(ألف شمس رائعة ) رواية عالمية عن المجاهدات الافغانيات المجهولات
نساء من زمن طالبان يروين الجانب المسكوت عنه من حياة الافغانيات
محيي الدين اللاذقاني
............
تقرا وتعيد في رواية خالد حسيني الفذة (ألف شمس رائعة ) فلا ترى شموسا ولا نورا ولا روعة بل قهرا وظلما ونقص عدالة وغياب مساواة وفجأة وانت تقترب من الصفحات الاخيرة للرواية – البالغة 372 – تكتشف انك أمام مايسترو جديد يعيد الدرس المستفاد من أساتذة فن الرواية الكبار الذين يعصرون قلبك الى أن يبلغ الألم مداه وفجأة وفي ما أنت تتقلب على نار الأسى لما يحدث للابطال والبطلات في عالم موحش مظلم يتسلل النور من آخر النفق ليكسر ايقاع ملحمة من البؤس المصفى ويذكرك بأن اليأس لامكان له مع الارادة الانسانية وهل هناك أكثر وأعمق وقعا من هذا التذكير بجعلك تقوم تلقائيا باستعادة وترديد هذه الأبيات الخالدة من غزال حافظ الشيرازي :
يوسف عائد الى أرض كنعان ,لاتحزن
نعم لاتحزن .فالقواقع والمستحاثات
ستتحول الى حدائق ورود ورياحين
حتى لو وصل الطوفان
ليغرق كل أشكال الحياة ,لاتحزن
فنوح سيقودك في عين العاصفة
أن رواية خالد حسيني الجديدة (A thousand Splendid Suns ) التي تحتل مركز افضل الكتب مبيعا في لندن منذ سبعة أـشهر مروية على لسان فتاتين افغانيتين عاصرتا الجهاد الافغاني من أيام نجيب الله الى أيام حامد كرزاي واكتوتا بذلك المفهوم المشوه للجهاد فهما في الواقع – ان كان الجهاد من فصيلة الصبر - المجاهدتان الوحيدتان اللتان تحملتا مع نساء أفغانستان عبء ثلاثين عاما من الرصاص الطائش الذي زرع يأسا في كل نفس ومأساة في كل بيت فليلى ممثلة الجيل الثاني من الأفغانيات الصابرات المجهولات فقدت أخوين في صراعات مسعود وحكمتيار وحبيبها فقد ساقه في لغم أرضي أما امها التي دعمت الجهاد اخلاصا لذكرى ولديها فقد وجدت صواريخ الطرفين تنهال على بيتها بعد ان وصل المجاهدون الى كابول ظافرين الامر الذي اضطرها وزوجها للهجرة الى باكستان تاركين ليلى تحت الأنقاض ليتم انقاذها باعجوبة من قبل الاسكافي رشيد زوج مريم البطلة الأولى للرواية لكن هل كان المنقذ شهما ؟
قطعا لافقارئ هذه الرواية الاستثنائية لايطرح هذا السؤال فهو يعرف وقبل عملية الانقاذ أن ذلك الاسكافي أبعد ما يكون عن التصرف النبيل ليس لأن من يعمل بخصف النعل لا وقت لديه للتفكير بالنيل بل لان الكاتب يقدمه كنموذج لأغلبية الرجال الأفغان الذين نتعرف عليهم بصورة أفضل مع وصول طالبان الى العاصمة كابول حين كان أول بيان رسمي يصدرونه هو التالي :
(على كل الرجال ان يطلقوا لحاهم بطول لا يقل عن قبضة اليد ,وعلى كل الاولاد ان يرتدوا الطربوش .الغناء محرم والرقص ومحرم ولعب الورق والشطرنج محرم .وكتابة الكتب ومشاهدة الافلام محرمة ,النساء ممنوعات من الخروج من البيوت ولا تخرج المراة من بيتها الا برفقة محرم ,ادوات التجميل ممنوعة وكذلك الملابس الزاهية والعطر والكحل ,وكل من تضبط وهي تبتسم في الطريق ستضرب ضربا مبرحا )
