نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


بعدما أحضروا الدّب إلى الكرم... هل يدرك الحوثيّون ما يفعلون؟





تتخامد العمليات العسكرية في غزة لتصبح هزيمة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة ساطعة. فلقد أحبط الصمود الأسطوري للفلسطينيين ورفض مصر والأردن التهجير القسري رفضاً جازماً، كل فرصة لتحقيق أي هدف ذي مغزى من العمليات العسكرية الإسرائيلية، باستثناء القتل الأعمى، ليبقى السؤال الجوهري: كيف يمكن تكريس هذه التضحيات الأسطورية للفلسطينيين لتصبح نصراً حقيقياً لقضيتهم هم، وليس لقضايا الآخرين في الإقليم؟ كيف لها أن تصبح نصراً لحقهم في الحياة يمهد الطريق لمستقبل واعد لفلسطين ولأولادها؟

فمع هزيمة الحكومة الإسرائيلية، من سيكون المنتصر؟ بل من ستنتصر مصالحه واستراتيجيته على صعيد الإقليم؟

لا يبدو أن تدمير "الشيطان الأكبر" هو هدف عملي للقيادة الإيرانية البراغماتية. بل جل ما قد تطمح إليه، أن تكون غزة مقدمة لتوسيع نفوذها في الإقليم ليصبح ساحة مفتوحة لنموذجها "الثوري" الميليشيوي على جثة الدولة الوطنية كما في لبنان وسوريا والعراق واليمن. لتنطلق، كما في شوارع صنعاء، جموع "المستضعفين" وتفكك ما تبقى من دولها، وليتحول الفضاء العربي ورقة إيرانية على طاولة المساومات الإقليمية.


 
 
لم تحرك القيادة الإيرانية قوتها "المهولة". بل لم تورط أياً من أذرعها الثمينة، إلا بحساب دقيق تحكمه "قواعد الاشتباك". 
 
لم تحرك إيران إلا إصبعها الحوثي! وتركته يتنطح لمهمة كونية تتمثل بقطع خطوط الإمداد الدولية، ويتحول الحوثي، كما كل القراصنة، كبش فداء في صراع حيوي للاقتصاد الدولي. 
 
والحكم على الأعمال في السياسة الدولية هو في خواتمها، وليس في النيات المعلنة. نعم، نجحت الألعاب النارية الحوثية في استدعاء الدب إلى الكرم! وسيبقى الدب طويلاً! فلقد أوكلت إيران إلى الحوثيين مهمة السيطرة العسكرية على ممر بحري دولي رئيسي، وهي مهمة فشلت هي في تحقيقها في الخليج العربي منذ 1986 (مع فارق القوة والمقدرات). 
 
لا ينفع في ذلك الإنكار الإيراني المعهود. فإضافة إلى غياب المقدرات التصنيعية والتقنية في اليمن، يستحيل وصول الصواريخ والمسيرات إلى أهدافها من دون دعم معلوماتي وعملياتي ومن دون توجيه بالأقمار الاصطناعية. 
 
في البداية، وجهت ضربات الحوثيين ضد السفن التي يمكن ادعاء علاقتها بإسرائيل. ولكن إيران والحوثيين يعلمون أنه، في السياق الراهن لعولمة خطوط النقل البحري، تحمل أي سفينة أي علم وأي بضائع، لأي دولة، من دون أن تنسبها بالضرورة لإسرائيل. فبهذه الطريقة ذاتها تتهرب إيران من العقوبات الدولية على تصدير نفطها. بل تعلم إيران أن 90% من واردات إسرائيل لا تمر بباب المندب، وأن بإمكانها الاستغناء عنه بطرق بديلة عديدة. 
 
بعدها، طور الحوثيون هجماتهم لتصبح عشوائية على مجمل منظومة النقل البحري. 
تعلم إيران أن الضرر الأكبر من مغامرتها سيصيب مصر وقناة السويس. قناة السويس هي الثانية بين المضائق الحيوية للتجارة الدولية، لتأتي بعد القناة الإنكليزية، وتليها قناة بنما ثم المضائق الدنماركية ثم مضيق ملقا. ويمر بها ما يقرب من 17000 سفينة سنوياً، تمثل نحو 12% من التجارة العالمية بما قيمته تريليون دولار أميركي سنوياً، بما في ذلك النفط. 
 
 
يمر كل ذلك من مضيق عرضه 17 ميلاً في "باب المندب" (أو ما يسميه الغربيون "بوابة الأحزان") نحو السويس. وحينما أغلقت قناة السويس بفعل حادث عرضي في آذار (مارس) 2021، حصل اضطراب كبير في التجارة الدولية. وتجمدت، لأيام عدة، بضائع قيمتها 9.6 مليارات دولار. 
 
