات الأميركية لإلقاء محاضرات». ويفهم من هذه الصياغة أن صاحب الفعل المجهول هو عدد من الجامعات الأمريكية. ويفهم أيضاً أن صاحب الفعل المجهول هو الذي حدَّد إطاراً عاماً للمحاضرات وهي أن تدور حول «التطورات الثقافية في مصر منذ عام 1952» و«دور المثقفين في مصر الحديثة»، مع أن «التطورات الثقافية في مصر منذ عام 1952» و«دور المثقفين في مصر الحديثة» كانا هما عنواني وموضوعي محاضرتيه اللتين جال بهما عدداً من الجامعات الأمريكية وجامعة كندية!
لويس عوض في ذلك الباب من كتابه حدد الجهة الداعية، بأنها طلبة مصريون وفدوا من جامعات وولايات أمريكية مختلفة لحضور المؤتمر السنوي الرابع لخريجي الجامعات الأمريكيين العرب المنعقد في مدينة بوسطن، وطلبوا إليه أن يلتقيهم في جامعاتهم.
وأقدر أنه هو الذي اختار موضوعي محاضرتيه، فحينما نقرأ نص ترجمته لموضوع محاضرته «إمكانيات الحوار في المجتمع المصري» من الإنجليزية إلى العربية، ونشرها في باب «رحلتي الأمريكية»، ندرك أن موضوع محاضرتيه، ما هو إلا تشعيب أدبي وثقافي وسياسي لهذه المحاضرة التي شارك بها في ذلك المؤتمر، والتي كان موضوعها نقداً عنيفاً لكيان سياسي هو ثورة 23 يوليو 1952، من جوانب عدة، اتكاءً على منظور علماني ليبرالي ثوري متطرف، فعلى سبيل المثال، موقفه من المسألة الدينية، التي يختزلها بعصور الظلام القروسطية في أوروبا.
أشك أن محاضرة لويس عوض في جامعة كولومبيا بنيويورك أثارت عليه «بعض المعتدلين من الأساتذة والطلاب الأمريكيين، ومنهم عدد من اليهود، لما فيها من تهجم صريح على زعيم عربي كبير»!
الزعيم العربي الكبير المقصود في تقديم «الآداب»، أو في تقديم سهيل إدريس، هو جمال عبد الناصر. ولا أدري لماذا لم ينص على اسمه في تلك الجملة؟!
أشك في تلك السطور، ليس لأننا لو وضعنا كلمة «المعتدلين» في «ميزان الاعتدال في كلام المثقفين»، مع الاستغناء عن ذلك «العدد من اليهود» في تلك السطور، لاختل الميزان. وكان أحرى بالتقديم أو بسهيل إدريس أن يصنفهم بـ«المتعاطفين مع العرب ومع القومية العربية»، أو يصنفهم بـ«المتعاطفين مع زعامة عبد الناصر العالمثالثية ومع تجربة حكمه في مصر». فلو فعل ذلك لكان أدنى إلى التصنيف الموضوعي، الذي يجعل كلامه قابلاً للتصديق. وللحديث بقية
-------------
الشرق الاوسط
------------- .
هذا التقديم كتب باسم المجلة، وأرجح أن كاتبه هو رئيس تحريرها سهيل إدريس. وإن لم يكن هو كاتبه بالمعنى الحرفي، فقد كتب بتوجيه منه وتحت إشرافه.
مجلة «الآداب» في تاريخها وفي جنباتها تضم اتجاهات تقدمية تحررية، لكن الاتجاه الفكري والسياسي المهيمن عليها هو الاتجاه القومي الناصري، وذلك لأنَّ مالكها ورئيس تحريرها، سهيل إدريس، من دعاة هذا الاتجاه في لبنان وفي العالم العربي.
