وُلد الادريسي في مدينة سبتة المغربية عام 493 هـ (1100 ميلادية) و مات عام 560 هـ (1166م) واسمه الكامل أبو عبد الله محمد بن محمد ابن عبد الله بن إدريس الصقلي أو الشريف الإدريسي لأن نسبه ينتهي إلى الحسن بن علي وُلد في منطقة كانت ولا تزال تمثل نقطة التقاء وصراع ما بين الغرب والشرق وكان الادريسي يمضي الكثير من وقته على شواطئ سبتة إذ كانت تجذبه السفن التجارية الراسية في ميناء سبتة، وكان يعتمل في داخله شوق كبير لاستكشاف الدُّول التي كانت تُبحر منها هذه السفن، وسرعان ما تحوَّلت رغبته إلى حقيقة عندما بدأ رحلته في طلب العلم ،بدا الإدريسي تعليمه في سبته وفاس ثم انتقل إلي قرطبة وكانت مركزا للعلم والمعرفة فدرس على يد علماء عصره من أساتذة جامعتها وأمضى بقرطبة عدة سنوات أتقن فيها الجغرافيا والفلك والحساب والهندسة ودرس أيضا الطب والصيدلة والنبات والى جانب دروس أساتذته استقي الإدريسي قاعدة معلوماته الجغرافية من دراسة ما توفر لديه من مؤلفات كبار الجغرافيين مثل بطليموس وابن حوقل وغيرهم فأحاط إحاطة شاملة بانجازات من سبقه من الجغرافيين.
قام الإدريسي برحلات واسعة في بلاد حوض البحر المتوسط والبلاد القريبة منه وقد زودته تلك الرحلات بالكثير من المعلومات وأكسبت معارفه الجغرافية بعدا عمليا قلما توافر لغيره ممن توقفت رحلاتهم عند حد الانتقال بين صفحات الكتب. فقد زار مصر والشام وزار القسطنطينية ومكث بقرطبة زمنا كما تنقل بين أقاليم الأندلس والشمال الاسباني ومدنهما وزار البرتغال الذي كان مايزال جزء من الدولة الأموية وزار الشاطئ الفرنسي وجنوب انجلترا وأخيرا استقر في صقلية ،واختار الإدريسي الانتقال إلى صقلية بسبب الضغط السياسي الذي أجبر محباً للمعرفة كـالإدريسي على الانتقال إلى جزيرة صقلية التي كانت جزءاً من الدولة الإسلامية وكانت "باليرمو" عاصمة صقلية تعرف فيما مضى بـ"مدينة الألف مسجد"، إذ كان يعيش فيها عدد كبير من المسلمين قبل أن تسقط في أيدي الحكام النورماديين.
وانتقل إليها بطلب من الملك النورماندي في ذلك الوقت "روجر الثاني"الذي كان محباً للمعرفة وللثقافة الإسلامية فترك للمسلمين حرية العيش في صقلية وقرّب منه العلماء ومنهم الادريسي ،شرح الادريسي لروجر موقع الأرض في الفضاء مستخدمًا في ذلك البيضة لتمثيل الأرض ، شبه الإدريسي الأرض بصفار البيضة المحاط ببياضها تماما كما تهيم الأرض في السماء محاطة بالمجرَّات ،فطلب من الإدريسي أن يرسم له خريطة للعالم، فاختار الرجال، ودربهم على دقة المشاهدة ليصوروا ما يشاهدونه برسومهم ويزودوه بمعلوماتٍ جغرافيةٍ عن البلاد التي سينزلون بها، وحين اطمأن إلى قدرتهم على إنجاز مهمته أرسلهم إلى بلادٍ كثيرة، وكان الإدريسي يدون المعلومات التي تصل إليه منهم، ويعيد صياغتها.
ثم جمع الإدريسي كل ما وصل إليه في كتاب سماه (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) وقد احتوى الكتاب على كثير من المعلومات ،واستغرق إخراج هذا الكتاب خمسة عشر عامًا.
وبعد الانتهاء من تأليفه، أهداه إلى صديقه الملك روجر سنة 1154م الذي أعجب به، وكافأه عليه، ثم قام برسم خريطة للعالم حسب طلب الملك (روجر) على لوح مستطيل من الفضة وقسّم العالم إلى سبع مناطق مناخية ثم صنع كرة فضية كبيرة توضح شكل الكرة الأرضية،نقش عليها صور الأقاليم ببلادها، وأقطارها وريفها وخلجانها وبحارها ومواقع أنهارها وعامرها والطرق والمسافات بين البلاد والمراسي ،فصنع بذلك أول مجسم لكرة أرضية دقيقة عُرفت في التاريخ على هذا الشكل، ولكن للأسف تعرضت للضياع خلال شغب قام به النورمانديون.