الرجال في هكذا ظروف ليس فيها الكثير لأي أحد ليعملهغير النميمة والانتظار عندهم الجهاد ضد بعضهم البعض واطلاق الرصاص في كل الاتجاهات أما من لا يجاهد كزوج مريم الاسكافي الذي سيتزوج ليلى بعد ان تتعافى فليس امامه بعد ان تضيق عيناه من الحسد غير اضطهاد من يقعن في قبضته من النساء ,ولم يكن الدرس غريبا عن مريم فقد نبهتها والدتها منذ البداية الى هذه الحكمة الخالدة :
(كما يشير عقرب البوصلة الى الشمال دوما فان أصبع الرجل حين تبحث عن متهم تحمله مسؤلية ما يجري يتجه دوما الى المرأة )
وحتى لا تتحول مريم الى متهمة دائمة حفظت الدرس فصارت مطيعة الى آخر يوم في حياتهالكنها ظلت متهمة فلاحقا وحين سيتم اعدامها في ساحة عامة ويقترب منها الجلاد ويطلب منها ان تحني رأسها بوضعية معينة ليتمكن من وضع الحبل تطيع بسلاسة من لم يرفع رأسه أبدا بوجه أحد ولم يحتج على أي حكم مهما كانت قسوته ,وفي هذه هل مريم في هذا الوضع وحدها ؟ اوليست من المهد الى اللحد مثل معظم نساء العالم الاسلامي المتشدد ضحية الاب والاخ والزوج ثم الابن ...؟
لكن لماذا اعدمت مريم ابنة الحرام التي دفعت ثمن اخطاء امها وابيها الواضح من السياق انها لم تزن والا لرجمت حسب القوانين المعمول بها في كابول أيام طالبان ؟ لقد اعدمت – وهذا ما لن يفهمه القارئ الغربي – لانها قتلت زوجها عن طريق الخطأ دفاعا عن ضرتها الشابة التي صارت صديقتها ففي هكذا عالم موحش ليس للمراة الا المراة حتى وان كانت تتقاسم معها زوجها ففي هكذا علاقات تذوب الغيرة تاركة المكان لاخوية نسوية تساعد النساءعلى تقاسم الهموم في زمن الرجال الجوف الذين يشتركون في كل أصناف لمعارك باستثناء المعركة الوحيدة الرابحة معركة التقدم والتنمية وبناء المجتمع العادل المستقر القائم على المساواة بين الجنسين .
ولا يقول المؤلف حرفيا : انها لرجولة ناقصة وأيم الله تلك التي تقوم على اضطهاد النساء لكنه لا يوفر فرصة دون أن يوحي بها من خلال الاشارة الى فساد المتظاهرين بالجهاد واغراقهم في تجارة السلاح والمخدرات وصحبة الغلمان تماما كما فعل في روايته الاولى ( The Kite Runner )التي تحولت الى فيلم ناجح مطلع هذا العام
بقي ان نقول أن اسم الرواية لم يأت من نفحة التفاؤل القصيرة التي نسمت في اواخر صفحاتها حين عادت ليلى وحبيبها لتشارك في بناء المدينة التي هدمها المجاهدون الاشاوس لكنه جاء من بيتين شعريين رومانسيين كتبا عن كابول في القرن السابع عشر وترجمتهما :
لا يستطيع الانسان عد الاقمارالمشعة على سطوح منازلها
ولا احصاء ألوف الشموس الرائعة المخباة خلف الجدران
لقد كانت معاني هذين البيتين البسيطين المشعين تدور في ذهني دون ان اعرفهما حين أصدرت قبل سنوات كتابي عن النساء تحت عنوان ( المراة مصباح الكون ) ويبدو انها كانت وستظل تدور في مخيلة جميع الكتاب الذين يجاهدون في سبيل انصاف المجاهدات المجهولات والكشف عن ادوارهن المغيبة زمن القحط والمجاعات والحروب وما خالد حسيني الا صاحب بيرق متقدم من هذا الفيلق الذي يرى أن الرجولة لا تكتمل ما لم تقم على انصاف النساء والمشاركة في رفع الظلم التاريخي الذي اوقعه بهن الرجال الجوف طيلة قرون ...وقرون .
