نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


الشيء الذي يعنيه اسم هادي البحرة





يضطرّ المرءُ أحيانًا إلى نوعٍ من الاشتباك غير المُحبّب مع الواقع القائم، وهذا النص نتيجةُ هذا النوع من الاضطرار، ولكن الاضطرارَ هنا فريضةُ حُبٍّ: حبُّ الحياة وحبُّ البشر. وأيضًا، هذا الاضطرارُ نتيجةُ ألمٍ: إنه تفاعلٌ إيجابي مع الألم الذي يعانيه السوريون جميعًا. إنَّه فريضةٌ، لأنه نوعٌ من التقدير لكلِ أمٍ ثكلى، ولقطرات الدم كلها، والأصوات الحرّة التي صدحت في الساحات، ولا تزال، ولكل من قال "لا" في وجه همجيّة النظام السوري ولاإنسانيّته.


 موضوعُ هذا النص سؤالٌ عن المعنى الذي يشير إليه اسم هادي البحرة، الرئيس الذي انتخبته الهيئة العامة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أخيرًا، على غرار سؤال الفيلسوف الفرنسي آلان باديو مثلًا عن الشيء الذي يشير إليه اسم نيكولا ساركوزي، رئيس فرنسا الأسبق، بعد انتخابه رئيسًا. ليس للمقارنة بين البحرة وساركوزي؛ فغنيّ عن القول لامنطقية مقارنةٍ كهذه، ولكن محاولة لمقاربة الذاتية اللاواعية التي تجثم على المشهد السياسي السوري، الذاتية السياسية التي تمتد جذورها إلى مطلع سبعينيات القرن الماضي في أقلّ التقديرات، أي إلى ما يمكن تسميها الـ"حافظ أسدية" السياسية، والتي يتم بموجبها إعادة إنتاج روح العصر السياسي السوري القديم الجديد. ومن الضروري التأكيد، تمهيدًا، أن هذا النص ليس ذاتيًا عن هادي البحرة، وبطبيعة الحال لا يجيد كاتبُ النص كتابةً ذاتية من هذا النوع، ولا يرغب بها، ولم يلتقِ البحرة ولو لمرّةٍ واحدة، وكان الكاتب غنيًا عن هذه التوضيح التمهيدي، لو أن روح العصر السياسي السوري الراهنة تتعامل مع الموضوعات والأشياء، وليس مع الشخصيات والأسماء كما هي الحال.
ثمّة في ما يحصل في الائتلاف، وفي المعارضة عمومًا، شيءٌ يدعو دائمًا إلى الإحباط، ويمكن تتبع إحباط السوريين أمامه مراتٍ ومرات. ليس هادي البحرة، أو انتخابه أخيرًا، هو ما يدعو إلى الإحباط، لكن الشيء الذي يشير إليه اسم هادي البحرة، ومن يشبهه، هو الذي يدعو إلى ذلك باستمرار. وإن طرح السؤال سوريًا، عن الشيء الذي تشير إليه هذه الأنواع من الأسماء فحسب، وقبل بناء أي إجابةٍ، فعلٌ يعمل على نقل الحالة الراهنة من معركة الأسماء التي ضاعت حياة المعارضة في محاباتها تارةًّ والاعتراض عليها تارّةً أخرى، وملأت دنيا السوريين مراهقةً واستعراضًا، إلى نقاش الأشياء والموضوعات والمستقبل والشعور بالمسؤولية. يعني أن مجرّد وجود هذا النوع من الأسئلة بيننا يساعد في الانتقال من معركة الأسماء إلى معركة الأشياء والموضوعات، وإيجاد العمومي السوري وإبداعه في هذا الظرف الاستثنائي من التاريخ، ومن ثم بناء السياسة استنادًا إليه. كتب آلان باديو، في كتابٍ عنوانه "إلى أي شيءٍ يشير اسم ساركوزي؟"، أن اسم ساركوزي يرمز إلى "شيءٍ سيئ لم يكن ساركوزي إلا خادمًا له"، ويقول في مقدمة الطبعة الإنكليزية للكتاب (The meaning of Sarkozy)، إن فرنسا بانتخاب ساركوزي تتجاوب مع حلقات تاريخها الثوري بمسلسلٍ من "ردود الفعل السوداء". ويبدو أن "الائتلاف" وانتخاباته وسلوكَه، أيضًا جزءٌ من ردود الفعل السوداء على تاريخ الثورة السورية العظيمة وحاضرها. ويشير اسم هادي البحرة الآن، ومن يشبهه من أصدقائه، ومن خصومه الذين يدَّعون أنَّه انتُخب بـ"الصرماية" (بتعبير رئيس الائتلاف الأسبق نصر الحريري، نقلًا عن رئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى)، إلى شيءٍ واضحٍ، مهمٌ التوقف عنده بوضوح وجرأة بعد الذي سُفك من دمائنا على يد النظام، وغير النظام. إنَّه يشير إلى