إن سهيل إدريس هو من أبلغه بعض الناشطين السياسيين من الطلاب والأساتذة العرب في أميركا بنبأ محاضرات لويس عوض في عدد من الجامعات الأميركية. أو على نحو أدق نبأ محاضرتيه: «التطور الثقافي في مصر منذ 1952» و«دور المثقفين في مصر الحديثة»، اللتين كرر إلقاءهما في عشر جامعات أميركية، وكرر إلقاءهما في مدينة كيبك بكندا في جامعة لافال.
وأولئك الناشطون السياسيون هم الذين بعثوا له في بيروت من مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس بالشريط المسجل للمحاضرة الأولى التي ألقاها في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد. واستناداً إلى المصدر الذي استند إليه تقديم مجلة «الآداب»، وهو كتاب لويس عوض الذي صدر ضمن سلسلة «اقرأ» قبل صدور عددها بخمسة أشهر، فإن جامعة هارفارد هي الموقع الأول الذي انطلقت منه رحلة محاضرتيه بين عشر جامعات أمريكية، وجامعة كندية.
والأديب والمثقف العربي الفرانكفوني سهيل إدريس اختار الأستاذ في الجامعة الأميركية، محمد يوسف نجم، ليتولى ترجمة تلك المحاضرة والتعليق النقدي على ما يرد في متنها، مكتوب بخط صغير ورفيع في أسفل الصفحات، عن دراية بتمتعه بالصفات الملائمة لمثل هذا العمل الذي كلَّفه به. فهو مترجم حاذق. وأكاديمي مدقق برصانة. ومثقف وافر الاطلاع. وعلى معرفة عن كثب بتاريخ الحياة الأدبية والثقافية والسياسية في مصر الحديثة. وذو توجه قومي عربي ناصري، وإن كان لا يبلغ حد العقائدية التامة، كما هو الحال عند سهيل إدريس.
وكما كتب محمد يوسف نجم تعليقات نقدية، هي عبارة عن استدراكات معلوماتية على بعض ما ورد في محاضرة لويس عوض، فسأكتب استدراكات معلوماتية على بعض ما ورد في تقديم «الآداب».
ليس هناك في أميركا كيان يسمى «مؤتمر الطلاب الجامعيين العرب».
في أميركا اتحاد تتعدد صيغ ترجمته إلى اللغة العربية، والاسم الذي افتتحنا به هذا المقال هو إحدى هذه الصيغ في ترجمته إلى اللغة العربية، واسمه في كتاب لويس عوض الذي استند إليه تقديم «الآداب» هو «اتحاد الخريجين العرب الأمريكيين». ورأى أن «الأمريكيين العرب» هو الأصح. وبالترجمة إلى اللغة العربية تارة يسمى اتحاداً، وتارة يسمى رابطة.
الاسم باللغة الإنجليزية هو «Association of Arab – American University graduates 17» ويرمز له بهذه الحروف: «AAUG».
هذا الاتحاد تأسس بباعث سياسي قوي، وهي هزيمة يونيو (حزيران) المدوّية عام 1967. فعقب هذه الهزيمة المدوّية بما يقرب من نصف السنة تنادى أساتذة أميركيون من أصل عربي، لتأسيس هذا الاتحاد.
