نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


الشمال السوري عام 2022: مطامع تركيا وصراعات الفصائل الإسلامية




 
برزت مناطق الشمال السوري خلال عام 2022 باعتبارها مسرحاً لأحداث جسيمة فرضتها مصالح أمنية وسياسية عديدة ومتباينة. وبين دواعي مكافحة الإرهاب من جهة، ومقتضيات سياسة التقارب التي انتهجتها أنقرة إزاء دمشق من جهة أخرى، عاشت مدن وبلدات الشمال السوري عاماً من التطورات دفعت مصير المنطقة إلى مسارات مختلفة. ولا يزال من الصعب التكهّن بالمسار الذي قد تسلكه هذه التطورات، ولكن بات من شبه المؤكد، على الأقلّ، أن عام 2023 يحمل في طياته إرهاصات تغيير شامل لم يعد في الإمكان تأجيل حدوثه نظراً لتبدل مصالح الدول والأطراف الفاعلة في المنطقة.
 


خلافات وانشقاقات
مع بداية عام 2022 كانت "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، وهما اسما العمليتين العسكريتين التي احتلت بموجبهما القوات التركية مدن وبلدات في الشريط الحدودي مع سوريا عامي 2016 و 2018، على موعد مع أخطر خلاف فصائلي داخل ما يسمى "الجيش الوطني السوري" الذي تدعمه أنقرة. وكاد محمد جاسم أبو عمشة، قائد فصيل سليمان شاه المعروف إعلامياً بـ"العمشات" أن يذهب ضحية هذا الخلاف بعد صدور قرار عن لجنة ردّ المظالم قضى بمنعه من تسلم أي منصب ثوريّ في قيادة الجيش أو الفصيل. غير أن القرار المدعوم من قيادة الفيلق الثالث في "الجيش الوطني السوري" لم يحصل على الضوء الأخضر التركي وبقي طيّ الأدراج.
 
وكان القطاع الشرقي في "حركة أحرار الشّام" أعلن انشقاقه عن الفيلق الثالث، الأمر الذي تسبب بموجة اقتتال فصائلية شكلت الفرصة الأولى لـ"هيئة تحرير الشام" من أجل جس نبض مدى قدرتها على تنفيذ المخطط الذي طالما داعب مخيلة قائدها أبو محمد الجولاني، والمتمثّل في توسيع نفوذه من إدلب باتجاه منطقة غصن الزيتون (عفرين)، لكن حسابات الجولاني في هذه التجربة لم تكن متطابقة مع الحسابات التركية، فاضطر إلى الانسحاب من القرى التي دخل إليها لمساندة القطاع الشرقي ضد "الجبهة الشامية" التي تقود عملياً الفيلق الثالث.
 
لكن سرعان ما أشعل مقتل الناشط السوري المعارض محمد أبو غنوم وزوجته الحامل، شرارة الاقتتال من جديد، ولكن هذه المرة بين فرقة حمزة (الحمزات) المسؤولة عن مقتل الناشط بحسب التحقيقات التي أجراها الفيلق الثالث، والأخير. ووجد الجولاني الفرصة سانحة للاستفادة من تجربة التوسّع الأولى بهدف تحقيق حلمه في السيطرة على مدينة عفرين والبقاء فيها رغم كل الضغوط الإقليمية والدولية التي استجرّتها مغامرته.
 
وبينما كان الجولاني يحصد نتائج الخلافات التي ضربت صفوف "الجيش الوطني السوري" المدعوم تركياً، كانت "أحرار الشام" تدفع الثمن غالياً والذي تمثل في الانقسام الجديد الذي جعلها تختبر وجود قيادتين على رأسها: قيادة متمثلة بعامر الشيخ وتعتبر مقربة من "هيئة تحرير الشام"، وقيادة متمثلة بأبي سليمان الحموي تدّعي أنها تريد العودة إلى إرث القادة المؤسسين للحركة.
 
تهديدان تركيان لم ينفذا!
رغم الخلافات الفصائلية وما أفرزته من اقتتال بين الفصائل المحسوبة على تركيا، إلا أن الأخيرة لم تجد في ذلك ما يمنع من تكرار تهديداتها للقيام بعملية عسكرية جديدة لتنفيذ مشروع المنطقة الآمنة التي وقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة للتلويح بها أواخر العام الماضي.
 
وأُطلق التهديد التركي الأول في شهر أيار (مايو) الماضي بالتزامن مع الكشف عن خطة رسمية تركية تهدف إلى إعادة مليون ونصف مليون لاجئ سوري من تركيا إلى الأراضي السورية. واستمرت هذه التهديدات في التصاعد حتى انعقاد قمة طهران بين رؤساء تركيا وإيران وروسيا منتصف شهر تموز (يوليو) الماضي والتي شكلت منعطفاً هامّاً لجهة دورها في تغيير سياسة أنقرة إزاء الملف السوري.
 