ولم يَبْقَ من آثار الإدريسي إلا كتاب (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) وأطلس خرائطه ومختصر كتاب( روضة الأنس ونزهة النفس) المعروف بـ )الإدريسي الصغير) ومن إسهاماته في مجال الجعرافيا أنه أكد على خطوط الطول والعرض لتحديد المكان والمسافة، وقال بكروية الأرض ورد على الاعتراضات التي وجهت إلى نظريته هذه بالقول: البعض يحتج بالقول أن السوائل (البحار) لا يمكن أن تتماسك مع محيط مدور، غير أن الحقيقة هي أنها يمكن أن تتماسك حيث تحتويها حالة من التوازن المتواصل ، وترك عددًَا من الخرائط للبحار وأقاليم العالم القديم واستطاع تحديد موقع نهر النيل وبالتالي ألغى نظرية بطليموس وهو عالم من القرن الأول ادعى أن مصدر نهر النيل هو تلة في القمر.
إلى جانب الجغرافيا، كان الإدريسي مهتماً أيضاً بالطب فقد وضع كتابا أسماه "كتاب الأدوية المفردة" الذي وصف فيه الأدوية وخواصها مستخدماً اثني عشرة لغة ،وبرع أيضًا في النبات وبخاصة الأعشاب الطبية، وألف فيه كتابه (الجامع لصفات أشتات النبات) وقد استفاد(ابن البيطار) النباتي المشهور من هذا الكتاب الذي لم يصل إلينا، لكن العالم في العموم يتذكر الإدريسي لإنجازاته الجغرافية في العصور الوسطى. ولا يعرف الكثير عن السنوات الأخيرة من حياته فربما يكون وقع ضحية الاكتئاب حين عرف بأن كوكبه الفضي قد سُرق وتوفي الإدريسي بعدها بخمس سنوات في صقلية عام 1166م ،غير أن تركته وأثره العلميين عاشا طويلاً بعدها.
أنصف بعض المستشرقين وكتّاب الغرب الإدريسي وعرفوا فضله ودوره في وضع أسس علم الجغرافية والمصورات فقال عنه (جاك ريسلر) في كتابه الحضارة العربية: لم يكن بطليموس الأستاذ الحقيقي في جغرافية أوربا ،بل كان الإدريسي الذي ولد عام 1100م وتخرج من قرطبة، والذي عاش في باليرمو: فمصورات الإدريسي التي تقوم علي معرفة كروية الأرض كانت تتويجا لعلم المصورات الجغرافية في العصر الوسيط بوفرتها وصحتها وشمولها.
أما (البارون دي سيلان) فيقول عن كتاب الإدريسي نزهة المشتاق انه كتاب لا يقارن به أي كتاب جغرافي قبله وهو لا يزال دليلنا إلي بعض أنحاء الأرض.
وفي القرن الحادي والعشرين أُطلق اسم (إدريسي) على أحد برامج الحاسوب، وهو نظام معلومات جغرافي يستخدم في أمريكا، ولقد اختير هذا الاسم تكريما للإدريسي لمساهمته الكبيرة في علم الجغرافيا يُستخدم هذا البرنامج بشكل واسع في كل أنحاء العالم
----------------------------
الصورة:إحدى خرائط الإدريسي لكوكب الأرض
قام الإدريسي برحلات واسعة في بلاد حوض البحر المتوسط والبلاد القريبة منه وقد زودته تلك الرحلات بالكثير من المعلومات وأكسبت معارفه الجغرافية بعدا عمليا قلما توافر لغيره ممن توقفت رحلاتهم عند حد الانتقال بين صفحات الكتب. فقد زار مصر والشام وزار القسطنطينية ومكث بقرطبة زمنا كما تنقل بين أقاليم الأندلس والشمال الاسباني ومدنهما وزار البرتغال الذي كان مايزال جزء من الدولة الأموية وزار الشاطئ الفرنسي وجنوب انجلترا وأخيرا استقر في صقلية ،واختار الإدريسي الانتقال إلى صقلية بسبب الضغط السياسي الذي أجبر محباً للمعرفة كـالإدريسي على الانتقال إلى جزيرة صقلية التي كانت جزءاً من الدولة الإسلامية وكانت "باليرمو" عاصمة صقلية تعرف فيما مضى بـ"مدينة الألف مسجد"، إذ كان يعيش فيها عدد كبير من المسلمين قبل أن تسقط في أيدي الحكام النورماديين.
