حول حظوظ المصالحة بين تركيا والنظام السوري على ضوء اجتماعات وزراء دفاع روسيا وتركيا وايران والنظام السوريفي موسكو في 25 ابريل/نيسان 2023
ويبدو ان الظروف الدولية والإقليمية، وخاصة السياسة الامريكية المتقلبة في المنطقة تجاه بعض الدول الخليجية منذ عهد الرئيس باراك أوباما وحتى إدارة الرئيس جو بايدن، دفعت تلك الدول لتوسيع العلاقات مع موسكو في مجالات عديدة شكلت انفراجة للسياسة الخارجية الروسية، التي تعرضت لضغوطات هائلة وعقوبات غربية واسعة وخاصة خلال السنة الماضية بعد بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022. وتكبدت روسيا خسائر اقتصادية وسياسية وعسكرية باهضة، جعلتها تتوجه نحو الشرق والجنوب وتركز على توسيع التعاون مع دول آسيا والشرق الأوسط وافريقيا كبديل للدول الغربية التي صنفتها موسكو “دولا غير صديقة”.
ومنذ أن صرح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في 15/12/2022 بأنه اقترح على الرئيس بوتين عقد اجتماع ثلاثي مع رأس النظام السوري بشار الأسد لبحث المصالحة بين انقرة ودمشق، والذي فاجأ الكثيرين حيث كان من المتوقع ان يأتي ذلك الاقتراح من بوتين وليس اردوغان. ولكن هناك أسباب على ما يبدو دفعت تركيا لهذا الأمر وهي الظروف المحيطة بتركيا والتحديات الهائلة السياسية المرتبطة بالانتخابات البرلمانية والرئاسية المصيرية في مايو/أيار 2023، ومتاجرة المعارضة التركية بورقة اللاجئين السوريين والذين بلغ عددهم حوالي 4 مليون، علما أنهم يؤدون دورا فاعلا في تطوير الاقتصاد التركي، حسب اعتراف كبار المسؤولين الاتراك. وكذلك هناك تحديات اقتصادية تجسدت في ارتفاع نسبة التضخم، وجاء الزلزال الكبير ليلحق بتركيا والسوريين خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات.
من جهة أخرى يجب الإشارة الى ان موسكو مهتمة جداً بنتائج الانتخابات التركية ولها مصلحة كبيرة في فوز الرئيس اردوغان بولاية جديدة، وإلا فإن المصالح الروسية قد تتعرض لمخاطر كبيرة. وفي هذا الطار يمكن فهم موافقة موسكو على تمديد صفقة تصدير الحبوب الأوكرانية بإشراف تركي واممي حتى 18 مايو/أيار أي الى بعد انتهاء الانتخابات التركية.
وفي 28/12/2022 عقد لقاء ثلاثي لوزراء دفاع روسيا وتركيا والنظام السوري في موسكو واتفقوا على القيام ببعض الترتيبات الأمنية والعسكرية على ان يتبع هذا الاجتماع لقاء نواب وزراء الخارجية في الدول الثلاث في موسكو في 16 مارس/اذار 2023، لكن تصريحات بشار الاسد في موسكو افشلت عقد ذلك الاجتماع حيث اشترط انسحاب القوات التركية من شمال سورية وكذلك التوقف عن دعم المعارضة السورية (التي يصفها بالإرهابية)، علما ان موسكو تدعو لعقد لقاء قمة بدون أي شروط، ومثلها تصرح انقرة.
