نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


"السلام التنموي بديلاً من السلام الديمقراطي"... هكذا تبدأ الصين انغماسها في الشرق الأوسط






بالنظر إلى أولوية الأمن والسياسة على الاقتصاد والتجارة، ستُطلب من الصين سياسة أكثر تماسكاً مع دور أمني أكبر في منطقة الشرق الأوسط، بحسب مركز بروكنغز للدراسات، الذي يرى صعوبةً في تشكيل نظام أمني جديد، لتعارض رؤية الصين مع الرؤية الخليجية في مسألة الأمن الإقليمي، نتيجة دعم الصين لإيران في أي بنية أمنية شرق أوسطية. وهو ما يتعارض أيضاً مع المظلة الدفاعية الأمريكية الحالية، والمصممة لمواجهة إيران.

التزام الصين بمبادئ التعددية، وتوازن القوى، وعدم التدخل، والحياد، يكشف فرص المشاركة الصينية مع المنطقة وتحدياتها. ويثير تساؤلات جديةً حول سياسة عدم التدخل الصينية وهل هي مستدامة أم لا؟ بالنظر إلى حروب الوكالة والصراعات الأهلية التي تهدد الفوائد الاقتصادية للتعاون الصيني مع دول الشرق الأوسط، ومنه إلى تساؤلات، حول ثبات أو تغير العلاقات الصينية في المنطقة، والدور الأمني الذي تسعى الصين إلى لعبه في المستقبل، في المنظورَين الصيني والشرق أوسطي.


بحسب مركز التمويل والتطوير الأخضر، استحوذت الدول الإفريقية والشرق أوسطية على حصة كبيرة من المشاركة الصينية لمبادرة الحزام والطريق في عام 2021، ارتفعت من 8% في عام 2020، إلى نحو 38% عام 2021. كما زادت الدول العربية والشرق أوسطية نسبة الاستثمار بنحو 360% ومشاركة البناء بنسبة 116% مقارنةً بعام 2020. وكان العراق الدولة التي لديها أعلى حجم بناء، بنحو 10.5 مليارات دولار أمريكي، وأضحى ثالث أهم شريك في مبادرة الحزام والطريق في مجال الطاقة بين عامي 2013 و2021.
يتعاون العراق مع الصين في مجال النفط والغاز والطاقة الشمسية بعقود تتجاوز مليارات الدولارات، كمحطة الخيرات لتوليد الطاقة بالنفط الثقيل وتطوير حقل غاز المنصورية ومشروع الطاقة الكهروضوئية بقدرة 2 غيغا واط. كما تم الإعلان عن أربعة مشاريع إنشائية متعلقة بالطيران في عام 2021، تبلغ قيمتها نحو 810 ملايين دولار أمريكي، مثل إعادة تأهيل مطار الناصرية الدولي في العراق.
ينضوي العراق ولبنان وسوريا، مع العديد من دول المنطقة في المشروع الصيني العملاق، نظراً إلى أهميتها الجيو-سياسية
ووفقاً لتقارير نظم المعلومات ، تشارك الصين الآن في إعادة إعمار سوريا. وبالرغم من القوة الروسية المهيمنة في سوريا، لكنها لا تستطيع منافسة الشركات الصينية في بناء الموانئ والطرق وخطوط السكك الحديدية، والمدعومة بموارد مالية غير محدودة. في 12 كانون الثاني/ يناير 2022، تم توقيع مذكرة تفاهم بين السفير الصيني ورئيس المجلس الوطني السوري بشأن المشاركة في مبادرة الحزام والطريق. وينضوي العراق ولبنان وسوريا، مع العديد من دول المنطقة في المشروع الصيني العملاق، نظراً إلى أهميتها الجيو-سياسية، بما تشكّله من عقدة وصل ومنصات انطلاق برية أو بحرية إلى دول أخرى.

