ما تقوم به إسرائيل وكذلك الادارة الأميركية هي مناورات على الصعيد السياسي ،فحواها الكذب والخداع والتضليل ،لكسب الوقت ، وحرب ابادة على الصعيد العسكري ، واحدهما ( السياسي ) يُكّمل الآخر ( العسكري ) . كسب الوقت لممارسة القتل اكثر فأكثر ،ولتشييد الميناء ،والذي سيكون قاعدة عسكرية أميركية داعمة لإسرائيل ، ولتقييم الوضع والفرص في اجتياح رفح او/ وشنّ الحرب على لبنان ،او /ومهاجمة المنشآت النووية في إيران. وجميع هذه الاهداف تردُ في تصريحات المسؤولين الاسرائيليين والاميركيين ، و في تحليلات وآراء الكتاب والصحفيين ، و هي حاضرة في توقعات وتخمينات قيادات المقاومة في فلسطين ولبنان و سوريا وايران .
لا أحدَ ، من رُعاة جرائم الابادة ،جاد في وقف آلة القتل والتنكيل. جميع المفاوضات والزيارات والوساطات التي تقوم بها الوفود الأميركية و الغربية ،هي لتهدئة الرأي العام الغاضب ،ولتمرير الوقت الصعب للانتخابات الأميركية ، وبعد الانتخابات كُلّ شيء مُباح ،حيث تتحرّر الادارة من عبء و ثمن التصويت ، وتتمتع الادارة الجديدة، و خاصة إذا حالف الحظ الرئيس الأميركي السابق ترامب بالفوز بالانتخابات ، بحريّة اكثر لإطلاق العنان لخطط إسرائيل في توسيع الحرب وأقلمتها .
تعيش إسرائيل حالة حرب وتحظى بدعم عسكري وسياسي أميركي و ناتوي غير محدود ، وتفكّر جدياً بالسيطرة على قطاع غزّة ، وان تحقّق لها ذلك ، لا سمح الله ،سوف لا تتردّد بشنّ حرب على لبنان ، وحجتها هي اعادة سكان شمال فلسطين ، والذين رحلوا هرباً من صواريخ حزب الله ، إلى قراهم ومنازلهم وعملهم . و تواجه اسرائيل تحديّين ،إن عزمت و أقبلت على توسيع الحرب : الاول هو سيطرتها على القطاع وإمساكها الارض ، وهو تحدّي جدّي ،حيث وبالرغم من مرور ستة شهور على جرائمها ، و توغلها في القطاع ،ما تزال تُفاجأ بمقاومة فاعلة في شمال القطاع ووسطه ،وما يزال غلاف غزّة يتعرض لرشقات صاروخية . والتحدّي الثاني هو النقص الذي تعانية في الجنود ، و رفض جماعة الحريديم من اليهود الانخراط في الخدمة العسكرية.
يدركُ الأميركان والفرنسيون ، والذين يتصدرون الآخرين في ماراتون التفاوض بين إسرائيل ولبنان ، أنَّ لا أملَ في ايجاد حلّ مقبول للأطراف المتحاربة ، ولكن استمرارهم في الذهاب والمجيء إلى إسرائيل ولبنان ولقاءاتهم المسؤولين هو ،كما اعتقد ، لكسب الوقت ولرفع العتب عنهم ، عند لجوء إسرائيل إلى الحرب .
قبلَ يوميّن ، وافقت ادارة الرئيس بايدن على تزويد إسرائيل بقنابل وبطائرات وأسلحة تقدر كلفتها بمليارات الدولارات ، الأمر الذي يدل على دعم أمريكي متواصل لماكنة الحرب الاسرائيلية ، ومن الصعب تصديق ممارسة ضغوط أميركية على إسرائيل لوقف الحرب ،كما ذهبت إلى ذلك مجلة “فورن بوليسي” الأميركية في مقال للكاتب لوغست هلترمان ،وتحت عنوان ” أميركا و إيران تواجهان في غزّة معضلة الدولة الراعية …” القدس العربي ٢٠٢٤/٣/٢٩ الصفحة رقم ١٠ .
في اي تحليل لما يجري في غزّة وجنوب لبنان والمنطقة عسكرياً وسياسياً ،من المناسب التسليم أولاً بأن الحرب الدائرة ،وغير المتوازنة في جميع ابعادها ،هي حربٌ أميركية -اسرائيلية ،ولكليهما مصلحة مشتركة في القضاء على حماس وعلى ما بعد حماس . الاختلاف او المُشكل ، بين الادارة الأميركية واسرائيل، الذي يكاد يكون الوحيد ، هو عدم ملائمة التوقيت مابين الانتخابات الأميركية والحرب الدائرة ! وهذه نقطة تُحسبْ لحماس في التوقيت حيث الانتخابات الأميركية و الحرب الروسية الأميركية الغربية ، وساحتها أوكرانيا.
ما يؤلم ويرهق أميركا و إسرائيل هو استمرار الحرب من دون نتائج سياسية وعسكرية لصالحهما ، لا بل ، كلاهما خسِرا على الصعيديّن ،وعلى صعيد الرأي العام الإعلام والقيم والاخلاق . والعالم اليوم أمام استراتيجية الصمود و الصبر و المقاومة التي تتبناها المقاومة والشعب في غزّة ، ولو لم يكْ لديهم استراتيجية لما استطاعا (مقاومة وشعب غزّة ) الاستمرار حتى اليوم في القتال ،رغم ما يواجهونه و يعانونه . كما يشهد العالم تخبّطا واضحا لإسرائيل ولأميركا عسكرياً وسياسياً ،ما يدفع إسرائيل إلى اللجوء إلى البطش الوحشي والجرائم ،و التفكير بأطالة الحرب، لعلَ فرصة نصرٍ قد تلوح او فرصة تغيير قد تحصل بشأن معطيات الصراع بين أميركا وإسرائيل والغرب من جهة وحماس وحزب الله ومحور المقاومة من جهة اخرى ، كأن يكون انجاز تشييد الميناء الأمريكي العائم على شواطئ غزّة او انجاز تطبيعي آخر لإسرائيل .
أصبحَ التاريخ اليوم سلاحاً في معركة الحقيقة ،التي يمكن ان تنام طويلاً ولكن لا تموت ، وسلاحاً في معركة الوعي والقيم ، وتاريخ اليوم يختلف عن تاريخ الأمس . تاريخ اليوم توثّقه صور وتعليقات وأخبار وسائل التواصل الاجتماعي ، وتاريخ الأمس وثّقه وكتبه ونقله لنا المنتصر .
------------
الحوار نيوز
* سفير عرافي سابق. رئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل /في ٢٠٢٤/٣/٣١