الجامعة العربية وعلى لسان أمينها العام أحمد أبو الغيط رأى أن عودة النظام السوري للجامعة باتت شبه حتمية، مشيرا في ذات الوقت إلى مجموعة من المطالب الدولية من النظام قبل ذلك.
وقال أبو الغيط خلال لقاء تلفزيوني بثته قناة «الجديد» في 26 نيسان/أبريل الحالي: النظام السوري ربح المعركة عندما حسمها عسكريًا قبل سنوات، وعندما فشلت المعارضة والمقاومة بدخول دمشق.
كما انتقد تعليق عضوية سوريا في الجامعة، قائلا: كان ينبغي عدم التعجل بتجميد العضوية، وإتاحة المزيد من الفرص للمفاوضات والمحاولات مع النظام.
تصريحات أبو الغيط تأتي عقب تحول كبير في الموقف السعودي الرسمي تجاه دمشق، وكذلك إبان حراك عربي لبعض الدول العربية للانفتاح على الأسد على المستوى الثنائي، فيما تعارض 5 دول عربية عودة النظام إلى الجامعة، والدول الرافضة لإعادة النظام السوري، هي قطر والمغرب والكويت ومصر واليمن، في ظل عودة علاقات النظام الرسمية مع دول عربية بعد انقطاعها في عام 2012.
خبراء تواصلت معهم «القدس العربي» أكدوا أن نظام الحكم في سوريا لم يحقق أي مكاسب حقيقية من عمليات التطبيع العربي مع الأسد على المستوى الثنائي خلال الفترات الماضية، وكذلك على الصعيد العام ما بين النظام السوري والجامعة العربية. وأن الجامعة العربية مجرد هيكل فارغ التأثير، حيث ليس لديها أي انجاز على الساحة العربية وهناك العديد من الأمثلة تشير لذلك، فلو كانت قادرة على تغيير المعادلات على الأرض لما استمر الانقسام في ليبيا حتى يومنا هذا، ولا شاهدنا حكومتين في ليبيا مع عشرات الميليشيات والتشكيلات العسكرية التي لا تحمل صفات رسمية، ولو كان للجامعة العربية أي بعد حقيقي وتأثير فعال لما شاهدنا في السودان نظامي حكم داخل قصر جمهوري واحد، ومعارك طاحنة ورحيل بعثات دولية من الخرطوم.
كذلك هي أحوال الصومال التي بقيت كما هي رغم مرور زمن طويل على أحوالها المتردية، وأحوال لبنان تعد مؤشرا واضحا على قدرات الجامعة العربية على حل الخلافات وانقاذه من الزلزال السياسي، لذلك لا يمكن التعويل على جهود الجامعة العربية للحل في سوريا.
الخبراء، رأوا أن النظام السوري لم يسع بشكل مباشر للتطبيع مع بعض الدول العربية، وإن ما جرى هو مساع عربية للتقرب من رأس النظام في دمشق حصرا وليس التقرب من الدولة السورية، وهذا ما تشير إليه بوضوح الزيارات التي قام بها الأسد أو الجهات العربية التي زارته في دمشق، حيث اقتصرت اللقاءات مع بشار الأسد وأحيانا على وزير خارجيته.
بينما لم نشاهد تعاملات عربية مع المؤسسات المعتبرة سواء على مستوى رئاسة الوزراء أو الوزارات التقنية بما فيها المؤسسات المسؤولة عن البنية التحتية أو الاقتصاد والمال، وهذا أهم مؤشر على مستوى العلاقات، وأن بعض الدول العربية تحاول فهم حالة النظام السوري بشكل مقرب قبل أن ينهار أو يسقط بشكل مفاجئ، وما قد ينتج عن أزمات كبرى في الإقليم العربي ككل جراء ذلك.
