نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


التضادّ بين الفن والإنسانية




“أبو وديع مدرسة نتعلّم منها، يحفظ القرآن، هو قارئ وفنان مخضرم من العصر الذهبي”، بهذه الكلمات وصف الشيخ ياسر الصالح، المطرب المسيحي جورج وسوف، بعد أن تلا آيات من سورة مريم في مجلس عزاء ابنه وديع.


 
من الملاحظ أنَّ هذا العزاء فتح الباب أمام الذاكرة السورية الممتلئة بالمآسي لتذكّر العالم بنفاقهم وإنسانيتهم المجزأة، فرأينا تهافُت القنوات العربية لتجسيد هذا المصاب بأنّه “جلل”، ودموع جوقة الفنانين العرب وأخصّ بالذكر نجوى كرم التي شمّت رائحة النصر في دمشق (آب 2022)، وعابد فهد الذي ادّعى الحيادية لغاية عام 2019 عندما أهدى جائزته لجيش بشار الأسد معلناً وقوفه الرسمي معه.
صعقتهم فجيعة “أبي وديع” بابنه، بينما أجفانهم لم تهزّها مشاهد الآباء الذين فقدوا أبناءهم على يد نظام يدعمه هذا “المكلوم” الشهير بـ”سلطان الطرب”، على مدى اثني عشر عاماً من النزيف المستمر بشتى الطرق الإجرامية.
هناك مَن يستمرئ القضايا الأخلاقية، كلُّ امرئٍ حسب هواه، فالحزن الذي حلّ بأبي وديع عند فقدان ابنه وما رافقه من رقص بالتابوت على أغانيه، معيداً مشهد جنازة المطرب اللبناني جورج الراسي الذي فقد حياته غداة حفل في دمشق نهاية آب الماضي، لا يُقارن بأب يحمل أشلاء ابنه الممزقة ودموع القهر تفتك به، وبطفل التصق بالأرض يصرخ “بابا شيلني” دون وعيه بفقدان أطرافه السفلية بسبب القصف الجوي لبلدة الهبيط الإدلبية (شباط 2017) حين عجز الأب عن حمل فلذة كبده من هول الصدمة.
فواجع متعدّدة ربّما يراها أولئك الفنانون مشاهد تمثيلية، فلم تحرّكهم رؤية أب يحمل أطفاله وقد خنقهم كيماوي الأسد في مجازر خان شيخون والغوطة وحماة، ولم يدركوا مأساة أبٍ كان يعيش على أمل بقاء ابنه على قيد الحياة لتسع سنوات مضت وهو يظنّه في السجن حتى رآه يقع في جورة حي التضامن، بل لم يروا حال أبٍ تعرَّف على ابنه من خلال علامة دلّته عليها صورة من “صور قيصر” البالغ عددها 55 ألف صورة لمعتقلين تلذّذ الجلاد بعذابهم قبل صعود روحهم.
لعلّ أخلاقنا تمنعنا من الشماتة، لكنّها تُوجب علينا التذكيرَ بمواقف كهذه تتجلّى عظمتها بوعد الله تعالى بأن ينتقم من الظالمين، ويسقى كلّ ساقٍ ما سقى.
وفي النظر لحياة جورج وسوف (61 عاماً) نجد الحقيقة مغايرة تماماً لما تصفه الصحافة العربية، فمن يقف إلى جانب المجرم هو حتماً مجرم مثله حتى لو لم يُمارس طقوس القتل والتعذيب فعلياً، فوفاة فلذة كبده ورفيق دربه بمضاعفات عملية تكميم معدة للتخفيف من الوزن الزائد، أعاد السوريين إلى مطلع عام 2016 حين كان أبناءُ مضايا والزبداني يصرخون جوعاً، أولئك المحاصرين في بقعة جغرافية أنهكها القصف والرصاص، ردَّ عليهم موالون للأسد بالتباهي بالطعام الذي باتوا يتشهّون عليه حالياً، فكانت لصورة جورج وهو يستهزئ بجوع المحاصرين، الوقع الأبرز.
