نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


المنظمات والمجتمع المدني في ظل عطالة السياسة في سورية




تجري تحضيرات لعقد مؤتمر في معهد العالم العربي بباريس يومي الإثنين والثلاثاء 5، 6 حزيران، لإطلاق “مبادرة مدنية” بمشاركة أكثر من 150 منظمة مجتمع مدني سورية، يتمحور برنامج عمل المؤتمر حول “الأحقية السياسية للفضاء المدني السوري” الذي تفسره إحدى أوراق المؤتمر الموزّعة بأنه لا يعني أن تحل المبادرة محل الأجسام السياسية المنخرطة في العملية السياسية وفق قرار مجلس الأمن 2254 بل تأتي من إيمانهم بضرورة أن يكون للفاعلين المدنيين السوريين دور فعال وواضح في التأثير على كافة مسارات العمل للوصول لحل سياسي! المجتمع المدني الذي أسمته أوراق المؤتمر بـ “الفضاء المدني”، هروب ذكي وواعٍ من اصطلاح المجتمع المدني.


 
جرت العادة أن يصاحب أي مؤتمر، مبادرة، تشكيل سياسي، منصة،…، صخب ولغَط ولغات تبدأ من الإقصاء إلى التخوين، لكن في هذه المرة – حتى الآن- ما جرى أقل بكثير من المعتاد، وهنا في هذه المبادرة تصاحبت مع مؤشر مختلف! دون إضافة حكم قيمي بالإيجاب والسلب. هذا الجو يسمح بعرض إشكالية تشابك وتداخلات بين المنظمات السورية والمجتمع المدني، هل تلك المنظمات هي هي المجتمع المدني؟ أم هي جزء من المجتمع المدني، هل هي جزء أصيل من المجتمع أم حالة مؤقتة استثنائية في ظروف مؤقتة واستثنائية، في مرحلة خطف الدولة وفشلها ومحاولات إعادة تشكيلها؟
لا تحاول هذه المقالة الإجابة عن تلك الأسئلة الكبيرة، بل تحاول صياغة تلك الأسئلة، من خلال وضع سياق عام ومختصر لنشأة ومكونات المجتمع المدني.
مفهوم المجتمع المدني الذي يعود إلى القرن السابع عشر، الفهم الأول له هو الدولة، والمجتمع المدني -في وقتها- هو المقابل للمجتمع الطبيعي أي المجتمع الذي يعيش دون تنظيم سياسي بمعنى بدون دولة. وهي حالة وتصور تخيّلي وافتراضي. المجتمع المدني في الدول الحديثة “يفترض خلفه تاريخ طويل لأفراد أحرار، تمايز فيها المجتمع عن العلاقات الطبيعية المولودة، تفترضها كلها كعمليات تطور فكري” (عزمي بشارة، 1996). بمعنى أن الأساس هو الخروج عن انتماءات الفرد الطبيعية (العائلة، القبيلة، العشيرة، الطائفة، العِرقْ ….). من هذا التأسيس إلى اليوم مر المجتمع مدني بتغيرات وتطورات كبيرة وكثيرة حتى وصلنا إلى المجتمع المدني الحالي في الدول الحديثة. في سورية إحدى دول العالم الثالث نعيش حالة معقدة بيننا والمجتمع المدني؛ فسورية بحدودها الحالية كيان حديث النشأة، خرج من كنف السلطنة إلى أكناف انتدابات واحتلالات خارجية (استعمارية) ونظام إبادة، توسع في قتل الناس بغرض تأمين السلطة عبر الزمان ومنع التغيير (ياسين الحاج صالح، 2018) منذ أزيد من نصف قرن، مازال ماثلاً حتى اليوم، استجلب وجوده أربعة احتلالات جديدة واحتلالاً واحداً قديماً، إضافة لمليشيات دينية وقومية وعصابتية.
أخذنا المجتمع المدني كمفهوم جاهز متطور وناجز، مثله مثل الديمقراطية ومن قبله الشيوعية، هو محض استيلاء غير موطّن ولن يعيش طويلاً. غالبية ما نراه اليوم من منظمات هي في الغالب منظمات غير حكومية NGOS، تعنى بالإغاثة والاستجابة الإنسانية ومشاريع التنمية، وبدرجة أقل منظمات وجمعيات حقوقية، بينما تغيب منظمات ومراكز التنمية السياسية، رغم الحاجة الملحة لها، تلك المنظمات وحدها لا تشكل المجتمع المدني الذي يفترض بها أن تنشئ من حركة المجتمع الطبيعي المستقر، تنفق على عملها بأموال ذلك المجتمع، يتفق فيها الأفراد على تعاقدات اجتماعية، بمعنى أبسط، أفراد مواطنون متفقون على هوية وطنية جامعة، لا تتعارض مع هُوياتِهم الفرعية، بوجود مؤسسات للدولة ضمن علاقات طبيعية.