......................
نساء من زمن طالبان يروين الجانب المسكوت عنه من حياة الافغانيات
محيي الدين اللاذقاني
............
تقرا وتعيد في رواية خالد حسيني الفذة (ألف شمس رائعة ) فلا ترى شموسا ولا نورا ولا روعة بل قهرا وظلما ونقص عدالة وغياب مساواة وفجأة وانت تقترب من الصفحات الاخيرة للرواية – البالغة 372 – تكتشف انك أمام مايسترو جديد يعيد الدرس المستفاد من أساتذة فن الرواية الكبار الذين يعصرون قلبك الى أن يبلغ الألم مداه وفجأة وفي ما أنت تتقلب على نار الأسى لما يحدث للابطال والبطلات في عالم موحش مظلم يتسلل النور من آخر النفق ليكسر ايقاع ملحمة من البؤس المصفى ويذكرك بأن اليأس لامكان له مع الارادة الانسانية وهل هناك أكثر وأعمق وقعا من هذا التذكير بجعلك تقوم تلقائيا باستعادة وترديد هذه الأبيات الخالدة من غزال حافظ الشيرازي :
يوسف عائد الى أرض كنعان ,لاتحزن
نعم لاتحزن .فالقواقع والمستحاثات
ستتحول الى حدائق ورود ورياحين
حتى لو وصل الطوفان
ليغرق كل أشكال الحياة ,لاتحزن
فنوح سيقودك في عين العاصفة
أن رواية خالد حسيني الجديدة (A thousand Splendid Suns ) التي تحتل مركز افضل الكتب مبيعا في لندن منذ سبعة أـشهر مروية على لسان فتاتين افغانيتين عاصرتا الجهاد الافغاني من أيام نجيب الله الى أيام حامد كرزاي واكتوتا بذلك المفهوم المشوه للجهاد فهما في الواقع – ان كان الجهاد من فصيلة الصبر - المجاهدتان الوحيدتان اللتان تحملتا مع نساء أفغانستان عبء ثلاثين عاما من الرصاص الطائش الذي زرع يأسا في كل نفس ومأساة في كل بيت فليلى ممثلة الجيل الثاني من الأفغانيات الصابرات المجهولات فقدت أخوين في صراعات مسعود وحكمتيار وحبيبها فقد ساقه في لغم أرضي أما امها التي دعمت الجهاد اخلاصا لذكرى ولديها فقد وجدت صواريخ الطرفين تنهال على بيتها بعد ان وصل المجاهدون الى كابول ظافرين الامر الذي اضطرها وزوجها للهجرة الى باكستان تاركين ليلى تحت الأنقاض ليتم انقاذها باعجوبة من قبل الاسكافي رشيد زوج مريم البطلة الأولى للرواية لكن هل كان المنقذ شهما ؟
قطعا لافقارئ هذه الرواية الاستثنائية لايطرح هذا السؤال فهو يعرف وقبل عملية الانقاذ أن ذلك الاسكافي أبعد ما يكون عن التصرف النبيل ليس لأن من يعمل بخصف النعل لا وقت لديه للتفكير بالنيل بل لان الكاتب يقدمه كنموذج لأغلبية الرجال الأفغان الذين نتعرف عليهم بصورة أفضل مع وصول طالبان الى العاصمة كابول حين كان أول بيان رسمي يصدرونه هو التالي :
(على كل الرجال ان يطلقوا لحاهم بطول لا يقل عن قبضة اليد ,وعلى كل الاولاد ان يرتدوا الطربوش .الغناء محرم والرقص ومحرم ولعب الورق والشطرنج محرم .وكتابة الكتب ومشاهدة الافلام محرمة ,النساء ممنوعات من الخروج من البيوت ولا تخرج المراة من بيتها الا برفقة محرم ,ادوات التجميل ممنوعة وكذلك الملابس الزاهية والعطر والكحل ,وكل من تضبط وهي تبتسم في الطريق ستضرب ضربا مبرحا )
