سجّل الحربين العالميتين حافل بالحطّ من كرامة المدنيين العزّل من قبل الجيوش المشتركة فيهما من دون استثناء، حتى أن الأيام الأخيرة للحرب العالمية الثانية، شهدت اعتداءات جنسية لا حصر لها من قبل الجيوش المنتصرة بحقّ النساء في البلدان المهزومة، وكان لا بدّ أن يقوم المشرّع الدولي، بعد تأسيس الأمم المتحدة، بتناول حقوق المدنيين أثناء الحروب والنزاعات، كتعبير عن فتح صفحة جديدة في التاريخ، تؤكد ضرورة الفصل بين العسكري والمدني، للحدّ من همجية الحرب من جهة، وتحديد مجالها في النطاق العسكري/ الحربي من جهة، وأيضاً، لإيجاد خطّ أحمر ينبغي الالتزام به من قبل القوات المتحاربة، في حال وجود أطراف تنتمي للأمم المتحدة، أو من قبل قوات الاحتلال.
لم يكن سهلاً أمام المشرّع الدولي أن يحيط بمختلف الحالات التي تفرزها الحرب، وهو ما تظهره بشكلٍ جلي «اتفاقية جنيف الرابعة»، الموقعة في 12 أغسطس/ آب 1949، والتي تضمّنت عبر 4 أبواب، و159 مادة، مختلف الحالات والتفاصيل والملابسات المتعلقة بحماية المدنيين أثناء الحروب، وأخذت بالحسبان حالة وجود طرف في الحرب، لم يوقع على الاتفاقية، حيث إنها لا تعفي الأطراف المشتركة في الحرب ذاتها، والموقّعة على الاتفاقية، من الالتزام بالاتفاقية، وهو ما جاء بشكل صريح في المادة الثانية من الباب الأول «وإذا لم تكن إحدى دول النزاع طرفاً في هذه الاتفاقية، فإن دول النزاع الأطراف فيها تبقى مع ذلك ملتزمة بها في علاقاتها المتبادلة. كما أنها تلتزم بالاتفاقية إزاء الدولة المذكورة إذا قبلت هذه الأخيرة أحكام الاتفاقية وطبقته».
في العدوان الإسرائيلي على مدنيي غزة، بعد «طوفان الأقصى»، آلاف الأمثلة على انتهاك إسرائيل ل«اتفاقية جنيف الرابعة»، إذ إن كون معظم الضحايا هم من المدنيين (أطفال ونساء خصوصاً) من الأطفال والنساء، والذين بلغ عددهم نحو 30 ألفاً، يجعل من المؤكد وجود انتهاك إسرائيلي صارخ ل«جنيف الرابعة، لكن ليست هذه فقط النقطة المفصلية في عملية الانتهاك الدولي لحقوق المدنيين الفلسطينيين، فالدعم الدولي غير المحدود من قبل دول موجودة في مجلس الأمن والأمم المتحدة لإسرائيل، وتجاهل مسألة المدنيين، هو المسألة بحدّ ذاتها، فاستمرار استهداف المدنيين الفلسطينيين لم يكن ممكناً من قبل إسرائيل، لولا وجود هذا الدعم الاستثنائي، بل ومعرفتها المسبقة بأن القوة المساندة لها، تحديداً في الغرب، سوف تسعى إلى طمس قضية المدنيين، والتركيز على تفاصيل أخرى، تخدم السياسات الإسرائيلية، وتمنحها ضوءاً أخضر في متابعة حربها.
المادة 18 من «اتفاقية جنيف الرابعة»، تابعنا جميعاً، وعبر الفضائيات، لحظة بلحظة، كيف انتهكت من قبل الجيش الإسرائيلي، حيث تنصّ المادة على أنه «لا يجوز بأي حال الهجوم على المشافي المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء النفاس، وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات»، فعلى مدار أسابيع، بقيت إسرائيل تقوم بقصف المشافي المدنية، ومنعها من التزوّد بإمدادات الطاقة الضرورية لعمل أجهزتها، أو الإمدادات الطبية، لضمان حياة المرضى، إضافة إلى استهداف المدنيين الذين احتموا بتلك المشافي، ظنّاً منهم بأنهم سيكونون في مأمن من القصف الإسرائيلي، نظراً لوقوع المشافي تحت بند حماية المدنيين في «اتفاقية جنيف الرابعة».
