نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


باسم يوسف... عن "الأحّا" التي أردنا جميعاً قولها






على الرغم من أن البرامج الغربية التي استضافت ضيوفاً فلسطينيين أو عرباً طالبتهم أولاً بإدانة محددة لحدث محدد، هو (هجوم منظمة حماس على قوات إسرائيل ومستوطنيها يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري)، إلا أن تلك البرامج، ومحلليها، سرعان ما كانوا يتخلّون عن ذلك التحديد حين التطرّق إلى سياق ذلك الهجوم، فلا إشارة محددة إلى الاحتلال والفصل العنصري والتهجير، بل كلمات عامة عن "كره اليهود"، وبالطبع فإن كراهية اليهود موجودة لأن "الشر موجود في العالم" كما قال بن شابيرو، المحلل الأمريكي اليهودي المحافظ في لقائه مع الإعلامي البريطاني بيرس مورغان، وهو اللقاء الذي كان دافعاً ومنطلقاً لمعظم تعليقات باسم يوسف، الإعلامي والكوميديان المصري في لقائه في البرنامج نفسه بعد أسبوع.


بسبب تاريخه المهم في برامج السخرية السياسية، فإن قدرات باسم يوسف في اجتراح "الكوميديا السوداء"، وهي بالتعريف كوميديا تتناول التابوهات والموضوعات المحظورة، وضعته في محل استطاع من خلاله أن يتلاعب بإعلامي مخضرم بحجم مورغان، الذي حاول مراراً، إلى درجة الطلب الصريح أحياناً، أن يدفع يوسف إلى "مزيد من الجدية"، رغم "تفهمه للـ Dark humor" على حد قوله، لكن في عالم لا يخجل فيه رئيس أمريكي من القول إن الفلسطينيين فجّروا أكبر مستشفياتهم، وتروّج فيه أكبر مؤسسات الميديا الغربية روايات كاذبة أو لا دليل عليها، لا سبيل ممكناً سوى السخرية، ولا مهرب من "القباحة"، من الـ "أحا" التي رأى الملايين أنها عبرت عنهم حين نطقها باسم يوسف مثل رسالة مشفرة تُفهم بالعربية وسط الحديث بالإنجليزية، تعليقاً على اقتراحات إسرائيلية بنقل سكان غزة "مؤقتاً" إلى صحراء سيناء.

في عالم لا يخجل فيه رئيس أمريكي من القول إن الفلسطينيين فجّروا أكبر مستشفياتهم، وتروّج فيه أكبر مؤسسات الميديا الغربية روايات كاذبة أو لا دليل عليها، لا سبيل ممكناً سوى السخرية، ولا مهرب من "القباحة"، من "الأحّا"

بعد ساعات، طلب باسم من متابعيه على فيسبوك أن يبحثوا معه عن ترجمة إنجليزية للفظة الاعتراض الشعبية المصرية تلك، فربما لم يفهم الأجانب تلك الكلمة التي يعتبرها البعض اختصاراً لعبارة "أنا حقاً أعترض"، لكن الحلقة بمجملها، بسخريتها وحججها الواثقة والمبتكرة، كانت بمثابة "أحا" كبيرة عابرة للّغات والثقافات، والأدلة على ذلك عبر عنها أكثر من مئة ألف تعليق على فيديو اللقاء على موقع يوتيوب خلال أقل من 24 ساعة، تعليقات يمكن بسهولة ملاحظة مدى انبهارها بأسلوب وقوة حجة الكوميديان المصري، رغم الأسلوب الساخر، أو ربما بسببه، فلا شيء يمكن أن يؤثر في المتلقى، كالسخرية الجيدة.

تعمل الكوميديا من خلال إسقاط الموقف الجدي، وحتى المأساوي، على مشهد مصنوع من خيال المؤلف، وعبر ذلك الإسقاط، والتمثيل الساخر، يدرك المتلقي مدى سخافة أو تناقض أو عبثية الخطاب الذي يحاول أن يبدو عقلانياً.

