عادت "العثمانية" و"السلطنة" إلى التداول بشكل غير مسبوق، تمَّ اتهام تركيا بأنها المسؤولة عن إدخال "داعش" إلى سوريا. وأصبحت تركيا "إخونجية" تحتضن العملاء والخونة من "الإخوان المسلمين" الذين خرّبوا سوريا في الثمانينات، أمّا أردوغان فهو ليس أكثر من عميل لأميركا وحليف لإسرائيل وشريك أساسي في المؤامرة الكونية على سوريا.
وتركيا هي التي سرقت معامل الشمال السوري، وهي الطامعة بخيرات الجزيرة السورية الخصبة. أما أولئك السوريون الذين خرجوا إلى تركيا، فليسوا أكثر من خونة وعملاء لها؛ ووفدهم للمفاوضات كان نظام الأسد يصفه بـ"وفد تركيا". رأى "نظام الأسد" أيضاً أن تركيا هي التي شجعت السوريين على النزوح، واستحضرت قصة "الأنصار والمهاجرين" كي تدس السموم الطائفيه وتحوّل الوضع في سوريا إلى حرب أهلية وطائفية.
إثر تحركات تركيا الأمنية والسياسية، خلال الأشهر الماضية، والتي تواكبت مع خيبتها أو فشلها في القيام بعملية عسكرية ضد ما ترى فيه تهديداً إرهابياً لأمنها القومي، يأتيها من الشمال الشرقي السوري؛ سعت تركيا لرد "الجميل" لكل مَن خيّبها أو أفشل مشروعها، عبر إحراجهم، وتأزيم أوضاعهم من خلال ما هو غير مألوف أو مُتَوَقَّع؛ وتحديداً التوجه نحو "نظام الأسد".
خطت تركيا خطواتها هذه، وهي تعرف "منظومة الأسد" ربما أكثر من أي جهة أخرى. إنها حقيقة تعرف كل ما سعى السوريون لتذكيرها به وأكثر. تعرف كيف ينظر إليها نظام الأسد، وتعرف أن هذا "النظام" لا يريد عودة اللاجئين لديها، فهو غير قادر على احتمال ما لديه من السوريين، ليحتمل أولئك الذين رفضوه ودعوا إلى إسقاطه أساساً. وهي سمعت منه صراحة (كما سُرِّب من اجتماع موسكو) عدم رغبته بإعادة اللاجئين.
تعرف أنقرة اهتراء النظام عسكرياً واعتماده في بقائه على الميليشيات وحليفيه روسيا وايران؛ والأهم تعرف علاقته بعصابات الـ"ب ك ك"، حيث من غير الممكن أن يكون هناك مواجهة بين "النظام" ومَن علاقته معهم تاريخية.
وهذا تماماً يشبه القول للنظام بأن يُخرِج ميليشيات "نصر الله" الإيرانية من سوريا. وفوق كل ذلك، تدرك تركيا أنّ النظام سيكون بمواجهة أميركا، إن هو لبّى طلبها وواجه الـ"ب ك ك".
مع كل ذلك، ورغم معرفة تركيا بحقائق نظام الأسد بعمق؛ لم يرق لبعض السوريين إلا تذكير تركيا ببعض ما لديهم؛ وكأن تركيا "خلّفتهم، وتركتهم" أو أنها وصيةٌ عليهم؛ وربما لصدمتهم واهتزاز ثقتهم بجهة طالما اعتقدوا أنها صادقة بعلاقتها معهم. ومن باب العتب ذكّروها بـ"شهداء سوريا، ومعتقليها، وبتشريد الشعب السوري وتهديم بيوته؛ كما ذكّروها بضعف النظام وكرهه لتركيا؛ وبأن النظام غير قادر على مساعدة نفسه، كي يساعدها؛ وأن أميركا تدعم الـ ب ك ك خصومها".
لماذا تأخذ تركيا نهجاً كهذا في تحوُّل يبدو صادماً؟ هل هو نكاية بأميركا؟ هل هو لمعرفتها المعمقة بالوضع الروسي المأزوم، وتريد من موسكو الاصطفاف معها في وجه أميركا كي تخفف الضغط عليهما؛ للأولى في أوكرانيا وللثانية في الشمال السوري؟
قالوا لها: إذا كان الهدف اقتصادياً، فالنظام مفلس، وليس لديه ما يصدره إلى تركيا إلا الكبتاغون. وقالوا إن السوريين اللاجئين يفضلون الموت على الرجوع تحت حكم الأسد، وكان الأخطر بكل ما قالوه: هو أن تركيا ستكون ليس فقط بمواجهة "قسد"، بل بمواجهة ٧ ملايين سوري، ومواجهة أميركا وأوروبا أيضاً، وهم عاطفياً محقّون بمعظم ما قالوه، بناء على علاقة أخوة نشأت خلال سنوات.
ولكن بعد كل هذا، وبعد كثير من الحقائق الدامغة؛ يبرز السؤال الأهم: لماذا تأخذ تركيا نهجاً كهذا في تحوُّل يبدو صادماً؟ هل هو نكاية بأميركا؟ هل هو لمعرفتها المعمقة بالوضع الروسي المأزوم، وتريد من موسكو الاصطفاف معها في وجه أميركا كي تخفف الضغط عليهما؛ للأولى في أوكرانيا وللثانية في الشمال السوري؟
هل قرأت تركيا أن تصرفها هذا يطيب لإيران، لأنه يبتز أميركا؟ ألم تحسب حساب أن إيران هي الحليف الأكبر لنظام الأسد، ولا تريده أن يقع؟! وهل أمن تركيا القومي قضية طارئة فجأة، ليحدث هذا التحول الدراماتيكي في التوجهات السياسية التركية؟ وهل تعتقد أنه باستنفار اللاجئين السوريين بهذا الطريقة، يمكنها سحب هذه الورقة من يد المعارضة التركية في الانتخابات التركية القادمة؟
في المحصلة النهائية، تدرك تركيا أكثر من أي جهة أخرى أنها لا تستطيع تحقيق ما يريده نظام الأسد الكبتاغوني منها، ولا تستطيع هي أو أي مِن حُماة النظام انتشاله أو إعادة تأهيله.
ومن جانبه نظام الكبتاغون يعرف ذلك، وما بإمكانه تحقيق ما تريده تركيا، ولو لعب على مئة حبل؛ خاصة أن حبل الكبتاغون ينتظر عنقه. ومن هنا، هل ما تقوم به تركيا بهلوانية سياسية تتجاوز خسائرُها مكاسبَها، وخاصة أخلاقياً، أم أنها تستغل مأزوميات النظام وحلفائه، فتبيعهم بعض الوقت و"فُسَح التنفس"، مقابل تمكين أظافرها في الملف السوري، لتكون لها الكلمة الفصل فيه؟ وهل الـ"Big Brother" (أميركا) يسمح بذلك؟!
أخيراً، ماذا عن صرخة السوريين، الجمعة الماضية، والتي ذكّرت الجميع أن ملايين السوريين لا يمكن تجاوزها في القضية السورية؛ وهي بالذات -لا مؤسسات معارضة مهترئة ومُرتهنة– مَن يقرر في النهاية مصير سوريا، مهما تنوعت أهواء ومصالح و"سقطات" الجهات المنخرطة في القضية السورية؟! وأخيراً أيضاً، ألا يمكن لخطوة تشوبها البهلوانية أن تكون قفزة في الفراغ تُحَتّم خسارة الانتخابات لا كسبها؟!
---------
تلفزيون سوريا