الرجال في هكذا ظروف ليس فيها الكثير لأي أحد ليعملهغير النميمة والانتظار عندهم الجهاد ضد بعضهم البعض واطلاق الرصاص في كل الاتجاهات أما من لا يجاهد كزوج مريم الاسكافي الذي سيتزوج ليلى بعد ان تتعافى فليس امامه بعد ان تضيق عيناه من الحسد غير اضطهاد من يقعن في قبضته من النساء ,ولم يكن الدرس غريبا عن مريم فقد نبهتها والدتها منذ البداية الى هذه الحكمة الخالدة :
(كما يشير عقرب البوصلة الى الشمال دوما فان أصبع الرجل حين تبحث عن متهم تحمله مسؤلية ما يجري يتجه دوما الى المرأة )
وحتى لا تتحول مريم الى متهمة دائمة حفظت الدرس فصارت مطيعة الى آخر يوم في حياتهالكنها ظلت متهمة فلاحقا وحين سيتم اعدامها في ساحة عامة ويقترب منها الجلاد ويطلب منها ان تحني رأسها بوضعية معينة ليتمكن من وضع الحبل تطيع بسلاسة من لم يرفع رأسه أبدا بوجه أحد ولم يحتج على أي حكم مهما كانت قسوته ,وفي هذه هل مريم في هذا الوضع وحدها ؟ اوليست من المهد الى اللحد مثل معظم نساء العالم الاسلامي المتشدد ضحية الاب والاخ والزوج ثم الابن ...؟
لكن لماذا اعدمت مريم ابنة الحرام التي دفعت ثمن اخطاء امها وابيها الواضح من السياق انها لم تزن والا لرجمت حسب القوانين المعمول بها في كابول أيام طالبان ؟ لقد اعدمت – وهذا ما لن يفهمه القارئ الغربي – لانها قتلت زوجها عن طريق الخطأ دفاعا عن ضرتها الشابة التي صارت صديقتها ففي هكذا عالم موحش ليس للمراة الا المراة حتى وان كانت تتقاسم معها زوجها ففي هكذا علاقات تذوب الغيرة تاركة المكان لاخوية نسوية تساعد النساءعلى تقاسم الهموم في زمن الرجال الجوف الذين يشتركون في كل أصناف لمعارك باستثناء المعركة الوحيدة الرابحة معركة التقدم والتنمية وبناء المجتمع العادل المستقر القائم على المساواة بين الجنسين .
ولا يقول المؤلف حرفيا : انها لرجولة ناقصة وأيم الله تلك التي تقوم على اضطهاد النساء لكنه لا يوفر فرصة دون أن يوحي بها من خلال الاشارة الى فساد المتظاهرين بالجهاد واغراقهم في تجارة السلاح والمخدرات وصحبة الغلمان تماما كما فعل في روايته الاولى ( The Kite Runner )التي تحولت الى فيلم ناجح مطلع هذا العام
بقي ان نقول أن اسم الرواية لم يأت من نفحة التفاؤل القصيرة التي نسمت في اواخر صفحاتها حين عادت ليلى وحبيبها لتشارك في بناء المدينة التي هدمها المجاهدون الاشاوس لكنه جاء من بيتين شعريين رومانسيين كتبا عن كابول في القرن السابع عشر وترجمتهما :
لا يستطيع الانسان عد الاقمارالمشعة على سطوح منازلها
ولا احصاء ألوف الشموس الرائعة المخباة خلف الجدران
لقد كانت معاني هذين البيتين البسيطين المشعين تدور في ذهني دون ان اعرفهما حين أصدرت قبل سنوات كتابي عن النساء تحت عنوان ( المراة مصباح الكون ) ويبدو انها كانت وستظل تدور في مخيلة جميع الكتاب الذين يجاهدون في سبيل انصاف المجاهدات المجهولات والكشف عن ادوارهن المغيبة زمن القحط والمجاعات والحروب وما خالد حسيني الا صاحب بيرق متقدم من هذا الفيلق الذي يرى أن الرجولة لا تكتمل ما لم تقم على انصاف النساء والمشاركة في رفع الظلم التاريخي الذي اوقعه بهن الرجال الجوف طيلة قرون ...وقرون .
......................