وهنا يمكننا القول: التعامل العربي مع الأسد يرمي إلى معرفة الآلية التي يدار من خلالها نظامه والأدوات والطرق التي يتعامل فيها مع العالم الخارجي، ومعرفة الجهات الداخلية في بنيته والتي تمتلك المواد الحساسة والمعلومات السرية، في حين أن النظام لا يمتلك ما يمكن تقديمه مقابل عمليات التطبيع ولن يحقق أي مكاسب قوية.
ورغم حملات التطبيع الثنائية وإعادة العلاقات بشكل حذر، وتكرار الزيارات ما بين عدة دول عربية والنظام السوري، إلا أن الاقتصاد السوري لم يستقبل أي فوائد من هذا الحراك الدبلوماسي والسياسي، بل أن قيمة الليرة السورية في تراجع مستمر.
من جانبه، قال المستشار الاقتصادي، الدكتور أسامة القاضي لـ «القدس العربي»: حملة التطبيع العربية مع النظام السوري منذ عام 2019 لم تفلح في انقاذ الليرة السورية، حيث تراجعت قيمتها أمام العملات الأجنبية إلى مستويات قياسية.
وأضاف، لم تتحسن قيمة الليرة السورية أمام الدولار، بل على العكس انهارت أكثر لتصبح قيمتها من 500 ليرة للدولار الأمريكي الواحد عام 2019 إلى 8100 ليرة للدولار الواحد، وكذلك هو الحال منذ التدخل العسكري الروسي في سوريا لصالح النظام في عام 2015.
تطبيع هش ورهان فاشل
عمليات التطبيع الجارية بين عدة دول عربية والنظام السوري حققت للأخير شبكة علاقات على المستوى الثنائي مع بعض الدول، لكنها لم تفض إلى إعادة دمجه في النظام الدولي أو الجامعة العربية، ولعل هذا الخيار ما يرغب به الأسد حاليا، فالنظام السوري يفضل هذا النوع من العلاقات التي لا التزامات واضحة فيها على وجود شروط كبيرة لا يرغب في تطبيقها في الواقع.
الباحث في الشأن السوري عرابي عبد الحي عرابي، رأى خلال تصريحاته لـ «القدس العربي»: أن مشكلة عمليات التطبيع الأخيرة ليست في التحرك في هامش أتاحته الولايات المتحدة الأمريكية للاعبين الإقليميين، وإنما في أن هذه العملية لن تصل إلى أي حل منطقي وفق القرارات الأممية، لأن المشكلة تكمن في طبيعة النظام ذاته، وهي طبيعة غير قابلة للإصلاح.
ويعتقد الباحث، أن هذه الطبيعة تدركها دول المبادرات، ولذا فهي تناور حسب ما يمكن أن تحقق من فوائد جانبية خاصة بها في ملف تجارة المخدرات مثلا، فالسعودية تعاني من سيل المخدرات الذي يتدفق من جانب النظام السوري إليها، وهي تريد ضبط هذا الموضوع وإيقافه، لكن على الأغلب ستبوء بالفشل، فتجارة المخدرات باتت الرئة الأساسية للنظام وتدر عليه عشرات المليارات سنويا حسب ما قالته وزارة الخارجية البريطانية.
من ناحية أخرى فإن هذه الجهات لن تستطيع التورّط بدعمٍ ماليٍّ يصل إلى حدود إعادة الإعمار، ولو نظرنا إلى الإمارات على سبيل المثال فسنرى أنها لم تساعد قيس سعيّد في تونس مالياً رغم الحالة الاقتصادية المتردية لبلاده، ولا يمكن لهذه الدول أن تدعم النظام بالمليارات وهي تعلم أنها ستذهب في نهاية المطاف إلى جيوب القادة والشخصيات المتنفذين في النظام السوري.
