فبعد أيام قليلة على لقاء وزير خارجية المملكة العربية السعودية مع نظيره في حكومة ميليشيا أسد في المدينة نفسها، اعتقد الكثيرون أن قرار عودة النظام إلى جامعة الدول العربية وحضور بشار القمة المقبلة بات محسوماً، لكن المفاجأة كانت بتمسك خمسة دول بموقفها الرافض للخطوة، بينها اثنتان ممثلتان في اللقاء الوزاري التشاوري.
قطر والكويت، بالإضافة إلى الحكومتين الشرعتين في اليمن وليبيا مع المغرب، أبدت جميعها الاعتراض على تعويم النظام عربياً، بينما كشفت صحف غربية أن مصر هي الأخرى متحفظة، وهذه الدول تشترط اتخاذ النظام إجراءات جدية على طريق الحل السياسي وفق القرار الدولي 2254، بالإضافة إلى محددات أخرى باتت معروفة.
قطر والكويت، بالإضافة إلى الحكومتين الشرعتين في اليمن وليبيا مع المغرب، أبدت جميعها الاعتراض على تعويم النظام عربياً، بينما كشفت صحف غربية أن مصر هي الأخرى متحفظة، وهذه الدول تشترط اتخاذ النظام إجراءات جدية على طريق الحل السياسي وفق القرار الدولي 2254، بالإضافة إلى محددات أخرى باتت معروفة.
أورينت نت" تواصلت مع العديد من المحللين والمعارضين السياسيين السوريين لمناقشة الأسباب المحتملة التي دفعت لفرملة هذه الدول قطار التطبيع العربي مع النظام، على الأقل مؤقتاً، وخرجت من خلال إجاباتهم بثلاثة احتمالات.
الأول: تنسيق سعودي-قطري
الاحتمال الأول الذي يعتقد جزء واسع من المستطلعة آراؤهم حول هذا الموضوع، أن يكون ما حصل بترتيب من السعودية نفسها التي لا تريد أن تمنح إيران كل الأوراق بهذه السرعة ودفعة واحدة.وبهذا الصدد كشف مصدر في هيئة التفاوض المعارضة لـ"أورينت نت" أن هناك تنسيقاً قطرياً-سعودياً جيداً في الملف السوري مؤخراً، وهو أمر لم يحدث منذ 8 سنوات على الأقل.
وحول الهدف من هذا التنسيق يقول المصدر "إن الرياض تدرك تماماً التأثير القوي للدوحة على مؤسسات المعارضة السورية، وخاصة الفصائل العسكرية، سواء بشكل مباشر من خلال العلاقات الجيدة، أو بشكل غير مباشر عن طريق تركيا، الحليفة الرئيسية لقطر والتي تسيطر حالياً على غالبية قوى المعارضة ومؤسساتها الرسمية".
ويتابع: ولذلك تدرك السعودية أن أي ترتيب تريد العمل عليه يحتاج للدور القطري، وبالمقابل فإن قطر تعرف وزن وثقل السعودية في الإقليم، ومن هذا المنطلق فهي على قناعة بأن التغيير قادم حتى وإن كان بشكل جزئي أو مرحلي، لذلك فهي تفضل أن تضع يدها بيد المملكة، ما يعزز موقفها الحاصل من التحالف مع تركيا، ويجعلها أكثر فاعلية في الملف السوري وجميع ملفات المنطقة بطبيعة الحال.
أمر لا يستبعده العديد من المحللين والسياسيين السوريين، الذين رجح بعضهم أن يكون موقف الكويت واليمن الرافض لعودة نظام ميليشيا أسد للجامعة العربية قبل الالتزام بالشروط المطلوبة منه، كان بإيعاز سعودي.
وحسب الآراء، فإن السعودية تلقي عن كاهلها بذلك مسؤولية عدم الإيفاء السريع بتعهداتها (المحتملة) لإيران بتسهيل تعويم نظام أسد من خلال القول إنه موقف مستقل للدول الأخرى، بينما تضغط قطر من خلال هذا الموقف على النظام للرضوخ لمطالب وشروط تركيا من أجل إتمام التطبيع بين أنقرة ودمشق قبل إجراء الانتخابات التركية منتصف الشهر القادم.
الثاني: عدم رضا عربي عن تفاعل النظام
الاحتمال الثاني الذي خلص إليه محللون آخرون هو الانطباع السلبي الذي خرج به المسؤولون العرب الذين التقوا مسؤولين من نظام ميليشيا أسد مؤخراً، وهذا ينطبق بشكل أكبر على مصر.الديبلوماسي السوري السابق بسام بربندي سجل في حديث سابق مع "أورينت نت" ملاحظة مهمة على التصريحات التي أعقبت لقاء وزير خارجية مصر سامح شكري مع نظيره فيصل مقداد، حيث بدا لافتاً للانتباه تأكيد شكري على الحل السياسي وتطبيق القرارات الدولية والعمل على بناء سوريا جديدة، بينما كان ضيفه غارقاً في الحديث عن الانتصار على المؤامرة والإرهاب، وضرورة إحياء التضامن العربي..الخ من هذا الخطاب الخشبي.