ولكن إيران وجدت نفسها مهمشة في هذه العملية. فقام مسؤولوها بزيارات مكوكية الى دمشق وانقرة وموسكو وفرضوا مشاركتهم في المفاوضات، لأنها يمسكون بأوراق قوية في سوريا، وعلى قول المثل “أو لعيب أو خريب”
وبعد جهد كبير وضغط من بوتين على الأسد لعقد لقاء بين نواب وزراء الخارجية الأربعة، وافق الأسد شكليا ولكنه استمر في عناده وتصميمه على ان يغني مواله دون أي اعتبار لموقف حليفته موسكو، التي قال وزير خارجيتها لافروف في عام 2018 لولا موسكو لسقطت دمشق. أما الأسد يعتبر نفسه منتصرا وهو ليس مضطراً لتقديم أي تنازلات او تسويات مع معارضيه، علما ان موسكو تدرك تماما عدم تحقيق استقرار في سوريا بدون تحقيق تسوية سياسية معينة، وان كانت تصرح بتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 إلا أنها منذ بدأت مفاوضات استانا وهي تلتف على القرارات الدولية. ويبدو ان الأسد فهم اللعبة جيدا وأدرك ان موسكو نفسها ليست جادة في تطبيق قرارات مجلس الامن، خاصة وأنها استخدمت الفيتو أكثر من 15 مرة دفاعا عن نظام الأسد بالرغم من ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا.
وفي 4/4/2023 عقد اجتماع لنواب وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري في موسكو، لكنه لم يتمكن من تحديد موعد لاجتماع وزراء خارجية الدول الأربعة، وانما تم الاتفاق على أمور عامة وهي استمرار المشاورات بخصوص سورية. وبالطبع فقد سبق هذا الاجتماع تصريح ناري لنائب وزير خارجية النظام السوري ايمن سوسان بأن دمشق لن تصالح ولن يكون هناك اجتماع قمة إلا بعد انسحاب القوات التركية من سوريا.
ولذلك قام لافروف بزيارة انقرة في 6 ابريل/نيسان 2023 أجرى مباحثات مع الرئيس التركي ووزير خارجيته حول متابعة جهود المصالحة بين انقرة والأسد. ويبدو انهم فشلوا في التوصل الى اتفاق حول إمكانية عقد الاجتماع المقرر في 11/4/2023 لوزراء الخارجية، وشاركت طهران ودمشق في المباحثات اون لاين لإنقاذ الموقف، ولم يتمكنوا من الاتفاق على تحديد موعد لاجتماع وزراء الخارجية الأربعة، وانما عاد وزراء الدفاع ورؤساء الأجهزة الأمنية واجتمعوا من جديد في موسكو في 25 ابريل/نيسان 2023.
ويبدو أن الاجتماع الأخير جرى في أجواء مشحونة ولم يتوصلوا الى اتفاقات محددة سوى العبارات العامة مثل وحدة الأراضي السورية ومحاربة القوى المتطرفة والارهابية وتحقيق الامن والاستقرار في سوريا كما ورد في بيان وزارة الدفاع الروسية. واللافت بأن وزارة دفاع النظام السوري ووسائل اعلامه روجت بأن الاجتماع ناقش قضية “انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية” وهذا كذب واضح.
وبرأي المحلل السياسي رامي الشاعر فإن “اجتماع وزراء الدفاع ناقش كذلك الوضع المعقد جدا في الشمال الشرقي والشمال الغربي لسوريا، وهم مكلفين بمساعدة سلطات دمشق حتى تبدأ هي بالمبادرة للتفاوض مع المعارضة المتواجدة في هذه المناطق، والتي تمثل ما لا يقل عن 8 مليون مواطن سوري، والتي لا يمكن ضمان وحدة أراضي سوريا وسيادتها الكاملة على أراضيها كافة دون التوصل لصيغة تفاهم مع هذه الفئة من الشعب السوري”. وبالرغم من التشاؤم حول استمرار الجهود للمصالحة بين انقرة ودمشق فإن وزير الخارجية التركي متفائل بأن يعقد اجتماع وزراء الخارجية الرباعي في بداية مايو/أيار، وقد يتم الاتفاق على عقد قمة رباعية في موسكو، وعلى الاغلب لن تكون قبل الانتخابات لتركية.