مركزية الشرق في المبادرة

مبادرة الحزام والطريق، التي تم الكشف عنها عام 2013، تقوم على إحياء مشروع طريق الحرير القديم من أجل تعزيز الترابط والاعتماد المتبادل بسبب التغيرات الهائلة في الاقتصاد العالمي والتوازنات الجيو-سياسية في العالم، حسب الدبلوماسية الحديثة. تهدف الصين من خلال المبادرة إلى الوصول إلى أسواق جديدة، وتأمين سلاسل التوريد العالمية، التي ستساعد بدورها في توليد نمو اقتصادي صيني مستمر، وتالياً المساهمة في الاستقرار الاجتماعي في الداخل.
ولوقوعها على مفترق طرق ثلاث قارات، مع امتلاكها مخزوناً هائلاً من الطاقة وإشرافاً على ممرات التجارة الدولية، تكتسب منطقة الشرق الأوسط أهميةً خاصةً بالنسبة إلى المبادرة الصينية. وهي بذلك أسواق محتملة للصين من حيث الموارد وبوابة للأسواق الأخرى في العالم الدولي. وهذا ما حدا بالصين إلى زيادة مشاركتها الاقتصادية والإستراتيجية والدبلوماسية مع دول المنطقة، والتي تمدّها بأكثر من 40% من وارداتها من النفط، وتُعدّ مزوّدها الرئيسي بالغاز الطبيعي المسال.
وتشكل موانئ خليفة الإماراتي، والدقم العُماني، وجيزان السعودية، وبورسعيد المصري، والعين السخنة في جيبوتي، جزءاً من هذا المشروع. كما ترجّح دراسة موسعة تحت عنوان "لعبة الصين الكبرى في الشرق الأوسط"، في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن تلعب الشركات الصينية دوراً رئيسياً في مشاريع إعادة الإعمار في العراق وسوريا واليمن.
وبحسب صحيفة الوطن السورية، تضمنت مذكرة التفاهم الموقعة مع حكومة دمشق، في إطار مبادرة الحزام والطريق، مقترحات لربط مجموعة من الطرق البحرية والبرية، لتسهيل التبادل التجاري مع الدول المجاورة، وإنشاء مناطق تجارية ومحطات لتوليد الكهرباء، ما يسهم في مشاركة الشركات الصينية في مرحلة إعادة الإعمار مع التغلب على العقوبات الغربية المفروضة على سوريا.
تقول الباحثة في شؤون الشرق الأوسط وأمريكا، روان رجولة: "تبنّت الصين مبادرة الحزام والطريق الاقتصادية في 2013، وحينها كانت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تمرّ برياح الربيع العربي، وهو ما كان مشجعاً للصين في تقديم نفسها كشريك اقتصادي لبعض هذه الدول، لا سيما الجزائر ومصر والمغرب. ولعل المنافسة التجارية والاقتصادية هي العنوان الأصح لتوصيف العلاقات بين واشنطن وبكين، ولكن مع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وإعادة ترتيب الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الخليج العربي، وُلد فراغ سياسي ملأته الصين معتمدةً على ميزة تنافسية اقتصادية، بالإضافة إلى كونها المستورد الأول للنفط السعودية والإيراني". 
قد لا تسعى الصين إلى لعب دور سياسي منافس لأمريكا في المنطقة، لكنها بكل تأكيد لديها ميزة تنافسية تتفوق على واشنطن فيها, فما هي هذه الميزة وكيف ستستغلها بكين لتمتين حضورها؟
وتضيف في حديثها إلى رصيف22: "لا تسعى الصين إلى لعب دور سياسي منافس لأمريكا في المنطقة، لكنها بكل تأكيد لديها ميزة تنافسية تتفوق على واشنطن فيها، كونها ترتبط بمصالح مع دول لا تمتلك واشنطن علاقات تنافسيةً معها، ومنها إيران والسعودية".
برأيها، "انكفاء واشنطن والتذبذب في علاقتها مع حلفائها وأصدقائها التقليديين في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، جعلا الفرصة سانحةً للصين لرعاية اتفاق بين طهران والرياض والقيام بدور الضامن فيه. إلا أن قدرة الصين العسكرية على فرض هذه الضمانات في حال أخلّ أحد الطرفين بها تبقى موضع تساؤل".
