نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


التأسيس لإسلام دون تمذهب!





هل يمكن أن تكون مسلماً دون أن تنتمي لطائفة أو مذهب محدد؟
قبل أن أقدم وجهة نظري حول الموضوع، والتي أرى فيها أنه يمكن أن يكون الفرد مسلماً دون أن ينتمي لأي طائفة أو مذهب محدد؛ ربما يكون من المناسب إثارة بعض الأسئلة، بهدف الدفع بالنقاش نحو مساحات أكثر تحرراً من ربقِ القوالب الجامدة، والدفع قدماً نحو المساهمة في تشكيل لاهوت جديد، المسلمون في أمس الحاجة له اليوم، يجعلهم يتجاوزن الطوائف وعصبياتها وانغلاقها، ويبتكرون فقههم الخاص المتوافق مع احتياجاتهم، ويشكلون نظرتهم للكون من حولهم، ومفهومهم لمعنى الدين والوجود، وذلك من خلال البحث والسؤال الدائمين، وصولاً لبلورة وعي مدني مندمج مع الحضارة الإنسانية.



ربما يجدر السؤال عما إذا الإسلام كدين، هل هو بالفعل مكونٌ من مذاهب عدة، لا يقوم مدماكه دونها، وبالتالي فإن الخروج عن الطوائف هو تمزيق لشبكةٍ مفاهيميةٍ نسجت الفكر الإسلامي طوال قرون خلت؟
ماذا عن الإسلام البكر، النواة الأولى، كما كان في عهد محمد بن عبد الله، حين أعلن دعوته في مكة، وواصل العمل والجهر برسالته وبناء الدولة الأولى في المدينة؛ أين ذهبت تلك الحنيفية السهلة السمحاء، ولماذا لا يمكن للمسلم اليوم إلا أن يكون ضمن خيارات محددة، سنية أو شيعية، تتفرع منها مدارس: حنفية، حنبلية، شافعية، مالكية، زيدية، إثنا عشرية، إسماعيلية، أباظية.. وسواها من المذاهب التي أتت في وقت لاحق، ولم يكن لها وجود في صدر الإسلام!
هل هذه الفروع التي تشعبت عن الأصل، هي امتداد طبيعي له، أم مجرد اجتهادات بشرية، تم إضفاء صفة القداسة عليها، وأصبحت مع الزمن كالأقفاص التي حبست المسلمين وجمدتهم في رتابة من الفكر والعمل؟
ألا يمكن أن تكون تلك المذاهب بمثابة الطرق المتعددة التي تقود إلى المحمدية الخالصة؟ وإذا كانت كذلك، لماذا تم تحديدها في الفرق المشار إليها أعلاه وأخواتها، وتوقف الأمر عندها، ومنع الاجتهاد الأكبر على من أتى بعد هؤلاء الأئمة القادة للمذاهب، وكأنهم منتهى الحكمة، ومن دونهم من العلماء يدورون في فلكهم، ولا يخرجون عن خطوطهم الرئيسة، حتى إن اجتهدوا، فهم يبقون ضمن دائرة المدرسة الواحدة للفقيه أو الإمام صاحب المذهب ومن له النسبة؟
هل التشيع أو التسنن، هما النموذجان القائمان للإسلام اليوم، وأي نماذج مختلفة تعدُ هرطقة لا يدخلُ صاحبها في عداد المؤمنين؟
ماذا لو رفض الفرد المسلم أن ينتمي لطائفة، واعتبر المذاهب مجرد محاولات لفهم الدين، لا أكثر، وبالتالي، من حق المسلمين اليوم أن يكون لهم فهمهم الخاص، الذي يتعالى على الثنائيات التي استحكمت طوال قرون.. هل سيعتبر شاقاً لعصى الجماعة وخارجاً عن دائرة المسلمين؟
على المستوى الشخصي، ومن خلال تأملٍ وقراءة وبحث، وأيضاً تجربة في النقاش مع العديد من الشخصيات والباحثين المهتمين في علم اللاهوت، وصلت إلى قناعة مفادها، أنه بإمكان الواحد منا أن يكون مسلماً وحسب، دون أن يحدد ذاته بمذهب معين، وهذا ممكن إذا تحررنا من تمجيد التراث، واعتبرنا ما مضى وما هو كائن وما سيكون، تجارب بشرية ليس لها صفة القداسة، وأن الإنسان له الحرية التامة في تكوين شكل الإيمان الذي يناسبه، دون أن يلتزم بطريقة محددة سلفاً.
عندما نعملُ العقل، ونعلي من شأن الفردانية، ونحرر ذواتنا من سطوة السابقين، سنجد أن الإسلام البكر لا طائفة له، بل الأديان بمختلفها هي طرق نحو إندماج الإنسان مع روحانية الكون، والوصل إلى المصدر الأول، والعقل الخلاق، الذي أوجد هذا العالم ووضع نواميسه التي يمكن استكشافها بالعلم والتأمل والبحث، لا الجمود على سيرة الأقدمين واتباع مأثوراتهم، دون أن يكون لنا من الرأي والنقد والتجاوز نصيب.
لقد تأخر المسلمون كثيراً، عندما تعصبوا للطوائف، ونسوا روح الإسلام، وابتعدوا عن طرح الأسئلة الإشكالية الكبرى، واختلفوا في تفاصيل قادت إلى التعصب والتكفير والتقاتل وسفك الدماء، جعلتهم يتقهقرون حضارياً وفلسفياً وأخلاقياً وعلمياً!
لا يمكن للإسلام أن يكون قوة رحمانية، إذا بقيت الطوائف وعصبياتها تحركُ المسلمين وتحدد لهم ما الصواب والخطأ! وحده التفكير النقداني المتجاوز لخطابات رجال الدين الكلاسيكية، هو ما يمكنه أن يفتح كوة في الجمود الرابض على عقول الكثير من المسلمين.
---------
النهار العربي
 

حسن المصطفى
الجمعة 24 مارس 2023