وعند متابعة الموقف التركي من المصالحة مع الأسد فإننا نجد بأن تركيا تطرح نقاطا محددة على النظام تتعلق بعودة آمنة للاجئين السوريين والبدء بتسوية سياسية والقضاء على أي خطر قادم على حدودها الجنوبية من قبل قوات قسد واخواتها التي يقودها حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا من قبل المجتمع الدولي.
وتفيد مصادر مطلعة في موسكو بأن تركيا ليست متمسكة بالبقاء في سوريا، ولكنها أيضا تشترط على الأسد ان يكون قادرا على تأمين أمن الحدود التركية مع سوريا ويبعد قوات قسد الكردية، وكذلك يعيد اللاجئين السوريين الى بلادهم ولكن النظام عاجز عن تحقيق أي انجاز في ظل فقدانه للمبادرة الحقيقية، خاصة وان أجزاء كبرى ومهمة من سوريا تقع تحت سيطرة قوى أخرى.
وقد أكد ذلك الوزير جاويش اوغلو بأن قوات بلاده لن تنسحب في الوقت الراهن من شمالي العراق وسوريا، مشيراً إلى أن انسحاباً تركياً من تلك المناطق يعني “توقف العمليات العسكرية ضد الإرهاب واقتراب الإرهابيين من الحدود التركية، وهو ما يشكل تهديدا للأمن القومي التركي”. واعتبر جاويش أوغلو أن الفراغ الذي سيحدث حال انسحبت القوات التركية من شمال سوريا ستشغله التنظيمات التي تعتبرها تركيا إرهابية، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن “تركيا لا تطمع في اقتطاع أجزاء من الأراضي السورية، ولا يمكنها الانسحاب من الشمال السوري إلا حين يستتب الأمن ويعود الاستقرار الكامل إلى تلك المناطق”. وجاءت تلك التصريحات من قبل الوزير التركي عشية اجتماع وزراء دفاع ورؤساء استخبارات روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري في موسكو في 25/4/2023.
ومن تحليل موقف النظام على ضوء الوضع الاقتصادي والمعيشي المتدهور بما فيه في مناطق سيطرة النظام، حيث لا يمنعه أحد من تحقيق نوع من الاستقرار، بل يعاني الناس هناك أكثر من أي منطقة أخرى في سورية. ويرتاح النظام السوري الغارق في الفساد لحالة الفوضى والفشل الأمني والاقتصادي، فهو يتابع صناعة الكبتاغون وتهريبها الى دول المنطقة، لدرجة ان الولايات المتحدة الامريكية اعتمدت قانون مكافحة تجارة المخدرات “التي يقودها بشار الأسد” ضمن موازنة الدفاع لعام 2023 . وبالطبع فإن إيران، هي التي تدعم الميليشيات الطائفية المسلحة وتخلق الفوضى في دول المنطقة من العراق الى اليمن الى لبنان وسوريا، وتشجع الأسد على رفض أي حل سياسي، خاصة وأن الاسد يخضع لرقابتها.
كما شكك وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو بقيمة التأثير الذي يمكن أن يحققه اللقاء السياسي بين رئيس النظام السوري بشار الأسد، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأكد بأنه “يجب مسائلة الأسد. لقاء الأسد قبل أو بعد الانتخابات لن يكون ميزة لنا، ربما سيكون عائقًا”. واعتبر الوزير أن “الأزمة المستمرة منذ 11 عامًا لن تحل بهذه الطريقة”، مشددًا في الوقت نفسه على الحاجة لحل دائم لإعادة بناء البلاد (ويقصد سوريا).
مهما قيل عن احتمال المصالحة بين الأسد وتركيا فإن التاريخ يسجل بأن أخطر نظام على أمن تركيا هو نظام الأسد الذي أشرفت مخابراته على تأسيس حزب العمال الكردستاني وبعده حزب الاتحاد الديمقراطي وقدمت لهم كل أنواع الدعم من تدريبات وسلاح بهدف محاربة السلطات التركية، ولذلك لا يمكن للنظام السوري ان يضمن امن الحدود مع تركيا فهو نفسه بحاجة لمن يحميه.