"في العراق، حاولت الصين الدخول على الخط ولكن هذا الأمر ليس بالأمر السهل، بسبب وجود هيمنة أمريكية لا زالت تتحكم به، والأمر كذلك في لبنان والأردن. أما في سوريا، فترى الصين في الساحل السوري منفذاً لها على البحر المتوسط، ولكن هذا الأمر مرتبط بقدرة دول إقليمية كبرى كالسعودية وإيران على ضبط الاستقرار والأمن بحيث تضمن الصين مصالحها الاقتصادية والاستثمارية"، بحسب رجولة.
ووفقاً لموقع الجزيرة، الهدف الرئيسي للصين في العراق هو طريق الحرير، نظراً إلى تقليل الجغرافيا العراقية لكلفة النقل، من إفراغ البواخر الصينية حمولتها في ميناء الفاو، ومن ثم نقلها عن طريق السكك الحديدية إلى البحر الأبيض المتوسط (لبنان وسوريا)، أو إلى تركيا، مما ينعكس إيجاباً على السلع الصينية المصدَّرة إلى أوروبا وتكون المنافسة واقعيةً، مع تنافس كبير بين الدول لجني ثمار هذا المشروع.
سياسة الصين في الشرق الأوسط، إن وُجدت، محفوفة بعدم الاتّساق الإستراتيجي، بحسب مركز بروكنغز، لكونها ترتكز على الاقتصاد والطاقة والمعاملات من دون وجود إطار شامل. فالصين تفصل ملفات الاقتصاد والطاقة عن القضايا الجيو-سياسية للمنطقة. في حين أن المسائل السياسية الرئيسية في المنطقة متنازع عليها بشدة، والتوترات الجيو-سياسية فيها آخذة في الارتفاع، مما يجعل النهج الصيني غير مستدام.
في المقابل، ينظر العالم الغربي إلى الوجود الصيني في الشرق الأوسط، ضمن أهداف إستراتيجية وسياسية موازية للأهداف الاقتصادية، بحسب جريدة الاقتصادية، فتغيير البعد السياسي والاقتصادي والعسكري للنظام الديمقراطي الليبرالي الغربي، يشكل الهدف النهائي لمشروع الحزام والطريق الصيني.
تقول أستاذة العلوم السياسية في جامعة بني سويف، والخبيرة المصرية في الشؤون السياسية الصينية والآسيوية، نادية حلمي، إن "الصين تسعى إلى تعزيز مكانة 'الإيوان' الصيني عالمياً، ضمن جهودها لتدويل عملتها المحلية في تسوية التعاملات التجارية الصينية مع الدول الأعضاء في مبادرة الحزام والطريق، كما تطرح نفسها لاعباً أساسياً في منطقة الشرق الأوسط، في إطار نظام تسعى فيه القوى الدولية كافة باستثناء أمريكا، إلى أن يكون نظاماً دولياً متعدد الأقطاب. وعليه، فالتدخل الصيني في المنطقة لم يعد مسألةً اختياريةً لبكين، بل بات مسألةً ضروريةً لحماية مصالحها مع حصول الصين على أكثر من نصف وارداتها النفطية من منطقة الشرق الأوسط وإيران".
وتضيف حلمي، في حديثها إلى رصيف22: "بدأت الصين بالفعل في تنفيذ مشاريع بنية تحتية لإعادة إعمار العراق وسوريا ما بعد داعش، وربط كلٍّ من العراق وسوريا بطريق الحرير الصيني، مع حرص كذلك على المشاركة عبر قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في لبنان، وتعيين عدد من المستشارين العسكريين في سوريا".
تغيير البعد السياسي والاقتصادي والعسكري للنظام الديمقراطي الليبرالي الغربي، يشكل الهدف النهائي لمشروع الحزام والطريق الصيني
وتلفت إلى أنه "في إطار مبادرة الحزام والطريق، تحركت الصين بالفعل تحركاً إستراتيجياً محسوباً نحو لبنان، للاستحواذ على مشاريع اقتصادية ضخمة فيه (لا شيء محسوماً إلى الآن)، بعد تدهور الوضع الاقتصادي فيه منذ عام 2019، ومناشدات البعض إياها للمساعدة. وفي سوريا سعت روسيا منذ فترة طويلة إلى الحصول على دعم صيني لإعادة إعمار سوريا".

