بدأ نجم "الشاعر" عمر يوسف سليمان، ولا تخلطن مع المغني الشعبي عمر سليمان مزلزل حفلات الغرب وتوابعه، بالصعود وذلك بعد أن نشر كتابًا في كبريات دور النشر الفرنسية، وهو الذي تعلّم الفرنسية منذ سنوات ضحال، ليصبح نجمًا إعلاميًا تتقاذف القنوات دعوته، والتي جُلّ برامجها مخصّص للترهيب من المهاجرين، وتحديدًا المسلمين منهم.
حول ماذا يدور هذا الكتاب ـ الظاهرة؟ لن تطول الحيرة، فليس بالجديد عمن يبحث عن بقعة ضوء في مشهدٍ أدبيٍ وإعلاميٍ مليء حتى التخمة بأدباء وشعراء من أربع أصقاع الكرة الأرضية، وهم أصحاب سوية مرتفعة نسبيًا في ميادينهم، أن يسعى في مناكبها لإيجاد الثقب مهما ضاق وفسد، ليمر عبره إلى مقدمة المشهد، مهما كان الثمن. وهذا الشاب السوري، وجد ضالته، بعد أن وصل لاجئًا سياسيًا الى باريس، والخبراء للمساعدة في ذلك متوفرون فرنسيًا، من كمال داوود إلى بوعلام صنصال وصولاً إلى الطاهر بن جلون وأدونيس، وأتمنى ألا أضيف إليهم قريبًا أمين المعلوف الذي يحار المرء في تحولاته الأخيرة بعد أن وصل إلى القمة بأدبه ولم يكن بحاجة لمجاراة المناخ العام. ولكأنه يأخذ الطريق في الاتجاه المعاكس أو في التوقيت الخاطئ.
لم يقترف الشاب السوري أيّاً من الموبقات والمحظورات التي يمكن لمن في سنه أن يخوضوا فيها عن غير وعيٍ ودراية. فلم يدمن على المخدرات ولا هو انضم الى عصابة قطاع طرق، والعياذ بالله. بالمقابل، فقد أدمن على النيل من الذات وما أسماه الأقدمون بفن "كره الذات". فلقد انضمّ عن وعيٍ ورشاد، إلى جوقة "الأدباء" كارهي الذات. والذات هنا ليست شخصه الكريم، بل منبته وأصله واسرته. لن أخوض في شق أسرته، فلعلها مليئة بالتناقضات كما اعتاد أن يبيع ويشتري فيه من خلال كتاباته، ولكنه خرج علينا أخيرًا بمقال في أسبوعية تتميّز بحجم كارهي العرب والمسلمين في جنبات تحريرها، وعلّق على الحرب على غزّة متحاشيًا، للضرورة المعيشية، أن يذكر عبارات مزعجة لمشغليّه من قبيل: الاحتلال، الحقوق، الاستعمار، الاستيطان.
ركّز "الشاعر" على "تأصّل" كراهية اليهود في المجتمعات العربية عمومًا والمجتمع السوري خصوصًا. وحسب سرديته، أنه عندما كان في سوريا، كان يقول بأنه ليس يهوديًا لينفي عن نفسه صفات البخل والكذب والخديعة. وهو يدّعي إذًا بأن المخيال السوري قد ألصق هذه الصفات بأتباع الديانة اليهودية. كما أنه وفي الجامع الذي كان يرتاده صغيرًا، كان الشيخ ينقل حديثًا منسوبًا بالقول "في كل مرة يتواجد فيها يهودي مع مسلم، تكون لديه الرغبة في قتله".
وليعُمّم، ينقل بأنه عندما كان طالبًا في السعودية حيث عمل أهله، كانت انتفاضة الفلسطينيين سنة 2000، وكانت تجمع التبرعات تحت شعار "ادفع دولار لقتل يهودي". مضيفًا بأن في كل الدول العربية كانوا يطلقون على إسرائيل اسم "الشيطان الأكبر". وصولاً إلى التطرّق إلى خلافات جدته مع جدّه والتي كانت تتهمه أثناءها، بأن أصوله يهودية إمعانًا في إهانته. ونتيجة لهذا الاتهام، أسرّ إليه عمه بأنهم فعلاً من أصول يهودية، وبأن أجداده كانوا تجارًا في دمشق. وقد غاب هذا الأصل عن ذهنه حتى اليوم، على حسب تعبيره، الذي كان يرتاد مترو باريس ويرمق نشالاً "مسلمًا" يسطو على محفظة أحد الركاب. فما كان من المسلم إلا أن توجه اليه صارخًا بأنكم "اليهود قتلة، أكرهكم، أنتم حيوانات، تكرهون المسلمين". وكان هذا الحدث فرصة للشاعر المرهف بأن يُشير إلى أنه يُنظر اليه كيهودي في الأماكن العامة، وحتى في كنيسِ باريسي اعتاد زيارته للاستلهام الروحي كما حدّد. ليختم قائلاً "كبرت على كراهية اليهود وباريس حررتني من هذا".
حرية التعبير مقدسة، وهي تتيح للفرد بأن يهرف بما يعرف وبما لا يعرف، وبأن يخترع الحكايات، ولو احتاج لتشويه الحقيقة خدمةً لنصّه "الدرامي". بالمقابل، تصبح ممجوجة ومتدنية المستوى عندما تخدم أفقًا ضيقًا يسعى لموطئ قدم بين "كارهي الذات" الذين ظنّوا بأن إرضاء "الرجل الأبيض" لا يتم إلا من خلال اختراع سردية تماهي أقصى يمينه المتطرف وتسعى لتبرير "الرهاب" من الآخر.
نصّ الشاعر عمر يوسف سليمان الأخير، سيزيد بالتأكيد من عمق بئر ينهل منه الشهرة على حساب المصداقية. بئرٌ سرعان ما سينضب ماؤه الفاسد خصوصًا عندما يستغل شاربه مأساة إنسانية متناسيًا الضحية ومبررًا للجلاد.
-------
المدن