خدم ثمانية وزراء دفاع في حكومات نتنياهو منذ عام 1996؛ تمت إقالة ثلاثة منهم، واستقال أحدهم، لكن رئيس الوزراء لم يتفق مع أي منهم؛ عادة ما يختار نتنياهو أشخاصا مناسبين ولكنه يقيلهم بسبب مصالح سياسية وشخصية
ودخل باراك حكومة نتنياهو عندما كان رئيسا لحزب العمل، واستمر في شغل منصب وزير الدفاع حتى عام 2013. وكانت هذه أطول فترة لوزير دفاع في عهد نتنياهو. ما يميز هذه الفترة هو الطريقة التي تعامل بها الاثنان مع بعضهما البعض.
لقد خططوا معًا لهجوم على المنشآت النووية في إيران، ولكن لم يتم تنفيذ الهجوم. وفي نهاية الفترة، عندما كان نتنياهو يستعد للتوجه إلى انتخابات 2013، اتُهم الاثنان بتنسيق “خلافات”، من أجل لأن يبرز باراك ولا يجد صعوبة في تجاوز العتبة الانتخابية. وحل موشيه يعلون محل إيهود باراك. وبعد ثلاث سنوات في منصبه، بدأ نتنياهو في نهاجمة مكانته. وعلم يعالون عبر وسائل الإعلام أن نتنياهو يجري مفاوضات سياسية مع زعيم المعارضة آنذاك يتسحاق هرتسوغ، وعرض عليه منصب وزير الدفاع. وبعد ذلك سمع من وسائل الإعلام أن المنصب أُعطي لأفيغدور ليبرمان، بينما كان يعالون لا يزال في منصبه وقرر الاستقالة.
وفي كتابه “طريق قصير طويل” (طبعة محدثة من عام 2018؛ نشرتها يديعوت سفاريم) وصف يعالون الخلافات، وقال إن نتنياهو يعتبر أفراد الجيش والأمن “نخبة عدائية”:
“أنهى نتنياهو ولايته الأولى كرئيس للوزراء، والتي انتهت في عام 1999، بصدمة نفسية وبشعور بأنه قد تم تصفيته سياسياً من قبل وسائل الإعلام وسلطات إنفاذ القانون والجيش. وكان يعتبر رئيس الأركان أمنون ليبكين شاحاك ووزير الدفاع يتسحاق مردخاي معاديان له. ومنذ ذلك الحين، يعتبر أعضاء المؤسسة الأمنية نخبة عدائية”.
وعن الفترة الأخيرة في منصبه، كتب يعالون، “في الأشهر الأخيرة من ولايتي، رأيت أن نتنياهو كان يبحث عن قضايا لمواجهتي. وأدركت أننا نسير في طريق لا مخرج منه”. وروى يعالون كيف ألقى خطابا بمناسبة عيد الاستقلال الثامن والستين أمام ضباط الجيش الإسرائيلي، دعاهم فيه إلى عدم الخوف من التعبير عن الانتقادات. “ألقيت خطابا روتينيا لكبار الضباط من رتبة عميد فما فوق – وقلت ما كنت أقوله منذ أن كنت رئيسا لجهاز الأمن الوطني – لا تترددوا في انتقادي، وانتقاد قادتكم، والمستوى السياسي… وقبل أن أنهي كلامي، وحتى قبل أن أغادر المسرح، أصدر رئيس الوزراء رسالة يستدعيني بموجبها إلى يوم غد لمحادثة توبيخ ومعرفة سبب تحريضي للمستوى العسكري لتحدي المستوى السياسي”.
“هذا الادعاء بالطبع سخيف ولا أساس له من الصحة”، كتب يعالون. وأصدر يعالون تصريحاته بعد أسابيع من قضية ألور عزاريا. كان يخشى من تقلب نتنياهو ومن الطريقة التي دعمه ودعم رئيس الأركان غادي آيزنكوت بها في البداية، وبعد يوم أو يومين تقلب موقفه واتصل بوالد الجندي عزاريا وتبع الاستطلاعات التي تدعمه.
“بعد هذه القضية، اكتشفت أن نتنياهو يحاول بيع منصب وزير الدفاع لهرتسوغ كجزء من محاولة لتوسيع الحكومة. أجاب هرتسوغ أن وزير الدفاع ممتاز وأنه يفضل أن يكون وزيرا للخارجية. أدركت أن رئيس الوزراء يحاول التخلص مني”.