من زاوية أخرى، نتساءل هل بات دعاة الرذيلة من الفضلاء؟ كيف لشخص مارس التشبيح والأعمال غير الأخلاقية منذ نعومة أظفاره، وباعترافه في مقابلة مصوّرة أنَّه تزوج شاليمار أم وديع بمساعدة عناصر أمن الأسد وتحت التهديد، أن يكون من أهل الصلاح والتقوى؟
بينما يسرد معتز سمسمية، قصة إفلاس أحد تجار دمشق بسبب احتيال جورج وسوف عليه كونه يشتري من معرضه سيارات بشيك بلا رصيد، بل ويتباهى وسوف بإهداء السيارات لمعارفه من النساء على حساب هذا التاجر، والأنكى من ذلك أنَّ التاجر الضحية بات مُلاحَقاً من أجهزة الأمن كونه طالب بحقه من صديق ماهر الأسد المقرّب، فهرب بنفسه وعاش متوارياً عن الأنظار في درعا، بعد أن كان من أكبر تجار دمشق.
وهذا كلّه لأنَّه وَثِقَ بهذا المطرب المعروف بكرمه ودماثته للمقربين منه وبورعه وتقاه وحفظه للقرآن من جهة، وحقده وتشفيه بمن يخالف نظامه المجرم من جهة أخرى، والذي تُجسّد حالتُه أحدَ أشكال العيش في “سورية الأسد”، فأنت تصبح محكوماً بالإعدام إن حاولت المطالبة بحقك من محسوبين على السلطة.
أمثال جورج يشكّلون صورة المجتمع التي يريدها النظام، فالمستبد يدرك دائماً أنَّ الإعلام وسيلة للسيطرة على الشعوب سواء تقدمت أو تخلّفت، فهؤلاء الفنانون يخدمون النظام بتخدير المجتمع المحلي ويؤدون دوراً مهماً في تلميع صورته خارج البلد.
في المقابل لا يحظى الفنان بدعم حكومي إلا إذا كان بوقاً من أمثال سلاف فواخرجي ووسوف الذي باتت قيمته تقارن بالفئة الحاكمة إذ رأينا كيف أوقف التلفزيون السوري برامجه ليبث جنازة وديع مباشرة، في ظاهرة لم نَرَها سوى بوفاة باسل وحافظ الأسد، على عكس وفاة فنانين لم يدعموا الأسد فكانت وفاتهم مجرد خبر عابر على التلفزيون، ومنهم حاتم علي ونجاح حفيظ وخالد تاجا وحسن دكاك وتوفيق العشا وغيرهم.
هناك فنانون ما زالوا في سورية ويؤيدون الأسد، لكنّهم يعانون الفقر ويشكون سوء الخدمات وتتكرّر تصريحاتهم الساخطة من الوضع المعيشي الذي بات في الحضيض، ومؤخراً ظهرت الممثلة سوسن علي مع المذيع شادي حلوة وهي بأسوأ حالاتها ودموعها تشكو فقر الحال ما اضطرها للعمل مستخدمة في مديرية التربية بمدينة حلب رغم حيازتها لشهادة جامعية وسجل أعمال فنية، وقبلها ظهر الممثل وضاح حلوم بمظهر الميّت الذي يستغيث “الرئيس” بأنَّ الحلّ عنده.
الفن بكافة أشكاله ينبع من إحساس مرهف ووظيفته إنسانية تكمن في إسعاد الناس، لكن منهم مَن ينسلخ عن إنسانيته فيستخدم فنّه للتعبير عن صوت الحاكم لينال الدعم منه، ومَن حافظ على إنسانيته من فنانين لدعم صوت الناس قد اعتُقل أو مات أو نُفي خارج سورية. وفي الحقيقة الفن والإنسانية متلازمان، لكن التضاد بينهما يطفو على السطح، فالفنان ليس بالضرورة أن يكون إنساناً في الواقع السوري
-------
نداء بوست

 


عائشة صبري
الاثنين 16 يناير 2023