نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


التشرذم والشلليّة في الوسط الثقافي الثوري أو المعارض




لعله من الميسّر للمتابع للشأن السوري منذ انطلاقة الثورة السورية، أن يستنتج الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي تكمن وراء تشرذم القوى السياسية من أحزاب وتجمعات، قدمت نفسها على أنها ممثل للشعب السوري وثورته، وعدم استطاعتها التوحّد تحت مظلة تجمّع سياسي واحد في مشروع وطني يمثل جميع السوريين، لكن بالمقابل، فإنه من العسير جداً أن يجد المتابع نفسه الأسباب التي تكمن وراء تشرذم المثقفين السوريين الأحرار وانقسامهم على عدد من التجمعات والاتحادات التي يدّعي كلٌّ منها أنه صوت الثورة ووجدانها.


 
فبالنظر إلى حالة القوى السياسية الممثلة للثورة وتشرذمها، فإننا نركن إلى أن أهم أسباب تشرذمها وانقسامها هو تغليب أغلبها المصلحة الخاصة الضيقة على المصلحة العامة، أضف إلى ذلك الاختلاف الأيديولوجي فيما بينها، ولئن أردنا أن نجد ما يبرر ذلك الخلاف، مع أنه لا مبرر مقنعاً في الحقيقة، فإن مرد كل ذلك إلى أن أغلب السياسيين بطبيعتهم يتحدثون بلغة المصالح بعيداً عن المثل العليا، وأن الذي يدفعهم إلى الأمام أو يكبحهم ويردهم إلى الخلف هو المصلحة، ولا مكان للعاطفة في حياتهم وعملهم، لذلك نستطيع على مضضٍ تبرير تشرذم القوى السياسية للثورة والمعارضة وعدم استطاعتها التعالي على مصالحها الخاصة في سبيل تحقيق الصالح العام.
لكن لو عدنا إلى الشأن الثقافي وأربابه المثقفين الأحرار، لوجدنا حسب الأصل لهذا الجانب من الحياة والمجتمع، أن هذا الشأن يجب أن يكون بعيداً كل البعد عن المصالح الضيقة الخاصة، وأنه الممثل الشرعي لعالم المثل العليا، فالمثقف الحر لا يحركه إلا الإنسان فيه، وهدفه الأبعد دائماً تحقيق المجتمع الحلم القائم على تمجيد كل جمال وفضح كل قبيح انطلاقاً من إيمانه بالمثل العليا في الحياة، وانطلاقاً من ذلك، فيجب أن يكون أرباب هذا الشأن متحدين في نظرتهم للحياة والمجتمع، وعليه فإنه من الطبيعي أن تجدهم في تجمّع واحد يجمعهم جميعاً، لا في تجمعات عديدة كما يحدث في الشأن الثقافي السوري الممثل للثورة والمعارضة.
فالسؤال المطروح هنا، ما الذي وراء عجز المثقفين السوريين الأحرار عن تشكيل اتحاد كتّاب واحد بديل عن الاتحاد التابع لنظام الأسد؟ فظهرت عدة تجمعات بأسماء مختلفة، منها (اتحاد الكتّاب والأدباء السوريين الأحرار (تركيا)، رابطة الكتّاب السوريين (أوروبا)، اتحاد كتاب سورية الأحرار (الداخل السوري)، وهنا نجد أنفسنا أمام مفارقتين:
الأولى، هو أنه من المفروض أن جماعة المثقفين ليس لديهم طموحات سلطوية، أو هم بعيدون عن ألاعيب السياسة ومطباتها، فالواجب أن يكون العامل في قطاع الثقافة على درجة أرقى من الوعي، فلماذا لم يستطع المثقفون السوريون الأحرار استثمار هذا الوعي الجديد للثورة السورية وتشكيل جسم أدبي واحد جديد يمثل الثورة في مقابل الاتحاد التابع للنظام؟. والمفارقة الثانية، هي أنّ الواقع يقول إن حركة الثقافة توازي حركة السياسة، والناتج لكلا الحقلين واحد، فكما إن هناك في الجانب السياسي عدة مسارات وعدة تجمعات وأحزاب، فكذلك ظهر في الجانب الثقافي عدة تجمعات واتحادات كتاب وأدباء، ولا شكّ أن هذا التشتت وهذا التشرذم هو مقتل الثورة السورية؛ لأن الذين تصدروا المشهد لم يكونوا على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهم.
فهل الفشل في الحقل السياسي انتقل بالعدوى إلى الحقل الثقافي؟ أليس الوعي الجديد الذي أفرزته الثورة السورية جديراً لأن يكون هو الملهم للمثقفين السوريين الأحرار بأن يتجاوزوا ألاعيب السياسة والسياسيين، ويكونوا أرقى وأكثر غيرة على المصلحة العليا للوطن والثورة؟ 
ولعلي لا أبعد كثيراً عن الحقيقة إن أردت استجلاء الأمر ومحاولة سبر الأسباب لهذا التشرذم والشللية، فأجد أن الإجابة تكمن في كون كثير من هؤلاء الأدباء والمثقفين عموماً يعيشون حياتين منفصلتين لا تشبه إحداهما الأخرى، بل ربما تكون الواحدة منها مناقضة للأخرى.
فكثير من الأدباء والشعراء خصوصاً يعيشون على الورق حياة المثل العليا، فتجد نفسك وأنت تقرأ لهم أنك أمام إنسان مثال خالٍ من العيوب، بل يتصف كلياً بالجمال، فترسم في ذهنك صورة وردية لهذا الأديب والشاعر، فإذا ما جمعتك الصدفة به وعرفته عن قرب وتعاملت معه، فإنك ستتفاجأ بكمّ القيح الذي يتفصّد من جوانبه، فلا تكاد تصدق ما ترى عيناك وما تسمع أذناك، وهنا تصبح الصورة أو اللوحة المرسومة في ذهنك له مشوّهة بعد أن حطّمتها الحياة الأخرى التي يعيشها هذا الأديب في واقعه واطلعت عليها بمخالطتك إياه.
ولهذا وغيره أجد نفسي مدفوعاً إلى أن أرجع أسباب تشرذم وشللية هؤلاء المثقفين وعدم قدرتهم على تشكيل جسم ثقافي واحد يمثل الثورة، فهم على الورق مثاليون وإنسانيون، وفي الواقع هم بشر مثل كل البشر ترسم خطاهم المصالح والمنافع الشخصية.. إلا من رحم الله. لكن رغم كل هذا أليست التضحيات العظيمة للشعب السوري العظيم جديرة بأن تكون حافزاً لهؤلاء المثقفين لأن يكونوا على قدر المسؤولية التاريخية، فيترفّعوا عن الشللية والمحسوبية المستشرية في مؤسسات النظام، ويقدموا أنموذجاً ثقافياً ثورياً مشرفاً للشعب وثورته؟ 
سؤال سيبقى مطروحاً لعله يجد إجابة في يوم من الأيام.
---------
 أورينت نت -

علي صالح الجاسم
الاربعاء 9 غشت 2023