لذلك أرى ان القيادة التركية تدرك تماما خطر التنازل للنظام بدون تحقيق مكاسب حقيقية وعملية، ومن حق تركيا العمل على استقرار سوريا ولكن ذلك الاستقرار مستحيل في ظل نظام قتل وشرد وهجر ملايين السوريين ودمر البنية التحتية واستخدم أكثر الأسلحة فتكا لقتل السوريين.
-----------
سوريا الامل
ومنذ أن صرح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في 15/12/2022 بأنه اقترح على الرئيس بوتين عقد اجتماع ثلاثي مع رأس النظام السوري بشار الأسد لبحث المصالحة بين انقرة ودمشق، والذي فاجأ الكثيرين حيث كان من المتوقع ان يأتي ذلك الاقتراح من بوتين وليس اردوغان. ولكن هناك أسباب على ما يبدو دفعت تركيا لهذا الأمر وهي الظروف المحيطة بتركيا والتحديات الهائلة السياسية المرتبطة بالانتخابات البرلمانية والرئاسية المصيرية في مايو/أيار 2023، ومتاجرة المعارضة التركية بورقة اللاجئين السوريين والذين بلغ عددهم حوالي 4 مليون، علما أنهم يؤدون دورا فاعلا في تطوير الاقتصاد التركي، حسب اعتراف كبار المسؤولين الاتراك. وكذلك هناك تحديات اقتصادية تجسدت في ارتفاع نسبة التضخم، وجاء الزلزال الكبير ليلحق بتركيا والسوريين خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات.
من جهة أخرى يجب الإشارة الى ان موسكو مهتمة جداً بنتائج الانتخابات التركية ولها مصلحة كبيرة في فوز الرئيس اردوغان بولاية جديدة، وإلا فإن المصالح الروسية قد تتعرض لمخاطر كبيرة. وفي هذا الطار يمكن فهم موافقة موسكو على تمديد صفقة تصدير الحبوب الأوكرانية بإشراف تركي واممي حتى 18 مايو/أيار أي الى بعد انتهاء الانتخابات التركية.
وفي 28/12/2022 عقد لقاء ثلاثي لوزراء دفاع روسيا وتركيا والنظام السوري في موسكو واتفقوا على القيام ببعض الترتيبات الأمنية والعسكرية على ان يتبع هذا الاجتماع لقاء نواب وزراء الخارجية في الدول الثلاث في موسكو في 16 مارس/اذار 2023، لكن تصريحات بشار الاسد في موسكو افشلت عقد ذلك الاجتماع حيث اشترط انسحاب القوات التركية من شمال سورية وكذلك التوقف عن دعم المعارضة السورية (التي يصفها بالإرهابية)، علما ان موسكو تدعو لعقد لقاء قمة بدون أي شروط، ومثلها تصرح انقرة.
ولكن إيران وجدت نفسها مهمشة في هذه العملية. فقام مسؤولوها بزيارات مكوكية الى دمشق وانقرة وموسكو وفرضوا مشاركتهم في المفاوضات، لأنها يمسكون بأوراق قوية في سوريا، وعلى قول المثل “أو لعيب أو خريب”
وبعد جهد كبير وضغط من بوتين على الأسد لعقد لقاء بين نواب وزراء الخارجية الأربعة، وافق الأسد شكليا ولكنه استمر في عناده وتصميمه على ان يغني مواله دون أي اعتبار لموقف حليفته موسكو، التي قال وزير خارجيتها لافروف في عام 2018 لولا موسكو لسقطت دمشق. أما الأسد يعتبر نفسه منتصرا وهو ليس مضطراً لتقديم أي تنازلات او تسويات مع معارضيه، علما ان موسكو تدرك تماما عدم تحقيق استقرار في سوريا بدون تحقيق تسوية سياسية معينة، وان كانت تصرح بتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 إلا أنها منذ بدأت مفاوضات استانا وهي تلتف على القرارات الدولية. ويبدو ان الأسد فهم اللعبة جيدا وأدرك ان موسكو نفسها ليست جادة في تطبيق قرارات مجلس الامن، خاصة وأنها استخدمت الفيتو أكثر من 15 مرة دفاعا عن نظام الأسد بالرغم من ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا.