انقلاب دبلوماسي صيني

قوّض التنافس السعودي الإيراني طموحات الصين الاقتصادية في المنطقة، ومن خلال وساطتها للاتفاق السعودي الإيراني، تهدف الصين، بالتوازي مع أهدافها الاقتصادية، إلى لعب دور سياسي مؤثر في المنطقة بديل للدور الأمريكي الراسخ فيها. وهو ما تراقبه واشنطن، من خلال قياس حجم النفوذ السياسي الصيني على الرياض وطهران بشكل خاص، وجميع أنحاء الشرق الأوسط بشكل عام. ووفقاً لحمدان خان في الدبلوماسية الحديثة، سبق رعاية الصين للاتفاق، طرحها مبادرةً لوقف الأعمال القتالية في أوكرانيا، في محاولة لتقديم نفسها كصانع سلام في مناطق النزاع. مما يُشير إلى إقدام الصين على البحث عن دور سياسي عالمي والانخراط في تحمل المسؤوليات السياسية العالمية.
بحسب حلمي، هناك مؤشرات على استعداد دول المنطقة، وبالأخص دول الخليج، لاستكشاف ترتيبات أمنية مستقبلية بديلة ممثلة في "هيكل أمن جماعي"، يجمع اللاعبين الإقليميين الرئيسيين في المنطقة مع لاعبين دوليين من خارج الإقليم، وعلى رأسهم الصين وروسيا. وهو ما حذّر منه تقرير صادر عن الكونغرس الأمريكي، نتيجة استخدام بكين لموانئ إيران والخليج العربي مع موانئ الشرق الأوسط، لإنشاء قواعد عسكرية صينية.
وتقول: "تأتي المصالحة السعودية الإيرانية بوساطة صينية، بمثابة خطوة نحو انخراط أمني وسياسي لبكين في المنطقة الشرق الأوسط، فيما يدور الآن نقاش أكبر في بكين حول اضطرارها إلى مواجهة دور أمني أكبر لحماية مصالحها في المنطقة ولتوسيع دائرة حلفائها وأصدقائها وشركائها الإقليميين لمواجهة النفوذ الأمريكي. ويشمل هذا الانخراط الدعم الصيني المتواصل لمواقف الجامعة العربية حول النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، حيث العادة الصينية في الأمم المتحدة هي التصويت لصالح القرارات المؤيدة للقضية الفلسطينية والمعادية بدورها لإسرائيل".
ويقول متابعون، إن زيادة التوتر بين إيران وخصومها الجيوسياسيين بعد حوادث مضيق هرمز عام 2019، دفعت الصين للاضطلاع بدور أمني أكبر لحماية حرية الملاحة البالغة الأهمية لأمنها في مجال الطاقة (البيان الثلاثي للمصالحة السعودية الإيرانية يصدّق هذا التقدير)، كذلك إعلان السفير الصيني لدى الإمارات حينها أن الصين قد تشارك في عمليات الأمن البحري في المضيق، بالإضافة إلى الإعلان عن مناورات بحرية مشتركة مع إيران وروسيا في بحر عمان وشمال المحيط الهندي من قبل مصادر إيرانية، وهي إعلانات لم تكن واردةً قبل سنوات.
وتدخل الصين من الباب الاقتصادي للتأثير على القرار السياسي، وربما العسكري، بحسب المستشار الاقتصادي، الدكتور أسامة القاضي، وبالنظر إلى شراكتها الإستراتيجية مع إيران، فقد تناول قسم منها وجود قاعدة صينية بخمسة آلاف جندي صيني في إيران، من أجل حماية المنشآت الصينية، ما يدل على أن المطلب اقتصادي والهدف سياسي.
ويضيف القاضي، في حديثه إلى رصيف22: "لا يزال التواجد الصيني في دول المنطقة متواضعاً، فالأخيرة لا تستطيع الاستغناء بشكل تام عن واشنطن. لكن بإمكان بكين تغطية بعض الفراغات الإستراتيجية في السياسة الأمريكية، وذلك بسبب غياب مشروع إستراتيجي أمريكي وعدم وضوح رؤيتها للمنطقة، وهو ما يفسر توافد المسؤولين الأمريكيين إلى المملكة، بمجرد اقتراب الرياض خطوةً في اتجاه الصين، والطلب من الرياض مراعاة المصالح والمشاريع الأمريكية".

