إنّ من نافل القول الحديثَ عن أهمية السينما والمسرح والمسلسل التلفزيوني، في تكوين وعي الناس، وبخاصة هذه الأيام، بعد أن وفّرت تقنية الـ “ديجيتال” والأقمار الصناعية للبشر وسائل لا حصر لها للفرجة. فالفيلم السينمائي، أي فيلم، يطرح فنيًا فكرة أو أفكارًا، فتكون متعة الفرجة مترافقة مع أثر الفكرة، وقس على ذلك المسلسل، وهو دراما تنطوي على كل مظاهر الحياة الاجتماعية، وعلى فكرة أو أفكار تتعين في الشخوص. ولما كان الفيلم والمسلسل وسيلة تشكيل وعي؛ فإن السؤال مشروع، إذ نطرحه في صيغة صريحة: هل الممثل مجرد أداة تقنية حيادية، شأنه شأن الكاميرا؟ يتقاضى أجرًا، و”كفى الله المؤمنين شر القتال”؟ أم أن الممثل موقف من الحياة، من المجتمع، من السياسة، من القيم؟
الرأي، عندي، أنّ من الإغتراب أن يصل الممثل هي حالة النظر إلى نفسه على إنه أداة تمثيل ليس إلا، بمعزل عن أي موقف، ويكون همه منحصرًا في المال الذي يدره عليه الدور. أنا لا أتحدث هنا عن الدور الذي يضطلع به الممثل داخل الفيلم أو المسلسل، من حيث عمله في دور شرير أو خيّر، بل من حيث وظيفة الفيلم والمسلسل بعامة، فالمسلسل لا يقوم بوظيفة التسلية فقط، بل هو -كما قلت- يقوم بتشكيل وعي الناس، وهنا تبرز أهمية مضمون المسلسل والغاية المرجوة منه، والأيديولوجية المستترة في ثناياه. فهل من الحكمة مثلًا أن يوافق ممثل على أن يلعب شخصية رئيسة أو غير رئيسة، في فيلم أو مسلسل ينال من أحلام الناس في الحرية والكرامة؟ هل مقبول من ممثل نجم أو غير نجم أن يقوم بدور ما في مسلسل يدافع عن قيم عصر الحريم؟ هل من الذكاء أن يُزيّن ممثل شهير شخصية سيئة في التاريخ، بدافع أيديولوجي أو ينال ممثل من شخصية عظيمة بدافع أيديولوجي أيضًا؟
هل من وظيفة للممثل أن يقف إلى جانب ديكتاتور؟
ومعترض يقول: إنك تصادر حرية الممثل وأنت المدافع عن الحرية؟
لقد ميزت الثورة السورية تمييزاً واضحًا أصناف الممثلين والمخرجين، فهناك الذين لا موقف لهم من أي أمرٍ من أمور الحياة، وعملهم أشبه بعمل الإنسان الآلي، وهؤلاء، رغم ما يتوافرون عليه من موهبة، لن يكون لهم حضور في ذاكرة التراجيديا النبيلة. هناك من كشفوا عن انتمائهم إلى المستبد ودفاعهم عن القتل والتعذيب والتشريد، إنهم خونة أحلام البشر وآمالهم، وقيل عنهم ما يكفي من الكلام الكاشف لسقوطهم الأخلاقي، وهناك من أعلنوا بكل وضوح انحيازهم إلى ثورة الحرية، ودفعوا ثمن ذلك تشريدًا وفقرًا، فمؤسسات العمل الفني، التي لا هم لها سوى الربح والتوزيع، أهملت هؤلاء الذين اتخذوا الموقف الجدير بالكرامة الإنسانية. لهؤلاء الذين ظلوا أوفياء لرسالتهم الأخلاقية والجمالية، بارتباط بالموقف الوطني إلى جانب ثورة الحرية والكرامة، كلُّ التقدير والمحبة.
إن الفلم والدراما التلفزيونية والكوميديا، أشكال متعددة من وسائل صناعة الوعي لدى المتفرج، فالفن بهذا المعنى موقف من الحياة، حيث تتحد الطبيعة الفنية الجمالية مع الوظيفة الأخلاقية والمعرفية.
ولما كان الممثل ذا شأن وحضور في حياة الناس،وبخاصة إذا ما توافر الممثل على شهرة كبيرة،فإنه كائن فاعل في صناعة الوعي، هذا من جهة، ويخلق خيبة أمل شديدة لدى الناس إن هو انتمى إلى من يدمر حياتهم، من جهة ثانية.
فالنص والمخرج والممثلون يحملون مسؤوليات كبيرة،وبخاصة في لحظات التحول الكبرى.فإما أن يخلدهمالتاريخ، بوصفهم منتمين إلى التحول الذي يدفع البشر من أجله أتاوات من حيواتهم، أو يلقيهم في مزبلة الوسخ التاريخي
---------
العربي القديم
الإهداء: إلى مازن الناطور.