وفي 4/4/2023 عقد اجتماع لنواب وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري في موسكو، لكنه لم يتمكن من تحديد موعد لاجتماع وزراء خارجية الدول الأربعة، وانما تم الاتفاق على أمور عامة وهي استمرار المشاورات بخصوص سورية. وبالطبع فقد سبق هذا الاجتماع تصريح ناري لنائب وزير خارجية النظام السوري ايمن سوسان بأن دمشق لن تصالح ولن يكون هناك اجتماع قمة إلا بعد انسحاب القوات التركية من سوريا.
ولذلك قام لافروف بزيارة انقرة في 6 ابريل/نيسان 2023 أجرى مباحثات مع الرئيس التركي ووزير خارجيته حول متابعة جهود المصالحة بين انقرة والأسد. ويبدو انهم فشلوا في التوصل الى اتفاق حول إمكانية عقد الاجتماع المقرر في 11/4/2023 لوزراء الخارجية، وشاركت طهران ودمشق في المباحثات اون لاين لإنقاذ الموقف، ولم يتمكنوا من الاتفاق على تحديد موعد لاجتماع وزراء الخارجية الأربعة، وانما عاد وزراء الدفاع ورؤساء الأجهزة الأمنية واجتمعوا من جديد في موسكو في 25 ابريل/نيسان 2023.
ويبدو أن الاجتماع الأخير جرى في أجواء مشحونة ولم يتوصلوا الى اتفاقات محددة سوى العبارات العامة مثل وحدة الأراضي السورية ومحاربة القوى المتطرفة والارهابية وتحقيق الامن والاستقرار في سوريا كما ورد في بيان وزارة الدفاع الروسية. واللافت بأن وزارة دفاع النظام السوري ووسائل اعلامه روجت بأن الاجتماع ناقش قضية “انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية” وهذا كذب واضح.
وبرأي المحلل السياسي رامي الشاعر فإن “اجتماع وزراء الدفاع ناقش كذلك الوضع المعقد جدا في الشمال الشرقي والشمال الغربي لسوريا، وهم مكلفين بمساعدة سلطات دمشق حتى تبدأ هي بالمبادرة للتفاوض مع المعارضة المتواجدة في هذه المناطق، والتي تمثل ما لا يقل عن 8 مليون مواطن سوري، والتي لا يمكن ضمان وحدة أراضي سوريا وسيادتها الكاملة على أراضيها كافة دون التوصل لصيغة تفاهم مع هذه الفئة من الشعب السوري”. وبالرغم من التشاؤم حول استمرار الجهود للمصالحة بين انقرة ودمشق فإن وزير الخارجية التركي متفائل بأن يعقد اجتماع وزراء الخارجية الرباعي في بداية مايو/أيار، وقد يتم الاتفاق على عقد قمة رباعية في موسكو، وعلى الاغلب لن تكون قبل الانتخابات لتركية.
وعند متابعة الموقف التركي من المصالحة مع الأسد فإننا نجد بأن تركيا تطرح نقاطا محددة على النظام تتعلق بعودة آمنة للاجئين السوريين والبدء بتسوية سياسية والقضاء على أي خطر قادم على حدودها الجنوبية من قبل قوات قسد واخواتها التي يقودها حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا من قبل المجتمع الدولي.