خلال العامين الماضيين، ركّز الغرب على الانتهاكات الروسية بحقّ المدنيين في أوكرانيا، وهو أمر ضروري، بغضّ النظر عن الموقف من طرفي النزاع، روسيا وأوكرانيا، وقد جعل منها أولوية سياسية وإعلامية، لكن في العدوان الإسرائيلي على غزة، التي تحوّلت معظم مبانيها ومرافقها الخدمية والتعليمية إلى أنقاض، ونزح معظم سكانها إلى رفح، التي تهدّد إسرائيل باقتحامها، فإن الغرب يبدو عاجزاً، ليس فقط عن وقف انتهاك حياة المدنيين، بل متجاهلاً لها، ومتجاهلاً معها «اتفاقية جنيف الرابعة» التي يعدّها انتصاراً للقيم الغربية والإنسانية.
-------
الخليج
لم يكن سهلاً أمام المشرّع الدولي أن يحيط بمختلف الحالات التي تفرزها الحرب، وهو ما تظهره بشكلٍ جلي «اتفاقية جنيف الرابعة»، الموقعة في 12 أغسطس/ آب 1949، والتي تضمّنت عبر 4 أبواب، و159 مادة، مختلف الحالات والتفاصيل والملابسات المتعلقة بحماية المدنيين أثناء الحروب، وأخذت بالحسبان حالة وجود طرف في الحرب، لم يوقع على الاتفاقية، حيث إنها لا تعفي الأطراف المشتركة في الحرب ذاتها، والموقّعة على الاتفاقية، من الالتزام بالاتفاقية، وهو ما جاء بشكل صريح في المادة الثانية من الباب الأول «وإذا لم تكن إحدى دول النزاع طرفاً في هذه الاتفاقية، فإن دول النزاع الأطراف فيها تبقى مع ذلك ملتزمة بها في علاقاتها المتبادلة. كما أنها تلتزم بالاتفاقية إزاء الدولة المذكورة إذا قبلت هذه الأخيرة أحكام الاتفاقية وطبقته».
في العدوان الإسرائيلي على مدنيي غزة، بعد «طوفان الأقصى»، آلاف الأمثلة على انتهاك إسرائيل ل«اتفاقية جنيف الرابعة»، إذ إن كون معظم الضحايا هم من المدنيين (أطفال ونساء خصوصاً) من الأطفال والنساء، والذين بلغ عددهم نحو 30 ألفاً، يجعل من المؤكد وجود انتهاك إسرائيلي صارخ ل«جنيف الرابعة، لكن ليست هذه فقط النقطة المفصلية في عملية الانتهاك الدولي لحقوق المدنيين الفلسطينيين، فالدعم الدولي غير المحدود من قبل دول موجودة في مجلس الأمن والأمم المتحدة لإسرائيل، وتجاهل مسألة المدنيين، هو المسألة بحدّ ذاتها، فاستمرار استهداف المدنيين الفلسطينيين لم يكن ممكناً من قبل إسرائيل، لولا وجود هذا الدعم الاستثنائي، بل ومعرفتها المسبقة بأن القوة المساندة لها، تحديداً في الغرب، سوف تسعى إلى طمس قضية المدنيين، والتركيز على تفاصيل أخرى، تخدم السياسات الإسرائيلية، وتمنحها ضوءاً أخضر في متابعة حربها.
المادة 18 من «اتفاقية جنيف الرابعة»، تابعنا جميعاً، وعبر الفضائيات، لحظة بلحظة، كيف انتهكت من قبل الجيش الإسرائيلي، حيث تنصّ المادة على أنه «لا يجوز بأي حال الهجوم على المشافي المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء النفاس، وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات»، فعلى مدار أسابيع، بقيت إسرائيل تقوم بقصف المشافي المدنية، ومنعها من التزوّد بإمدادات الطاقة الضرورية لعمل أجهزتها، أو الإمدادات الطبية، لضمان حياة المرضى، إضافة إلى استهداف المدنيين الذين احتموا بتلك المشافي، ظنّاً منهم بأنهم سيكونون في مأمن من القصف الإسرائيلي، نظراً لوقوع المشافي تحت بند حماية المدنيين في «اتفاقية جنيف الرابعة».
خلال العامين الماضيين، ركّز الغرب على الانتهاكات الروسية بحقّ المدنيين في أوكرانيا، وهو أمر ضروري، بغضّ النظر عن الموقف من طرفي النزاع، روسيا وأوكرانيا، وقد جعل منها أولوية سياسية وإعلامية، لكن في العدوان الإسرائيلي على غزة، التي تحوّلت معظم مبانيها ومرافقها الخدمية والتعليمية إلى أنقاض، ونزح معظم سكانها إلى رفح، التي تهدّد إسرائيل باقتحامها، فإن الغرب يبدو عاجزاً، ليس فقط عن وقف انتهاك حياة المدنيين، بل متجاهلاً لها، ومتجاهلاً معها «اتفاقية جنيف الرابعة» التي يعدّها انتصاراً للقيم الغربية والإنسانية.
-------
الخليج