وطرابزون، كما بقية ولايات البحر الأسود، كانت على مدى سنوات الأكثر جذباً لسياح دول الخليج والأكثر بيعاً للعقارات والمنازل، قبل أن تصاب أخيراً بداء العنصرية والدعوات إلى ضرب السياح العرب وطردهم من البلاد.
حقيقة الأمر أن هذا التسجيل المصوّر بحق الإساءة للسياح الخليجيين ليس الأول، وربما لن يكون الأخير، بواقع استمرار تحشيد الشارع التركي وتعاظم حملات الكراهية بالتزامن مع الانتخابات البلدية التي ستشهدها تركيا في مارس/آذار العام المقبل.
وهاكم بعض التسجيلات المصورة التي قد لا تقبل التشكيك أو الانضواء تحت أوهام الاستهداف، فقد انتشر أخيراً مقطع مصور للاعتداء على سياح خليجيين في مطعم بمدينة إسطنبول، يكشف الشجار والإساءة اللفظية بسبب خلاف على قيمة "الفاتورة" بعد احتجاج السياح العرب على ارتفاع المبلغ.
وربما الفيديو للسيدة الخليجية وهي تصرخ في أحد المحال التركية وتقول "أغلقوا السياحة وتحدثوا إلى الرئيس أردوغان وليس لنا"، مضيفة باللغة العربية وبصوت عال: "لا تستقبلوا السياح ما دام غير مرغوب فيهم"، أثار ردود الأفعال أكثر من غيره، إلى الحد الذي دفع فنانين ومنصات وصنّاع محتوى "يوتيوبرية" للدعوات إلى مقاطعة السياحة التركية، والتوجه إلى مصر والمغرب والإمارات وقطر وغيرها من البلدان العربية التي تزخر بالمواقع الأثرية وجمال الطبيعة وبشعب يرحب بإخوته ولا يسيء لهم.
ويستحيل ربما التطرق إلى حالات الإساءة الموثقة لكثرتها وانتشارها أخيراً في معظم الولايات التركية من دون أن تقتصر على السوريين أو حتى الخليجيين، ففيديو الاعتداء بالضرب على شاب يمني أعزل "حاول الدفاع عن شقيقه" انتشر بشدة على وسائل التواصل التركية، بعد أن تحوّل ترحيل شابين مغربيين وسيدة جزائرية كفيفة إلى الشمال السوري إلى قضية رأي عام تدخلت فيها السلطات التركية العليا.
قصارى القول: مؤكد أنه لا توجد خطة ممنهجة للإساءة أو ضرب وطرد السياح العرب، لكن الأرجح والواضح، وحتى الموّثق، تنامي حالات العنصرية بالشارع التركي لكل الناطقين بالضاد من دون معرفة من أي بلد.
كما الأرجح، وبحسب المعايشة والمشاهدة هنا بتركيا، أن حالات العنصرية كانت فردية وحالات خاصة إلى ما قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في مايو/أيار الماضي، ليكون بعدها ليس كما قبلها، بعد تفشي مقولات دعم العرب والمقيمين بتركيا للرئيس أردوغان وحبهم له، بل والترويج أن أصواتهم بالانتخابات كانت الفارق وسبب نجاحه لفترة رئاسية جديدة.
وربما زاد من حالات التنمّر والعنصرية، في تلك الفترة، ما قاله وزير الداخلية الجديد علي يرلي قايا حول أعداد المهاجرين وضبط غير الشرعيين، لتأتي الاتفاقات الأخيرة مع دول الخليج، بعد زيارة الرئيس والوفد الحكومي والخاص، لتؤجج الحالة لدرجة العداء وتطور أدوات الاعتداء.
طبعاً، من دون إغفال اشتغال الأحزاب المعارضة على الأمر وعزفهم على وتر القومية وإيقاظ الكراهية للعرب، مستخدمين تردي الواقع المعيشي وتهاوي سعر صرف الليرة وارتفاع نسبة التضخم كمحرضات، وزيادة أعداد العرب المقيمين وتشكيل "سورية صغيرة" كما قالت أخيراً زعيمة حزب" الجيد" بعد سلسلة تحريضات علانية من رئيس حزب "الظفر" لنبش العداء وزيادة التحريض ضد العرب.
نهاية القول: إن قفزنا على عقابيل ما ينقل ويشاع عن سلوك أتراك ضد السياح والمقيمين، إن على السمعة العامة لدولة تتطلع لحجز مكانها بين الكبار، أو على الديمقراطية والأمان، وأثار ذلك على الاقتصاد وتقبّل تركيا بين جيرانها في الشرق أو أحلامها بدخول نادي واتحاد الغرب.
لنركز على الآثار المباشرة والاقتصادية فقط، إذ لم يزد عدد السياح إلى تركيا، حتى نهاية الشهر السابع، عن 23 مليوناً، رغم التطلع والخطط هذا العام لاستقطاب 60 مليوناً، ما يعني تراجع السياحة بصرف النظر عن التصريحات الرسمية وما يقال عن زيادة النسب عن العام الماضي.
ومن المعروف، وبشهادة مسؤولين سياحيين، (مسؤول في وكالة غرب البحر الأبيض للتنمية، عثمان أرول ساري دره مثالاً) أن السائح العربي ينفق بتركيا نحو 4 آلاف دولار في حين لا يزيد إنفاق غيره من الأوروبيين والآسيويين عن 800 دولار.
ومعروف أيضاً أن تركيا تنظر إلى عائدات السياحة، إلى جانب التصدير، كجناحي الاقتصاد ومنقذ ومخلص، ليس لتوازن المعروض النقدي الأجنبي بالسوق وبالتالي تحسن سعر صرف الليرة فحسب، بل بزيادة نسبة النمو والناتج الإجمالي، للوصول إلى حلم العشرة الكبار.
بيد أن غير المعروف، أو غير المتفق عليه بتركيا، أن ما تشهده البلاد من سوء معاملة وعنصرية وإساءات للسياح ألغى نحو 60% من حجوزات العرب هذا الموسم، إلى جانب المدهش بتعاطي الحكومة والقوانين مع العنصريين.
فأن تكتفي دائرة الاتصالات برئاسة الجمهورية بالتوصيف والإدانة، وتقتصر الردود على رئيس حزب الظفر أوميت أوزداغ، كأكبر مثال على العنصرية والتحريض، برفع دعاوى ونصح ووعيد، فذلك على الأرجح سيزيد من عزوف العرب عن جمال تركيا. كما يدفع من تورّط بشراء عقار أو أقام منشأة إنتاجية لأن يعيد النظر بواقع التسهيلات والإغراءات التي تقدمها الدول، من شمالي أوروبا إلى أقصى جنوبي أفريقيا.
----------
العربي الجديد