لن يستطيع النظام تحقيق أي مكسب إستراتيجي من التطبيع، سواء على صعيد العلاقات العالمية -أوروبا- أمريكا كندا- وهو نفسه لن يحقق له ذلك أيّ قدرةٍ على استعادة المناطق الخارجة عن سيطرته كمناطق قوات سوريا الديمقراطية «قسد» أو الشمال السوري، ولن يستطيع بما أوتي من قوة أن يفكك هيئة تحرير الشام وبقية الفصائل. التطبيع الدبلوماسي الثنائي وفق عرابي لن يحقق الشروط الدولية كتشكيل هيئة كاملة الصلاحيات في سوريا بناء على القرار 2254 وعليه فإن عمليات التطبيع ستبقى محدودة، وربما تتحول في المستقبل إلى دورة جديدة من المعاداة في حال تأزمت العلاقات بين إيران والسعودية مجددا.
تسارعت وتيرة التطبيع العربي مع النظام في سوريا بعد حالة جمود شبه كامل في الملف السوري مستمرة منذ 2020 تخللها غياب التقدم في المبادرة العربية التي اقترحتها الأردن عام 2021.
إلا أن النظام السوري لم يحقق أي مكاسب على كافة المستويات، فمناطق نفوذه وفق مدير مركز جسور للدراسات محمد سرميني لم تشهد أي تغيير يذكر، كما أن الأسد فاقد لأكثر من ثلث الخريطة السورية، ويمتلك الشرعية فقط بفعل التوازنات الدولية، إضافة إلى أن النظام السوري مسلوب السيادة مع استمرار تقاسم 4 دول للخريطة السورية والنفوذ الجوي للدولة الخامسة.
أما على المستوى السياسي فإن النظام كان وما زال في حالة تعطيل للعملية السياسية المتمثلة باللجنة الدستورية، وعلى المستوى الأمني فإن الميليشيات المحلية والخارجية تنتشر على امتداد مناطق نفوذه وهو عملياً لا يسيطر عليها، كما أنه لم يستطع السيطرة على مناطق التسويات والمصالحات وخاصة الجنوب.
عسكريا، النظام لا يمتلك قرار السلم والحرب وغير قادر على تغيير واقع السيطرة، واقتصاديا فقد سيطر اقتصاد الحرب على الهياكل والمؤسسات بعد انهيار الاقتصاد الحكومي، والأهم أن النظام أصبح من أكبر مشاريع تصنيع وتهريب المخدرات على مستوى المنطقة والعالم.
إن بقاء النظام على حاله كدولة فاشلة بالمعايير القانونية والسياسية يشير إلى أن التطبيع معه ليس مقصوداً لذاته؛ ومع ذلك فإن هذا التطبيع يمثل فشلاً للدول العربية التي تمضي في هذا المسار، ويمهد لمنح إيران مقعداً آخر في جامعة الدول العربية، ويسوق سياسياً وإعلامياً لنظام مخدرات.
التطبيع مع النظام السوري يرتبط بنظرة الدول إلى مصالح إقليمية ودولية يمثل النظام فيها مساحة اختبار نوايا وتبادل رسائل سلبية أو إيجابية، خاصة وأن تحرك الدول الإقليمية جاء مع حالة عدم الثقة بالولايات المتحدة التي أسهم سلوكها في توجه هذه الدول نحو روسيا وإيران
ويرى سرميني، أن مسار التطبيع القائم لا يعني إعادة إنتاج النظام، فبنيته الداخلية وفقدانه السيطرة لصالح حلفائه روسيا وإيران من أهم الأسباب التي تجعل محاولة النظام العودة لما قبل 2011 مستحيلة، ومن السهل اكتشاف دلائل ذلك للدول التي تعيد تواصلها مع النظام وتكتشفه على الواقع ومن قرب، وفي النهاية يمكن القول: لن تساهم عمليات التطبيع في إعادة إنتاج النظام أو تعديل سلوكه، ولن يحصل المطبعون على أية مصالح مباشرة من النظام. وستكون عمليات التطبيع محاولات هشة في الوقت بدل الضائع، فيما المشهد السوري قد يتغير بمجرد انهيار جهود التهدئة الإقليمية أو اندلاع تصعيد جديد أو تطور المشهد في أوكرانيا.
--------
القدس العربي