“عندما عُرض المنصب على ليبرمان، كان من الواضح بالنسبة لي أن الأمر سيستغرق ساعات، وربما أيام، حتى يحدث ذلك. لقد حاولوا التحدث معي، لتهدئتي، والقول إن هنام احتمال أن تنجح هذه الخطوة على الإطلاق، لكنني قررت استباق الضربة وإعلان استقالتي”. وبعد يعالون تم تعيين ليبرمان في منصب وزير الدفاع. دخل ليبرمان إلى حكومة ضيقة تضم 61 عضو كنيست و”أنقذها” من الانهيار. خلال الفترة كلها، كان نتنياهو بحاجة إلى ليبرمان من أجل تعزيز الائتلاف – ونهج ليبرمان كان عدائيا.
أراد إدارة الجيش الإسرائيلي بطريقة أكثر عدوانية، خاصة في غزة، لكن نتنياهو لم يسمح بذلك. وفي أكتوبر 2018، عين ليبرمان أفيف كوخافي رئيسًا للأركان، مما أثار استياء نتنياهو كثيرًا. والمناقشات لم تنتهي هنا.
في نوفمبر 2018 – على خلفية إطلاق النار من غزة باتجاه البلدات المحيطة؛ مقتل المقدم محمود خير الدين من العمليات الخاصة؛ إطلاق صاروخ مضاد للدبابات على حافلة للجنود؛ إطلاق مئات الصواريخ وإصابة 80 مدنياً – توصلت إسرائيل إلى وقف لإطلاق النار بوساطة مصرية.
وبعد ذلك أعلن ليبرمان استقالته وتقلص عدد مقاعد الائتلاف إلى 61 مقعدا. وبعد شهر، قام نتنياهو بحل الكنيست وتوجه إلى الانتخابات للكنيست الحادية والعشرين (وبعد ذلك مباشرة للكنيست الثانية والعشرين والثالثة والعشرين، وبعد قليلا للكنيست الرابعة والعشرين). وعلى عكس أسلافه في المنصب – مردخاي ويعالون – كان ليبرمان مساويا لنتنياهو في صعوبة العلاقة. الرجل الذي رافق نتنياهو منذ بداية حياته السياسية كرئيس تنفيذي لحزب الليكود وكناشط سياسي كبير معه، والذي تولى منصبه تحت قيادة سلفه، لم يكن مستعدا للانحناء لحيل نتنياهو.
وبعد ليبرمان، تولى نتنياهو منصب وزير الدفاع. لأول مرة منذ دخوله الحياة السياسية، شغل نتنياهو المنصبين في نفس الوقت – رئيس الوزراء ووزير الدفاع.
العديد من رؤساء الوزراء الذين سبقوه – مثل دافيد بن غوريون، وليفي أشكول، وإسحق رابين، وشمعون بيريس، وإيهود باراك – خدموا في كلا المنصبين. إلا أن نتنياهو – حتى ذلك الوقت – لم يفعل ذلك. ما هو السبب وراء ذلك؟ لا نعلم. ربما الحاجة السياسية إلى الخلاف مع وزير الدفاع وإلقاء اللوم عليه في المشاكل هي التي قادت نتنياهو حتى عام 2018.
في نوفمبر 2019، بعد حملتين انتخابيتين متتاليتين – وعندما تمكن اليمين الجديد بقيادة نفتالي بينيت من التعافي من الخسارة والعودة إلى الكنيست – أبلغ بينيت نتنياهو أنه لن ينضم إلى الحكومة ما لم يتم تعيينه في منصب وزير الدفاع. وشغل بينيت المنصب نحو ستة أشهر حتى تشكيل حكومة التناوب-الكورونا في مايو 2020، حيث تم تعيين بيني غانتس في المنصب. وقد أقيمت بالفعل علاقة غامضة وصعبة بين الاثنين. في عام 2014، عندما كان يعالون وزيرا للدفاع، انتهج بينيت نهجا معاديا داخل مجلس الوزراء فيما يتعلق بالكشف عن أنفاق حماس. وسعى نتنياهو إلى إقصائه سياسياً. لكن فترة ولاية بينيت – خلال الحكومة الانتقالية – لم تكن كافية لإنتاج خلاف كبير آخر.
