ولفت فرنسيس إلى أن “غنى أوروبا يكمن في تقاطع مصادر الفكر والخبرات التاريخية، تماما كنهر يتغذى من روافده، فإذا ضعفت الروافد وجفت فهذا يؤثر على النهر ككل”، مبيناً أن “أوروبا سيكون لها مستقبلاً إذا كانت اتحاداً بالفعل، والتحدي يكمن في الاتحاد بالتنوع، وهذا ممكن في حال وجود إلهام قوي”.
وتساءل فرنسيس ما هو الدور المؤثر للإلهام المسيحي ضمن السياق الأوروبي، وقال إنه في مرحلة البدايات لعب الإلهام المسيحي دوراً أساسياً، لأنه كان في قلوب وعقول الرجال والنساء الذين أطلقوا هذا المشروع. أما اليوم فقد تغيّرت أمور كثيرة، لكن الرجال والنساء هم من يحدثون فرقاً، لذا من واجب الكنيسة أن تعمل على تنشئة أشخاص يقرأون علامات الأزمنة ويعرفون كيف يترجمون المشروع الأوروبي في التاريخ المعاصر.
بعدها انتقل البابا إلى الحديث عن الحلم الثاني الذي حرك الآباء المؤسسين ألا وهو حلم السلام. وقال فرنسيس إن تاريخنا يحتاج اليوم إلى رجال ونساء يحركهم حلم أوروبا موحدة في خدمة السلام. بعد الحرب العالمية الثانية عاشت أوروبا أطول مرحلة من السلام في تاريخها، في وقت شهد فيه العالم حروباً متتالية، وفي العقود الماضية استمرت بعض الحروب على مدى سنوات، إذ باستطاعتنا أن نتكلم عن حرب عالمية ثالثة مجزّأة.
ولم تخلُ كلمات البابا من الإشارة إلى الحرب في أوكرانيا، قائلا إنها هزت السلام الأوروبي، وأوضح أن البلدان المجاورة قدمت الضيافة للاجئين، والشعوب الأوروبية كلها التزمت في التضامن مع الشعب الأوكراني. ولا بد أن تتماشى المشاريع الخيرية هذه مع التزام متجانس لصالح السلام.
ولفت فرنسيس إلى أن هذا التحدي معقد نظرا للتحالفات والمصالح والاستراتيجيات الخاصة بكل بلد أوروبي، لكن لا بد أن يتفق الجميع على مبدأ واحد ألا وهو أن الحرب لا يمكن أن تُعتبر حلا للصراعات. وإن أخفقت بلدان الاتحاد في الاتفاق على هذا المبدأ الخلقي والسياسي فيعني أنها ابتعدت عن الحلم الأوروبي.
وختم البابا كلمته مؤكدا أن لجنة المجالس الأسقفية في الاتحاد الأوروبي عليها أن تقدم إسهامها في هذا السياق، لأن المجالس الأسقفية تشكل جسراً بين الكنيسة ومؤسسات الاتحاد الأوروبي. ورسالة اللجنة تتمثل في بناء العلاقات وتعزيز التلاقي والحوار، وهذا يتطلب بعد النظر وموقفاً نبوياً وخلاقاً بغية العمل في سبيل قضية السلام.