تعمل الكوميديا من خلال إسقاط الموقف الجدي، وحتى المأساوي، على مشهد مصنوع من خيال المؤلف، وعبر ذلك الإسقاط، والتمثيل الساخر، يدرك المتلقي مدى سخافة أو تناقض أو عبثية الخطاب الذي يحاول أن يبدو عقلانياً، هكذا، فإن الصورة الساخرة التي رسمها باسم يوسف عبر تصوير نفسه يحاول قتل زوجته الفلسطينية، بينما تستخدم زوجته أطفالهما كدروع بشرية، فهذه الصورة في سخافتها وبؤسها تفضح سخافة وبؤس خطاب إعلامي غربي مهيمن منذ عقود، يصف الفلسطيينيين (ووراءهم العرب والمسلمين) بأنهم يستخدمون أطفالهم كدروع بشرية، ولا غرابة في هذا السياق فهم تعبير مجرد "حيوانات بشرية" على حد وصف وزير الدفاع الإسرائيلي.

هكذا ينعكس الوضع، تنقلب الحقيقة التي تتمثل في أن أمريكا في العراق أو إسرائيل في غزة أو جنوب لبنان تقصف الناس في مدنهم وقراهم، لـ "تتهم" الناس بأنهم هم الذين "يختبئون" في بيوتهم، وتأتي الكوميديا من خلال أسلوبها المقلوب، فتصحح الوضع وتوقفه على قدميه مجدداً، فحين يستخدم باسم في جداله مع مورغان مثال زوجته الفلسطينية، لا يعود مورغان أو بن شابيرو من خلفه قادرين على استخدام التنميط، لأن التنميط يتطلب التعميم، يتطلب صورة لآلاف الفلسطينيين من دون أسماء أو هوية، تماماً كما هي الكائنات غير البشرية في الغابة، أما وهو – باسم – يموضع نفسه في مكان ضحية التنميط، في لقاء مباشر على الشاشة، فلا سبيل أمام مورغان سوى أن يقول بابتسامة باهتة: "أتفهم سخريتك السوداء"، ويطالب مجدداً بالجدية.

لكن السخرية ليست كل شيء، فهناك الخيال الذكي أيضاً، "تعال نتخيل عالماً ليس فيه حماس، ولنسمي ذلك العالم؛ الضفة الغربية، فلماذا يُقتل آلاف الفلسطينيين هناك؟"، ها قد تخلى باسم عن السخرية وطرح سؤالاً جدياً، إنها فرصة مورغان إذن، الذي يكتشف في تلك اللحظة أنه "ليست وظيفته أن يجيب على أسئلة باسم". لم تكن تلك المرة الوحيدة، عجز مورغان مراراً عن مجادلة باسم، عن ملاحقة تعليقاته السريعة الذكية، عديد من التعليقات وصفت المعلّق البريطاني بأنه كان عاجزاً عن الحديث (Speechless).

لكن من قال إنه عالم منطقي؟ أحد التعليقات على لقاء باسم/ مورغان حاز عدداً كبيراً من علامات الإعجاب، يقول صاحبه: "نعيش في عالم حيث الكوميديين، أكثر منطقية من السياسيين"

وبالطبع، فإن السخرية تتطلب قبل كل شيء أن تكون شجاعاً، ليس سهلاً على شخص مثل باسم يوسف، الذي اضطر إلى مغادره بلاده ويحاول بناء مسار مهني جديد في الولايات المتحدة الأمريكية، أن يقول في برنامج غربي معروف عبارة مثل: "استغرق الغرب 80 عاماً لاستبدال المسلمين باليهود"، مشبّهاً التناول الغربي للفلسطينيين بتناول البروبغندا النازية لليهود قبل وخلال الحرب العالمية الثانية.

هي كلمات يصعب تصور أن تمر مرور الكرام، رغم ما نراه اليوم – مجدداً؟ - من توحد الغرب وراء قصف وحشي على المدنيين في غزة. لكن من قال إنه عالم منطقي؟ أحد التعليقات على لقاء باسم/ مورغان حاز عدداً كبيراً من علامات الإعجاب، يقول صاحبه: "نعيش في عالم حيث الكوميديين، أكثر منطقية من السياسيين" We live in a world where Comedians) make more sense than Politicians.). لكن، ألم تكن هذه هي الحال دائماً؟
-----------
رصيف ٢٢


محمد خير
السبت 21 أكتوبر 2023