ركاكة روح العصر السياسي السوري الراهن، يشير إلى أن هذه الروح صارت تفاهةً لا تَرحم، تتطلّب تعاونًا كبيرًا من أجل صيانتها أمام هذا الابتذال كله. ويشير أيضًا إلى ضرورة إعادة الاعتبار لكلمة السياسة، ومفهومات كثيرة تنتمي إلى حقل السياسة الدلالي مثل الائتلاف، والدستور، والتفاوض، والانتخابات، والوطنية، والمعارضة، وما إلى ذلك. اسم هادي البحرة، ومن يشبهه، مسحوا الأرضَ بهذه المفهومات، بالتعبير الشعبي السوري، فصارت مثيرةً لغثيان السوريين واكتئابهم، وهذه بحقّ كارثة. ويمكن تقديم إجابة، عن الشيء الذي يشير إليه اسم هادي البحرة، والأسماء التي في الائتلاف عمومًا، في عناوينٍ ثلاثةٍ عريضة كالآتي.
أولًا، يشير إلى غياب احتمال الإقامة في أفق الوطنية العمومي، أي أنه يشير إلى هجر الوطنية إلى الباطنية والخصوصيات الذاتية التي لا عموميّ فيها، والتي تقتضي التعالي على السوريين، وتعزيز العقل السياسي المرتبك المتوجّس دائمًا الذي يخاف من خياله، وكأنه امتدادٌ لظاهرة استعلاء التنظيم، ورؤساء التنظيم، على المؤسّسات العمومية، من ثم على ما سماه ألتوسير "أجهزة الدولة الأيديولوجية" كلها، ومن ثم على الشعب كله بطبيعة الحال. ولظاهرة الاستعلاء هذه مثالان أنموذجيان فاقعان: الاستعلاء الذي تم تأسيسه عمليًا مع بدايات حافظ الأسد في سورية وتعزّز إلى أن مات، ثم استمرّ بعده مُتضَمنًا في فكرة "القائد الخالد"، والاستعلاء الذي نَظَّر له سيد قطب في كتابه "معالم في الطريق" وفيه "استعلاء الإيمان" على "جميع القيم المنبثقة من أصلٍ غير أصل الإيمان". وبطبيعة الحال ثمة احتكارٌ لفهم الإيمان عنده، وكل شيءٍ سواه باطل. وأن يكون اسما حافظ الأسد وسيد قطب في سياقٍ واحدٍ صحيح، موهبةٌ لا يقدر عليها إلا الشيء الذي يشير إليه اسم هادي البحرة: هي "موهبة" هجر الناس في السياسة وكأنهم غيرُ موجودين.
ثانيًا، يشير إلى غياب الشجاعة السياسية التي تؤدي إلى عجز المُمكن حتى عن الكلام: عن الترحيب، الاستنكار، الشجب، ما إلى ذلك. فحتى الكلام صار يحتاج إلى إذنٍ بعد الإمعان في خصخصة العمومي السوري الذي استولى عليه "الائتلاف" في غفلةٍ من السوريين، ووزّعه حصصًا لدولٍ وجماعات بموجب تفاهةٍ لا ترحم من ابتلى بها، ولا من ابُتلِي بمن ابتَلَى بها. إنها الإمّعية، والإخفاق في درس الحرية، والإخفاق في درس الخجل الأول: الخجل من الذات، والاستمرار رغم كل ما حصل وما يحصل. لا أتصوّر أن ثمّة مثالًا واضحًا لهذا النوع من الاستمرار الذي لا يخجل أكثر من استمرار بشّار الأسد في السلطة! وثمّة عبارة شعبية سورية رائعةٌ بحقّ، وخلّاقةٌ في هذا السياق، ولكنّها من النوع الذي يخجل المرء ذكرها صراحةً في مقالٍ صحافي..
ثالثًا، يشير إلى اهتراء نظام الحقيقة في السياسة السورية، وإلى أنه نظامٌ فقد الصلاحية، ولم يعد يعمل، وتعطّل عن إنتاج الحقائق منذ زمنٍ بعيد، بل صار ينتج الوهم، والوهم فحسب: وهمُ الانتصار، ووهم الذوات بذواتها، ووهم السيطرة، وجبالٌ من الأوهام قد يكون بعضها مُضحكًا، مع أن الحالة تثير البكاء والشفقة. وبطبيعة الحال، يمتدّ أثر الوهم إلى اليومي، ويصير كلُّ شيءِ يُقارَب بصورةٍ رغبوية، ويموت الواقع في نظر المُتوَّهِم، ولا يعود له أهميةً، وأيّ سياسةٍ تلك التي تعمل من دون واقع! وبهذا المعنى، الشيء الذي يشير إليه اسم البحرة أيضًا هو "غياب السياسة" الناتج من غياب التفكير، وصولًا إلى حالة التفاهة التي لا ترحم، من ثم غياب الوعي، وإخفاقٌ كارثي للضمير.
من أجل من بقي من أطفالنا، والمستقبل، وكل من نجا من المجزرة، حان الوقت لنقول لهذا الشيء: كفى.
---------
العربي الجديد
 

مضر رياض الدبس
الجمعة 29 سبتمبر 2023