الهدف التالي كان بيني غانتس، رئيس الأركان السابق الذي خدم في عهد نتنياهو ويعالون خلال عملية “الجرف الصامد”. تعامل نتنياهو مع غانتس باعتباره مبتدئًا سياسيًا، وبعد فترة وجيزة من تشكيل حكومة التناوب معه، بدأ في مهاجمته. اتفاقية الائتلاف المعقدة التي وقعها معه تحولت إلى قطعة من الورق يمكن إلقائها.
تم الاحتيال على غانتس، وإضلاله على بحجة فشل تشريع موازنة الدولة. في ديسمبر 2020، في ذروة وباء كورونا، قام نتنياهو بحل الكنيست الثالثة والعشرين والحكومة الخامسة والثلاثين – وتوجهت البلاد مرة أخرى إلى الانتخابات. من الصعب حتى وصف العلاقة المتوترة والإساءة السياسية التي فرضها نتنياهو على وزير دفاعه.
خلال الانتخابات، عندما كان غانتس – الذي كان لديه في ذلك الوقت 35 مقعدا – يشكل تهديدا سياسيا، انحدر نتنياهو إلى الإهانات الجنسية. نشرت حملة رئيس الوزراء شائعات حول وجود محتوى جنسي على هاتف غانتس الخلوي، الذي اخترقه الإيرانيون، وهو الحدث الذي ركزت عليه الدعايات السياسية، دون أن يأخذ نتنياهو في الاعتبار العواقب السياسية لهذه الخطوة. طوال كل الحملة الانتخابية، نشر نشطاء الليكود شائعات خبيثة حول حياة غانتس الشخصية وعائلته. وصلت الأمور إلى مستويات لا يمكن تصورها، لدرجة أن غانتس قال لاحقًا إن نتنياهو كاد أن يتسبب في تفكك عائلته – وأنه لن يسامحه أبدًا على أفعاله.
في ديسمبر 2022، جاء دور يوآف غالانت. أدى أعلى شخصية أمنية في الليكود عام 2023 اليمين الدستورية لتولي المنصب الأهم في الحكومة الـ37. في حكومة تضم وزراء عديمي الخبرة في المجال الأمني ورئيس وزراء يحب إقالة وزراء الدفاع، كانت بوادر الأمر ظاهرة.
وفي أقل من ثلاثة أشهر، أعلن نتنياهو في بيان صحفي مقتضب أن “رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قرر إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت من منصبه”.
بعد أن خرج مئات الآلاف للتظاهر في منتصف الليل، تحدث مؤيدي نتنياهو من وراء الكواليس عن السبب – وزعموا أن غالانت لم يفعل ما يكفي لمنع جنود الاحتياط المتطوعين من الإعلان عن وقف الخدمة في بلد يدوس على القواعد الديمقراطية. كان الادعاءات سخيفة، أكثر من أي ادعاءات سابقة. غالانت حاول التحذير من التبعات الأمنية لإصلاح النظام القضائي. هذه المرة، لم يتم إرسال أي رسالة إقالة رسمية وبقي الإعلان معلقًا في الهواء. وعلى مدى اسبوعين حاول نتنياهو ابتزاز غالانت للاعتذار والتنازل.
وأجرى مشاورات حول البدلاء المحتملين، مثل الوزراء آفي ديختر، يوآف كيش أو نير بركات. لكن الجمهور الإسرائيلي صرخ في الشوارع، وأثبتت استطلاعات الرأي أن هذا القرار كان خطيراً وغبياً.
لقد انهار الدعم الشعبي الدائم الذي كان يتمتع به نتنياهو والليكود. وهكذا، كان على نتنياهو أن يعلن تراجعه، وبقي غالانت في منصبه، في الوقت الحالي. نتنياهو استسلم في ظل تراجعه في استطلاعات الرأي وليس من منطلق ثقته في وزير أمنه واحتياجات البلاد الأمنية.
وهذه هي النقطة التي تلخص كل علاقات نتنياهو مع وزراء دفاعه: التعيين عادة يكون لشخص مناسب للمنصب (ربما باستثناء حالة واحدة، ليبرمان)، أما الإقالة فهي لأسباب سياسية ومصالح شخصية. هكذا يلعب نتنياهو مع وزراء أمنه.