وعلى الرغم من عدم صدور أي تصريح من طرف ممثلي الدول المشاركة والاكتفاء ببيان مقتضب صدر عن وزارة الخارجية الروسية، حيث أكد البيان على «اتفاق الأطراف على الاستمرار في الاتصالات خلال الفترة القادمة» إلا أن تسريبات أشارت إلى أن نواب وزراء الخارجية أكدوا على ارتياحهم للقاء وإصرارهم على دعم المبادرة الروسية في سبيل تحقيق التطبيع بين أنقرة ودمشق.
من جهتها نقلت صحيفة «الوطن» السورية المقربة من النظام عن مسؤولين حكوميين في دمشق أن الوفد السوري الممثل بأيمن سوسان نائب وزير الخارجية أصر خلال اللقاء الرباعي وقبله خلال المشاورات الثنائية، على انتزاع الضمانات المتعلقة بشرط انسحاب القوات التركية من كامل الأراضي السورية، بما فيها منطقة ريف حلب الشمالي التي دخلتها لطرد تنظيم «الدولة الإسلامية» في صيف عام 2016 والمعروفة باسم منطقة عملية «درع الفرات».
وأضافت الصحيفة، أن نائب وزير الخارجية أكد في مستهل اللقاء الرباعي على شرط انسحاب القوات التركية من بلاده، ووقف أنقرة دعمها للمنظمات الإسلامية الراديكالية، كشرطين على موافقة النظام السوري الاستمرار في مسار تطبيع العلاقات مع أنقرة، لافتة إلى أن دمشق تعي مساعي أنقرة لاستغلال ملف التطبيع في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وفي تصريحات تهدف إلى مزيد من الضغط على أنقرة، نوه نائب وزير خارجية النظام من موسكو قُبيل بدء اللقاءات الثنائية إلى عدم التزام أنقرة مع موسكو بالتفاهمات المتفق عليها في إطار صيغة «أستانة». مشيراً إلى أنه «لا توجد مؤشرات إيجابية بخصوص انسحاب القوات التركية من سوريا، ولا بخصوص محاربة الإرهاب والقضاء عليه». مؤكداً استعداد النظام للتنسيق مع حلفائه الروس والإيرانيين ومع «الجانب التركي حول مختلف الجوانب العملية المتعلقة بانسحاب جيشه من الأراضي السورية» واعتبر سوسان هذا الشرط «المدخل لإعادة التواصل بين الجانبين».
في المقابل، أظهرت تصريحات لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو خلال مؤتمر صحافي في بروكسل، بعد يوم من الاجتماع الرباعي نجاح الاجتماع باعتباره قد أثمر عن اتفاق على عقد لقاءات رباعية مقبلة في موسكو، وزاد على ذلك أن الاجتماع كان بمثابة «التحضيرات المشتركة لعقد لقاء يجمع وزراء الخارجية».
وقال جاويش أوغلو أن اجتماع الدول الأربع على مستوى نواب وزراء الخارجية في «يصب في سياق التحضير لاجتماع وزراء الخارجية. وفي الفترة المقبلة ولعقد هذا الاجتماع الرباعي على مستوى وزراء الخارجية والمرجح أنه سيعقد في موسكو وما زلنا ننتظر الدعوة».
ونشرت وزارة الخارجية الروسية على موقعها الإلكتروني نص الرسالة الموجهة من وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، تعقيباً على الاجتماع الرباعي، أكد من خلالها على ضرورة اتسام المفاوضات واللقاءات بين الوفود المشاركة بالمرونة، وقال لافروف «أود أن أخاطب المفاوضين الأتراك والسوريين بشكل منفصل» وتوقع الوزير من رؤساء الوفود «إظهار أقصى قدر ممكن من المرونة» وحث الجميع على «ترك خطاب المواجهة وذاكرة المظالم السابقة خارج غرفة المفاوضات».
وأظهرت رسالة لافروف الموجهة للوفود المشاركة ثقة الخارجية الروسية بنجاح مهمتها في مسار تطبيع العلاقات التركية مع حكومة نظام الأسد، وبدا ذلك واضحاً في إشارة لافروف إلى اجتماع متوقع على مستوى وزراء خارجية الدول الأربع، وجاء على لسانه في هذا الصدد «أتطلع إلى اتفاقكم على موعد الاجتماع في موسكو على مستوى وزراء الخارجية مع أصدقائي وزملائي حسين أمير عبد اللهيان، مولود جاويش أوغلو، فيصل المقداد». وبالفعل، لفت لافروف إلى اقتراح بلاده بعض المواعيد التي اعتبر انها قد «تصبح مقبولة بشكل عام بعد جولة مفاوضاتكم». وحث الأطراف على «إجراء مناقشات على أساس مبدأ واضح ومفهوم ينطلق من الاحترام المتبادل لسيادة ووحدة وسلامة أراضي سوريا وتركيا».
وجمعت اللقاءات الثنائية التي عقدت قبل يوم من الاجتماع الرباعي، بين نائب وزير الخارجية الإيرانية علي أصغر حاجي ونظيره الروسي ميخائيل بوغدانوف، أكد خلاله الطرفان على ضرورة حل الخلافات بين سوريا وتركيا عبر الطرق السلمية ومن خلال الحوارات السياسية.