هذا الاستعراض التاريخي لو استخدمناه كمقياس لـ”المجتمع المدني” فكم يتبقى من 850 منظمة تتحدث عنها الورقة بينها 150 منظمة متفقة مبدئياً بأحقيّة سياسية للفضاء المدني “وحدهم قادرين على إحداث الفرق”! لن يتبقى منها سوى مؤسسة رئيس مجلس إدارة المنظمة “مدنية” التي هي “مؤسسة الأصفري للأعمال الخيرية” غير المشاركة أصلاً بهذه الصفة الاعتبارية في المبادرة بالرغم من أنها نشأت منظمة غير سورية، عملت لاحقاً على دعم منظمات ومؤسسات ومبادرات في سورية
المحرك الأساس للثورة السورية الذي تسميه أوراق المؤتمر تماهياً غير مقبول ولا مبرر “حراك 2011” للحركات العفوية التي قام بها الشباب. استطاع عدد منهم تنظيم أنفسهم في تنسيقيات ومؤسسات ثورية (لجان التنسيق المحلية، الهيئة العامة للثورة السورية، المجلس الأعلى لقيادة الثورة، …) التي لم تعد موجودة، يمثل وجودها الرمزي في المؤتمر على الأقل ثلاث مدراء تنفيذيين أو من ينوب عنهم من منظماتهم. ماعدا ذلك لولا هذا “الحراك لما وجدت كل تلك المنظمات، ولما عاش أغلبها على تدفقات تمويل منح ومشاريع وبرامج تدريب لخارجيات غربية خصصت لسورية، صُرِفت عبر تلك المنظمات تجنباً لأن تصل للطرفين الأساسيين، النظام والمعارضة.
كيف يتم إقصاء مجالس محلية؛ كانت تقوم بالعمل الإداري والخدمي، وهذا جوهر العمل السياسي في المحليات؟ المجالس هي من كان يفترض ينشأ منها العمل السياسي القائم على البناء من الأسفل. حتى وإن لم تستطع اختيار تمثيلاتها في الأعلى، إلا أنها كانت البديل السياسي والإداري المفترض عن النظام. مع أنّ المجالس تابعة لوحدة المجالس وللحكومة المؤقتة للائتلاف بوصفه أحد “الأجسام السياسية التي ستقود عملية الانتقال السياسي”! النقابات والاتحادات التي هي أهم من المنظمات غير حكومية “محامون، مثقفون، فنانون، اقتصاديون” هي أيضاً الأخرى غير موجودة.
المنظمات أغلبها تتوقف وتنتهي بمجرد إيقاف الدعم المالي عنها، كثيراً منها متماهٍ مع سلطات الأمر الواقع الأربع، تكرس أكثرها بفعل عوامل حقيقية، أو ألصِقت بها صور نمطية عن فساد ورواتب فلكية، محسوبيات وشلليات عائلية وإيديولوجية، لدرجة تكاد تتساوى فيها مع مؤسسات المعارضة الرسمية بصورها هي الأخرى. هناك تعارض أيضاً بين بعض تلك المنظمات التي تمثلت في نصف الثلث المخصص للجنة الدستورية، كيف ستكون هذه المنظمات ضاغطة وموجهة ودافعة لمطالب الحل السياسي وبعضها هو أصلاً جزء من مسار الهروب والتمييع للحل السياسي عبر ما يعرف باللجنة الدستورية. ناهيك عن محاولة دخولها للسياسة عبر “رسالة المجتمع المدني” الخطوة التي تراجع فيها قلة من رأوا رسالتهم \ موقفهم دخول لميدان يفترض بهم أن يكونوا خلفه والبقية يريدون أن يكونوا مجتمعاً مدنياً وفاعلاً سياسياً ومتمولاً، وأن يعمل في بيئة مجتمع مدني سياسي هجين من المنفى.
لا شك أن السوريين يحتاجون العمل الوطني أكثر من أي وقت، في ظل الجحيم الذي تعيشه سورية، الأمر الذي يستدعي عملاً وطنياً مكثفاً. يُستَبشر من المبادرة التي ستكون قد ختمت أعمالها قبل أن تنشر هذه المادة منعاً لأي تشويش أو تثبيط لهمم سوريات وسوريين يجتمعون ويعملون لوطنهم، وسط معطىً سياسي ومدروس بشكل مسبق، أن يتم الاجتماع في عاصمة أوروبية تُعتبر من أقل المتدخلين في الشأن الداخلي للمعارضة السورية وبعيداً عن الفنادق التي طالما ارتبط اسم الشأن العام بها، وعقد في معهد العالم العربي المستقل فعلاً، رغم تبعيته لجامعة الدول العربية التي أعادت إليها مقعد النظام أخيراً.
• كاتب سوري- باريس
موقع الرأي / خاص

احمد شعبان
الجمعة 9 يونيو 2023