قررت بعض شركات الشحن الكبرى تجنب منطقة الصراع، نحو  طرق أكثر أماناً حول قارة أفريقيا لتزيد المسافة بنسبة 42 في المئة، لكن تكاليف الشحن زادت 80%. واختارت بريتيش بتروليوم، ولويد، وشركة البحر الأبيض المتوسط للشحن (MSC)، أكبر شركة عالمية للشحن، طرقاً بديلة. ليس هذا فحسب، بل يشير المكتب البحري الدولي (IMB) إلى تصاعد مخاطر القرصنة على طول ساحل جنوب غربي أفريقيا، وبخاصة مقابل غينيا. ومع توقف الإنتاج في حقل الشرارة النفطي الليبي، ترتفع أسعار النفط 3%، وتتجنب البحر الأحمر وقناة السويس مئات سفن الحاويات بسعة 4.3 ملايين حاوية وما يقرب 18% من التجارة العالمية. 
 
بحساب الربح والخسارة، تعلم إيران أن تجيير هذه المهمة إلى الحوثيين سيجعل من اليمن مكسر عصا، وتعلم أن موقعهم التفاوضي في العملية السياسية اليمنية سينهار إثر انكشافهم كميليشيا قرصنة مارقة. لكن الأهم، أنه بسببهم، يعود تمترس القوى البحرية الدولية في الإقليم لعقود مقبلة، وكما في القرون السابقة، سوف تغير هذه الحقيقة، من دون أي شك، المعادلات الاستراتيجية في بحر العرب والخليج العربي والشرق الأوسط.
 
بعد الحرب العالمية الثانية، أسست الولايات المتحدة منظومة "بريتون وودز" التي شملت بداية 45 دولة، وكفلت أميركا فتح أسواقها والأسواق العالمية، وضمنت بقوتها البحرية الهائلة، حماية خطوط النقل البحري. كل ذلك مقابل وقوف هذه الدول معها ضد الشيوعية، وتثبيت الدولار عملة دولية. 
 
مع تراجع مخزون المياه في قناة بنما، ومع تصاعد التوتر في مضيق ملقا وبحر الصين بين الفلبين والصين، تتفاقم التحديات لمنظومة التجارة العالمية تفاقماً متسارعاً. 
والآن، وبفضل شعار "الله أكبر، الموت للولايات المتحدة، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، والنصر للإسلام"، جاء الدب إلى كرمنا! وانطلقت "عملية حارس الازدهار" لضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر. وإذ تتردد بعض الدول في الانخراط في العمليات البحرية، تتفرد الولايات المتحدة بتكريس نفسها، موضوعياً ومن جديد، ضامناً وحيداً للتجارة العالمية. ليس ثمة خبر أكثر سعادة من ذلك بالنسبة إلى مستقبل الدولار! 
 
رغم أن الصراع على باب المندب يرتبط بأحداث غزة، إلا أنه سرعان ما سيفقد صلته به. ذلك أن تطور الأحداث يفتح مراحل وساحات جديدة للصراع الإقليمي والدولي. بل تنظر إيران إلى شرق البحر الأبيض المتوسط على أنه منطقة اشتعال محتملة، وتتصاعد بالتالي احتمالات جذب المزيد من الدول إلى النزاع. حتى الدولة غير البحرية مثل إثيوبيا، ثاني أكبر دولة في أفريقيا، تتحسب للمخاطر على تجارتها وتتحرك سياسياً وعسكرياً لخلق تحالفات جديدة لضمان مصالحها. 
 
أرجح أن الصراع على باب المندب لن ينتهي بتخامد الحرب في غزة. بل إنه قد يستمر. ومع تصاعد المنافسة بين الدول الكبرى بسبب ارتفاع المخاطر وتكاليف الإمداد، يصبح باب المندب مجرد ذريعة مشروعة لانفجار صراعات قديمة مستجدة. 
 
نشبت شرارة الحرب العالمية الأولى في البوسنة، وخلال شهور نسي العالم البوسنة، وانتقلت الحرب نحو أوروبا على مصراعيها لتبقى البوسنة إلى اليوم، دولة يمر بها الفاشيون والنازيون والأميركان والصرب وتبقى البوسنة دولة علي حافة الانهيار. 
فهل يدرك الحوثيون ما يفعلون؟ 
---------
النهار العربي
 

سمير التقي
الجمعة 19 يناير 2024