وانتقل إليها بطلب من الملك النورماندي في ذلك الوقت "روجر الثاني"الذي كان محباً للمعرفة وللثقافة الإسلامية فترك للمسلمين حرية العيش في صقلية وقرّب منه العلماء ومنهم الادريسي ،شرح الادريسي لروجر موقع الأرض في الفضاء مستخدمًا في ذلك البيضة لتمثيل الأرض ، شبه الإدريسي الأرض بصفار البيضة المحاط ببياضها تماما كما تهيم الأرض في السماء محاطة بالمجرَّات ،فطلب من الإدريسي أن يرسم له خريطة للعالم، فاختار الرجال، ودربهم على دقة المشاهدة ليصوروا ما يشاهدونه برسومهم ويزودوه بمعلوماتٍ جغرافيةٍ عن البلاد التي سينزلون بها، وحين اطمأن إلى قدرتهم على إنجاز مهمته أرسلهم إلى بلادٍ كثيرة، وكان الإدريسي يدون المعلومات التي تصل إليه منهم، ويعيد صياغتها.
ثم جمع الإدريسي كل ما وصل إليه في كتاب سماه (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) وقد احتوى الكتاب على كثير من المعلومات ،واستغرق إخراج هذا الكتاب خمسة عشر عامًا.
وبعد الانتهاء من تأليفه، أهداه إلى صديقه الملك روجر سنة 1154م الذي أعجب به، وكافأه عليه، ثم قام برسم خريطة للعالم حسب طلب الملك (روجر) على لوح مستطيل من الفضة وقسّم العالم إلى سبع مناطق مناخية ثم صنع كرة فضية كبيرة توضح شكل الكرة الأرضية،نقش عليها صور الأقاليم ببلادها، وأقطارها وريفها وخلجانها وبحارها ومواقع أنهارها وعامرها والطرق والمسافات بين البلاد والمراسي ،فصنع بذلك أول مجسم لكرة أرضية دقيقة عُرفت في التاريخ على هذا الشكل، ولكن للأسف تعرضت للضياع خلال شغب قام به النورمانديون.
ولم يَبْقَ من آثار الإدريسي إلا كتاب (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) وأطلس خرائطه ومختصر كتاب( روضة الأنس ونزهة النفس) المعروف بـ )الإدريسي الصغير) ومن إسهاماته في مجال الجعرافيا أنه أكد على خطوط الطول والعرض لتحديد المكان والمسافة، وقال بكروية الأرض ورد على الاعتراضات التي وجهت إلى نظريته هذه بالقول: البعض يحتج بالقول أن السوائل (البحار) لا يمكن أن تتماسك مع محيط مدور، غير أن الحقيقة هي أنها يمكن أن تتماسك حيث تحتويها حالة من التوازن المتواصل ، وترك عددًَا من الخرائط للبحار وأقاليم العالم القديم واستطاع تحديد موقع نهر النيل وبالتالي ألغى نظرية بطليموس وهو عالم من القرن الأول ادعى أن مصدر نهر النيل هو تلة في القمر.
إلى جانب الجغرافيا، كان الإدريسي مهتماً أيضاً بالطب فقد وضع كتابا أسماه "كتاب الأدوية المفردة" الذي وصف فيه الأدوية وخواصها مستخدماً اثني عشرة لغة ،وبرع أيضًا في النبات وبخاصة الأعشاب الطبية، وألف فيه كتابه (الجامع لصفات أشتات النبات) وقد استفاد(ابن البيطار) النباتي المشهور من هذا الكتاب الذي لم يصل إلينا، لكن العالم في العموم يتذكر الإدريسي لإنجازاته الجغرافية في العصور الوسطى. ولا يعرف الكثير عن السنوات الأخيرة من حياته فربما يكون وقع ضحية الاكتئاب حين عرف بأن كوكبه الفضي قد سُرق وتوفي الإدريسي بعدها بخمس سنوات في صقلية عام 1166م ،غير أن تركته وأثره العلميين عاشا طويلاً بعدها.
أنصف بعض المستشرقين وكتّاب الغرب الإدريسي وعرفوا فضله ودوره في وضع أسس علم الجغرافية والمصورات فقال عنه (جاك ريسلر) في كتابه الحضارة العربية: لم يكن بطليموس الأستاذ الحقيقي في جغرافية أوربا ،بل كان الإدريسي الذي ولد عام 1100م وتخرج من قرطبة، والذي عاش في باليرمو: فمصورات الإدريسي التي تقوم علي معرفة كروية الأرض كانت تتويجا لعلم المصورات الجغرافية في العصر الوسيط بوفرتها وصحتها وشمولها.
أما (البارون دي سيلان) فيقول عن كتاب الإدريسي نزهة المشتاق انه كتاب لا يقارن به أي كتاب جغرافي قبله وهو لا يزال دليلنا إلي بعض أنحاء الأرض.
وفي القرن الحادي والعشرين أُطلق اسم (إدريسي) على أحد برامج الحاسوب، وهو نظام معلومات جغرافي يستخدم في أمريكا، ولقد اختير هذا الاسم تكريما للإدريسي لمساهمته الكبيرة في علم الجغرافيا يُستخدم هذا البرنامج بشكل واسع في كل أنحاء العالم
----------------------------
الصورة:إحدى خرائط الإدريسي لكوكب الأرض