وتفيد مصادر مطلعة في موسكو بأن تركيا ليست متمسكة بالبقاء في سوريا، ولكنها أيضا تشترط على الأسد ان يكون قادرا على تأمين أمن الحدود التركية مع سوريا ويبعد قوات قسد الكردية، وكذلك يعيد اللاجئين السوريين الى بلادهم ولكن النظام عاجز عن تحقيق أي انجاز في ظل فقدانه للمبادرة الحقيقية، خاصة وان أجزاء كبرى ومهمة من سوريا تقع تحت سيطرة قوى أخرى.
وقد أكد ذلك الوزير جاويش اوغلو بأن قوات بلاده لن تنسحب في الوقت الراهن من شمالي العراق وسوريا، مشيراً إلى أن انسحاباً تركياً من تلك المناطق يعني “توقف العمليات العسكرية ضد الإرهاب واقتراب الإرهابيين من الحدود التركية، وهو ما يشكل تهديدا للأمن القومي التركي”. واعتبر جاويش أوغلو أن الفراغ الذي سيحدث حال انسحبت القوات التركية من شمال سوريا ستشغله التنظيمات التي تعتبرها تركيا إرهابية، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن “تركيا لا تطمع في اقتطاع أجزاء من الأراضي السورية، ولا يمكنها الانسحاب من الشمال السوري إلا حين يستتب الأمن ويعود الاستقرار الكامل إلى تلك المناطق”. وجاءت تلك التصريحات من قبل الوزير التركي عشية اجتماع وزراء دفاع ورؤساء استخبارات روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري في موسكو في 25/4/2023.
ومن تحليل موقف النظام على ضوء الوضع الاقتصادي والمعيشي المتدهور بما فيه في مناطق سيطرة النظام، حيث لا يمنعه أحد من تحقيق نوع من الاستقرار، بل يعاني الناس هناك أكثر من أي منطقة أخرى في سورية. ويرتاح النظام السوري الغارق في الفساد لحالة الفوضى والفشل الأمني والاقتصادي، فهو يتابع صناعة الكبتاغون وتهريبها الى دول المنطقة، لدرجة ان الولايات المتحدة الامريكية اعتمدت قانون مكافحة تجارة المخدرات “التي يقودها بشار الأسد” ضمن موازنة الدفاع لعام 2023 . وبالطبع فإن إيران، هي التي تدعم الميليشيات الطائفية المسلحة وتخلق الفوضى في دول المنطقة من العراق الى اليمن الى لبنان وسوريا، وتشجع الأسد على رفض أي حل سياسي، خاصة وأن الاسد يخضع لرقابتها.
كما شكك وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو بقيمة التأثير الذي يمكن أن يحققه اللقاء السياسي بين رئيس النظام السوري بشار الأسد، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأكد بأنه “يجب مسائلة الأسد. لقاء الأسد قبل أو بعد الانتخابات لن يكون ميزة لنا، ربما سيكون عائقًا”. واعتبر الوزير أن “الأزمة المستمرة منذ 11 عامًا لن تحل بهذه الطريقة”، مشددًا في الوقت نفسه على الحاجة لحل دائم لإعادة بناء البلاد (ويقصد سوريا).
مهما قيل عن احتمال المصالحة بين الأسد وتركيا فإن التاريخ يسجل بأن أخطر نظام على أمن تركيا هو نظام الأسد الذي أشرفت مخابراته على تأسيس حزب العمال الكردستاني وبعده حزب الاتحاد الديمقراطي وقدمت لهم كل أنواع الدعم من تدريبات وسلاح بهدف محاربة السلطات التركية، ولذلك لا يمكن للنظام السوري ان يضمن امن الحدود مع تركيا فهو نفسه بحاجة لمن يحميه.
لذلك أرى ان القيادة التركية تدرك تماما خطر التنازل للنظام بدون تحقيق مكاسب حقيقية وعملية، ومن حق تركيا العمل على استقرار سوريا ولكن ذلك الاستقرار مستحيل في ظل نظام قتل وشرد وهجر ملايين السوريين ودمر البنية التحتية واستخدم أكثر الأسلحة فتكا لقتل السوريين.
-----------
سوريا الامل