وعادت تركيا إلى نبرة التهديد بعد الهجوم الذي استهدف منطقة تقسيم في اسطنبول وحمّلت أنقرة مسؤوليته إلى جهات مرتبطة بحزب "العمال الكردستاني" و"قوات سوريا الديموقراطية". وقادت أنقرة عملية "المخلب السيف" منتصف شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، للردّ على هذا الهجوم وتوعدت القيام بعملية عسكرية برية، غير أن التهديدات التركية لم تجد أيّ غطاء إقليمي أو دولي لا سيما في ظل اعتراض كلّ من روسيا والولايات المتحدة عليها، الأمر الذي تركها معلّقة وربما لن يحسم أمرها إلا مع مطلع العام الجديد.
 
مقتل قادة "داعش"
توجّه تنظيم "داعش" منذ هزيمته الأخيرة في بلدة الباغوز ربيع عام 2019 إلى اتخاذ مناطق الاحتلال التركي في الشمال السوري ملاذاً لقادته وكوادره. وهكذا على هامش الاقتتال الفصائلي من جهة، والتهديدات التركية من جهة ثانية، كانت منطقة أطمة الخاضعة لسيطرة "هيئة تحرير الشام" على موعد في شهر آذار (مارس) مع عملية إنزال أميركية أفضت إلى مقتل أبو عبدالله القرشيّ، زعيم "داعش" الثاني الذي كان تسلم قيادة التنظيم بعد مقتل أبو بكر البغدادي أواخر عام 2019.
 
وفي رسالة واضحة إلى أنقرة، لم تشأ الولايات المتحدة أن يمضي عام 2022 من دون أن تقوم بإجراء ميداني يعبّر عن مدى اعتراضها على أي عملية عسكرية تركية جديدة، فقامت في مطلع الشهر الجاري بتنفيذ غارة نادرة على مدينة الباب، أكبر مدن درع الفرات، استهدفت فيها قيادياً في تنظيم "داعش" يدعى أبو ياسر اليمني.
 
إعادة هيكلة أم تمهيد للتقارب مع سوريا؟
بعد مغامرة الجولاني في عفرين، استدعت أنقرة قادة الفصائل المسلحة الموالية لها إلى مدينة غازي عنتاب التي شهدت اجتماعاً مفصلياً أفضى من حيث النتيجة إلى اتخاذ مجموعة من القرارات التي تهدف إلى إعادة ضبط الأوضاع في المناطق الخاضعة لسيطرتها، على الرغم من أن الهدف البعيد لهذه القرارات لا يزال غير واضح. ويرى البعض أن الخطة التركية الجديدة تهدف إلى تأديب الجولاني وتطويقه من أجل منعه من القيام بأي مغامرة جديدة تخرج عن إطار المصالح التركية، في حين يرى آخرون أن الغاية الحقيقية لهذه الخطة ما هي إلا تمهيد الأرضية في الشمال السوري على نحو يسمح بتمرير سياسة التقارب مع دمشق.
 
ونصت مقررات اجتماع غازي عنتاب على بنود كثيرة قد يكون أهمها خروج "هيئة تحرير الشام" من عفرين، وهو البند الذي لم يُنفذ بعد، وتشكيل مجلس استشاري في "الجيش الوطني السوري" يمثل الفصائل المنضوية تحته وتكون مهمة التواصل مع الجانب التركي محصورة فيه، وقد نفذ هذا البند ولكنه لا يزال يُعتبر مجرد إجراء شكلي ليس له أي تداعيات حقيقية على الأرض. وكذلك تطويق دور "المجلس الإسلامي السوري" في علاقاته مع الفصائل وحلّ الخلافات بينها حيث قضى الاجتماع بمنع المجلس من القيام بمثل هذه الأدوار، وهو ما اعتبر صفعة للفيلق الثالث الذي كان يحظى بدعم المجلس الإسلامي ضد "هيئة تحرير الشام".
 
وبالرغم من أن أنقرة حاولت إظهار الاجتماع وكأنه جاء استجابة لموجة الاقتتال بين الفصائل من أجل إيجاد حل نهائي لسلسلة الخلافات التي تعصف بصفوف "الجيش الوطني" التابع لها، غير أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كشف عن وجود اتفاق بين موسكو وأنقرة من أجل تحييد الفصائل التي ترفض الحوار مع الحكومة السورية للتوصل إلى المصالحة التي طالما بشرت بها أنقرة في الشهور الماضية. وقد اعتبر مراقبون أن تصريح لافروف من شأنه أن يكشف عن حقيقة الإجراءات التي تتخذها تركيا في الشمال السوري وأن الهدف منها ليس إعادة ضبط الأوضاع وتمكين الفصائل من السيطرة، بل الهدف هو إعادة ترتيب أوراق تركيا في مناطق الشمال السوري بما يتوافق مع أهداف ومصالح سياستها الجديدة الرامية إلى إحداث تقارب مع دمشق.
--------
النهار العربي

عبدالله سليمان علي
الاربعاء 28 ديسمبر 2022