وبهذا الصدد، أشارت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية إلى أنه "حتى مصر، التي طبّعت العلاقات مع نظام أسد في الأشهر الأخيرة، وهي حليف قوي للسعودية، تبدي رفضها لإعادة الأسد إلى الجامعة العربية قبل التعامل مع المعارضة السياسية السورية بطريقة تمنح جميع السوريين صوتاً لتقرير مستقبلهم".
وأضافت الصحيفة في تقرير لها السبت، "أن متحدثاً باسم الوزارة قال إن وزير الخارجية المصري سامح شكري أبلغ الأمم المتحدة يوم الإثنين أنه يؤيّد تنفيذ قرار الأمم المتحدة بخصوص حل الأزمة في سوريا".
وإلى جانب (الإصرار) على التزام النظام بمبدأ الخطوة مقابل خطوة، وبتطبيق القرار 2254، فإن العرب، كما يقول عدد من الخبراء، لم يرق لهم عودة مسؤوليه للحديث بلهجة القوي أو المنتصر، وهي اللهجة التي تسببت أصلاً بتأزم العلاقات من حين لآخر مع بعض الدول العربية منذ ما قبل الثورة عام 2011.
الثالث: تدخل أمريكي
الاحتمال الثالث الذي يرجح الخبراء السياسيون أن يكون قد أدى إلى فرملة قطار التطبيع العربي مع النظام، والذي كان يسير بسرعة كبيرة جداً خلال الأسابيع الأخيرة الماضية، هو تدخل أمريكي فاعل وأكثر جدية.ورغم أن المتحدث باسم البيت الأبيض استبق اللقاء التشاوري للوزراء العرب بالتأكيد على أن بلاده تأمل أن يأخذ المجتمعون بعين الاعتبار التغيير السياسي الجدي قبل التطبيع، وهو تصريح اعتبر مهادناً جداً، إلا أن الزيارة التي أجراها السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام إلى السعودية يوم الخميس كانت مؤشراً لا يمكن تجاهله بهذا الخصوص.
غراهام المعروف بأنه من الصقور في الموقف تجاه نظام ميليشيا أسد، لا بد أنه ناقش مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الملف السوري وقضية تعويم النظام، وبالتأكيد فإن قانون قيصر والعقوبات كانت أحد المحددات التي أعاد السيناتور الأمريكي وضعها على الطاولة التي كانت حافلة بالملفات المتداخلة والمتشابكة والتي يؤثر بعضها على بعض.
اللافت أنه وعقب اللقاء التشاوري الذي استضافته جدة، تصاعدت التصريحات الأمريكية التي تنتقد مساعي التطبيع العربي مع نظام ميليشيا أسد، وركزت بشكل أساسي على نشاطه في صناعة وتجارة المخدرات باعتباره نشاطاً يهدد الأمن والاستقرار في العالم.
وزير الخارجية "أنتوني بلينكن" أكد بتصريحات أصدرها يوم السبت أن "نظام الأسد وحزب الله يشكلان تهديداً للاستقرار والصحة العامة بسبب تجارتهم بالمخدرات"، في حين ذكر النائب في الكونغرس فرينش هيل "أن الكبتاغون الذي يصنعه الأسد يسمّم الناس على نطاق كبير في كل دول الخليج".
وما هي إلا ساعات حتى قال السيناتور (بوب مينيندز) رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي: إن بشار الأسد مجرم حرب، محذراً من خطورة التطبيع معه.
وأضاف السيناتور الأمريكي "أن الأسد يدير الآن دولة مخدرات، وهذا هو الأمر باختصار شديد، نقطة على السطر"، لافتاً إلى أن المزيد من الجهود (التي تبذلها بعض الدول العربية) نحو التطبيع معه، تتجاهل انتهاكات ذلك النظام، وتجعله يستمر بتهريب الكبتاغون وتهديد المجتمعات في جميع أنحاء المنطقة.
تتعدد الاحتمالات وتتسع دائرة التكهنات حول الأسباب التي دفعت بعض الدول العربية لوضع العصي بعجلات مركب التطبيع مع نظام ميليشيا أسد، لكنها تتقاطع جميعها في نقطة توافق مركزية وهي عدم توفر الوقت والظروف المناسبة لمثل هذه الخطوة في الوقت الحالي.
-----------
اورينت نت