كما التقى نائب وزير خارجية النظام أيمن سوسان بالممثل الخاص للرئيس الروسي، ميخائيل بوغدانوف ضمن اللقاءات الثنائية وتركز اللقاء حول التنسيق المشترك فيما يخص الاجتماع الرباعي.
وشملت اللقاءات الثنائية، اجتماعا بين وفد النظام السوري والوفد الإيراني، تناول سبل التنسيق بين الطرفين ومناقشة الأجندات المتعلقة بالاجتماع الرباعي، وبدا خلال اللقاء توافق وجهات نظر الطرفين من الاجتماع، وتأكيدهما المشترك على «وحدة وسيادة الأراضي السورية، وخروج القوات التركية من المناطق المنتشرة فيها داخل سوريا» حسب مصدر مقرب من النظام.
وفي سياق متصل، ظهر انضمام الوفد الإيراني لمسار التطبيع استدراكا من قبل الجانب الروسي خشية من موقف سلبي لطهران من عودة العلاقات السورية التركية برعاية موسكو، وهذا ما بدا واضحاً عقب اجتماع وزراء دفاع تركيا وسوريا وروسيا ورؤساء الأجهزة الأمنية نهاية العام المنصرم والمنعقد في موسكو، حيث أكدت عدة مصادر روسية إبلاغ إيران القيادة الروسية من انزعاجها من استبعادها عن مسار التطبيع، وهذا ما يعكس خشية القيادة الإيرانية من توسع النفوذ التركي الروسي المشترك في سوريا على حساب نفوذها وعلاقاتها مع أركان نظام الأسد وتأييدها الميداني والسياسي له منذ بداية الانتفاضة السورية وانطلاق الاحتجاجات الداعية للإصلاح في ربيع 2011. بالإضافة إلى أن طهران تعي خطورة هذا التوسع على حسابها من ناحية الموافقة والقبول الدوليين، وسعي أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي بشكل علني وصريح إلى تحجيم وتقليص نفوذها في سوريا.
الجدير بالذكر، أن مسار تطبيع العلاقات التركية السورية الممثلة بنظام الأسد، والرعاية الروسية لهذا المسار، يعاني من رفض دولي يتمثل بشكل رئيسي بأمريكا والاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من انه لم يخرج عن الطرفين أي تصريح عقب الاجتماع إلا أن مواقف هذه الأطراف واضح ومتمثل برفضهم المطلق لأي خطوة تطبيع وإعادة العلاقات مع نظام الأسد، ورفضهم لتخفيف عقوباتهم الاقتصادية عليه، وامتناعهم عن الحديث عن إعادة الإعمار ما لم يجر البدء بخطوات الحل السياسي على أساس قرار مجلس الأمن الدولي 2245 لعام 2015 كما تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الاجتماع الرباعي في حال نجاحه ونجاح مسار التطبيع المشترك الذي تعتبره روسيا وتركيا استراتيجيا يسهم في الحل السياسي، سيلغي مسار جنيف الدولي بطبيعة الحال، وهذا ما يلقى رفضا أمريكيا وأوروبيا.
يشار إلى أن النظام السوري أذاع خبر موافقة أنقرة على الانسحاب العسكري من أربع مناطق في شمال سوريا، وجرى ذلك كمحاولة تبرير الاجتماع الثلاثي الذي حصل في موسكو في 30 كانون الأول (ديسمبر) 2022. ولكن موسكو تدرك حجم التعقيد في الوضع العسكري القائم في الشمال، كما أنها لا تفضل انسحاب القوات التركية من كل المناطق، فإذا سلمنا أن لكل منطقة خصوصية للتعامل معها من قبل مجلس الأمن القومي التركي والجيش فيبقى الوضع في منطقة عملية «نبع السلام» في ريف الرقة الشمالي والحسكة الشرقي آخر ما تسعى إليه موسكو، فهي ما زالت بحاجة للعصا التركية الغليظة مرفوعة فوق رأس المقاتلين الأكراد الموالين لأمريكا من أجل تعطيل العجلة الأمريكية في شرق نهر الفرات. فموسكو لا تفضل ترك مسألة ازعاج الأمريكيين بيد الحرس الثوري الإيراني وانما تراهن على دور تركي في ذلك، فتوتير الأجواء بين الأخير وحلف شمال الأطلسي «الناتو» هو أكثر ما يسعد الرئيس فلاديمير بوتين.
ومن الواضح أن اردوغان لا يأمل بتحقيق اختراق دبلوماسي كبير في علاقته مع الأسد وأن هدفه نزع ورقة إصلاح العلاقات مع دمشق من يد المعارضة في الوقت الحالي. ورغم أن المعارضة أعلنت، غير مرة، عن نيتها تطبيع العلاقة مع الأسد وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم فإنها فضلت عدم الخوض كثيرا في مسألة الانسحاب العسكري من سوريا باعتبار أنه موضوع أمن قومي ولا يمكن إعلانه بسهولة بدون التوصل إلى صفقة شاملة في النهاية، تعلن تفكيك الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي.
القدس العربي