التخلي عن دور الراكب المجاني

يجادل عدد متزايد من الخبراء الصينيين، بأن بلادهم يجب أن تتخلى عن صورتها كمستفيد مجاني وأن تزيد من وجودها العسكري في المنطقة. المشاركة الأكبر ضرورية لحماية المصالح الاقتصادية الصينية ضمن رغبتها في تحدي الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط ومناطق أخرى، مما يؤشر على أهمية متزايدة للشرق الأوسط، ضمن الأهداف السياسية والإستراتيجية الصينية، ومع استمرار نمو مشاركة الصين الاقتصادية والدبلوماسية في الشرق الأوسط، بحسب دراسة المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، يبدو أن التعاون الأمني سوف يتبع ذلك قريباً، وهو ما تعارضه واشنطن، برغم انتقادها الاستفادة المجانية من قبل الصين في المنطقة، إلا أن وجوداً عسكرياً للصين في المنطقة غير مرحب به أمريكياً على الأرجح.
قد تنخرط بكين بعمق في بلدان الشرق الأوسط بعد الحرب، فتدفع بمفهوم السلام التنموي بديلاً من السلام الديمقراطي الغربي، بحجة أن السبب الجذري لانعدام الأمن الإقليمي هو الركود الاقتصادي، فهل تنجح وكيف؟ 
وتشير الدراسة أيضاً إلى أنه "في الوقت الذي تلعب فيه موسكو والعواصم الغربية دوراً مهماً في صراعات العراق ولبنان وليبيا وفلسطين وسوريا واليمن، قد تنخرط بكين بعمق في هذه البلدان بعد الحرب، وتحركها نحو إعادة الإعمار. إذ تدفع بكين بمفهوم السلام التنموي بديلاً من السلام الديمقراطي الغربي، بحجة أن السبب الجذري لانعدام الأمن الإقليمي هو الركود الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة، وضعف البنية التحتية، والنمو السكاني السريع، وهجرة الأدمغة بدلاً من العجز في الديمقراطية.
خلال الدورة الثانية من "منتدى أمن الشرق الأوسط"، أعلنت الصين في أيلول/ سبتمبر 2022، عبر وزير خارجيتها وعضو مجلس الدولة الصيني حينذاك، وانغ يي، مقترح بناء هيكل أمني جديد في الشرق الأوسط، بحسب حلمي، يقوم على أمن "مشترك وشامل وتعاوني ومستدام"، مع ترسيخ المكانة القيادية لدول الشرق الأوسط بعيداً عن "اللاعبين المتطفلين" على المنطقة، وفق التعبير الصيني.
وهذا أيضاً ما دعا إليه الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال خطابه في القمة التي جمعت الصين بدول مجلس التعاون الخليجي في كانون الأول/ ديسمبر 2022، وهو الانضمام إلى "مبادرة الأمن العالمي"، مع تأكيده على أن الصين ودول مجلس التعاون الخليجي يجب أن يكونا شركاء في سبيل أمنهم المشترك. وهو ما يُعدّ انخراطاً أمنياً حقيقياً للصين في المنطقة، وفقاً لحلمي.
يرى سيد إنعام علي نقفي في الدبلوماسية الحديثة، استعادة العلاقات السعودية الإيرانية فرصةً واعدةً لتعزيز مصالح الصين في المنطقة، من خلال دعم الجهود الرامية إلى المصالحة والاستقرار. وستكون لهذه المصالحة تداعياتها على المنطقة، ومنها تخفيف حدة الصراع في سوريا واليمن والعراق ولبنان، وتالياً توفير آفاق كبيرة للسلام والاستقرار في المنطقة. ومشاركة الصين في الشرق الأوسط قد تكون أيضاً بمثابة جسر بين المملكة العربية السعودية وإيران، مما يسهّل العلاقات الودّية وربما يغيّر النظام الإقليمي.
وضمن رؤيته لمبادرة الحزام والطريق، قال الرئيس الصيني: "في سعينا إلى تنفيذ مشروع الحزام والطريق، لن تطأ أقدامنا السبيل القديم، سبيل الصراعات بين الأعداء، بل سنخلق نموذجاً جديداً للتعاون والمنافع المشتركة".
ينبّه القاضي إلى أهمية قناة السويس ومحوريتها في مبادرة الحزام والطريق، فالقناة أكبر نقطة تهتم بها الصين، وقد تواصلت مع الحكومة المصرية وكان هناك احتمال بأن تدار من قبل الصينيين، لولا تدخل واشنطن لمنع هذه الصفقة، التي لم تعلَن بشكل تام إلى الآن. لكن تبقى الخشية من أن تستغل الصين الوضع الاقتصادي المصري للتحكم في قناة السويس، الممر المهم بذاته، وبمحاذاته للسعودية ومصر.
"الهم الصيني اقتصادي أكثر منه سياسي أو عسكري، وهذه الحقيقة مرتبطة بشكل كبير بالوجود الأمريكي في المنطقة، وعدم ترك فراغ إستراتيجي للصينيين للدخول إليها، فيما يحاول الصينيون ولوج المداخل الاقتصادية من الخواصر السياسية والإستراتيجية الرخوة لواشنطن. إلا أن تأخّر واشنطن في الكشف/ اعتماد إستراتيجية للمنطقة، سيوسع الفراغ الإستراتيجي أمام الصين". 
--------
رصيف٢٢

عمار جلو
الجمعة 21 أبريل 2023