وفي الاجتماع الأول لجمعية دراسات الشرق الأوسط الذي عقد في مدينة شيكاغو بتاريخ 8 و9 ديسمبر (كانون الأول) عام 1967، طرحت على هامشه فكرة إنشاء «اتحاد خريجي الجامعات العرب الأمريكيين أو الأمريكيين العرب»، بهدف التصدي للوبي الصهيوني المتحكم في توجيه سياسة أميركا في منطقة الشرق الأوسط، والمعادي للعرب في مجالات عدة وشؤون شتى. وحين تأسس هذا الاتحاد عام 1968 انتخب الدكتور إبراهيم أبو لغد رئيساً له، لكنه رأى أن الأفضل للاتحاد أن يكون رئيسه الدكتور فوزي النجار، لأنه أكاديمي غير منغمسٍ مثله في اتجاه سياسي وفكري محدد. فضغط على الدكتور فوزي للقبول بالرئاسة، فقبل بها لكن لم تمض سنة إلا واستقال. فخلفه في الرئاسة أبو لغد ثم استقال عام 1970، فانتخب الدكتور شريف بسيوني رئيساً لهذا الاتحاد. ولم أتمكن من معرفة الأسماء التي توالت على رئاسته بعد شريف بسيوني. وهذا الاتحاد لم يعد قائماً منذ ستة عشراً عاماً. فقد انحلّ عام 2007.تقديم «الآداب» مع أنه استند إلى كتاب لويس عوض (رحلة الشرق والغرب)، وتحديداً باب «رحلتي الأمريكية» صاغ الدعوة التي وجهت إلى لويس عوض بفعل مبني للمجهول، فقال: «دعي إلى عدد من الجامعات الأميركية لإلقاء محاضرات». ويفهم من هذه الصياغة أن صاحب الفعل المجهول هو عدد من الجامعات الأمريكية. ويفهم أيضاً أن صاحب الفعل المجهول هو الذي حدَّد إطاراً عاماً للمحاضرات وهي أن تدور حول «التطورات الثقافية في مصر منذ عام 1952» و«دور المثقفين في مصر الحديثة»، مع أن «التطورات الثقافية في مصر منذ عام 1952» و«دور المثقفين في مصر الحديثة» كانا هما عنواني وموضوعي محاضرتيه اللتين جال بهما عدداً من الجامعات الأمريكية وجامعة كندية!
لويس عوض في ذلك الباب من كتابه حدد الجهة الداعية، بأنها طلبة مصريون وفدوا من جامعات وولايات أمريكية مختلفة لحضور المؤتمر السنوي الرابع لخريجي الجامعات الأمريكيين العرب المنعقد في مدينة بوسطن، وطلبوا إليه أن يلتقيهم في جامعاتهم.
وأقدر أنه هو الذي اختار موضوعي محاضرتيه، فحينما نقرأ نص ترجمته لموضوع محاضرته «إمكانيات الحوار في المجتمع المصري» من الإنجليزية إلى العربية، ونشرها في باب «رحلتي الأمريكية»، ندرك أن موضوع محاضرتيه، ما هو إلا تشعيب أدبي وثقافي وسياسي لهذه المحاضرة التي شارك بها في ذلك المؤتمر، والتي كان موضوعها نقداً عنيفاً لكيان سياسي هو ثورة 23 يوليو 1952، من جوانب عدة، اتكاءً على منظور علماني ليبرالي ثوري متطرف، فعلى سبيل المثال، موقفه من المسألة الدينية، التي يختزلها بعصور الظلام القروسطية في أوروبا.
أشك أن محاضرة لويس عوض في جامعة كولومبيا بنيويورك أثارت عليه «بعض المعتدلين من الأساتذة والطلاب الأمريكيين، ومنهم عدد من اليهود، لما فيها من تهجم صريح على زعيم عربي كبير»!
الزعيم العربي الكبير المقصود في تقديم «الآداب»، أو في تقديم سهيل إدريس، هو جمال عبد الناصر. ولا أدري لماذا لم ينص على اسمه في تلك الجملة؟!
أشك في تلك السطور، ليس لأننا لو وضعنا كلمة «المعتدلين» في «ميزان الاعتدال في كلام المثقفين»، مع الاستغناء عن ذلك «العدد من اليهود» في تلك السطور، لاختل الميزان. وكان أحرى بالتقديم أو بسهيل إدريس أن يصنفهم بـ«المتعاطفين مع العرب ومع القومية العربية»، أو يصنفهم بـ«المتعاطفين مع زعامة عبد الناصر العالمثالثية ومع تجربة حكمه في مصر». فلو فعل ذلك لكان أدنى إلى التصنيف الموضوعي، الذي يجعل كلامه قابلاً للتصديق. وللحديث بقية
-------------
الشرق الاوسط
------------- .