الفلسطينيون الآن في المقدمة، والثمن الذي سيدفعونه من الآن مقابل ذلك، لا شك أنهم يدركون حجم دمائه ودماره، لكنه سيكون ثمن تسلمهم قضيتهم. لن يكون بعد الآن ثمن "الصراع العربي الإسرائيلي"، بل ثمن "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي". دفعوا أكثر بما لا يقاس ثمن إحكام قبضة الأنظمة العربية على قضيتهم، مما دفعوه في صراعهم مع إسرائيل. من الآن فصاعداً سيدفعون ثمن صراعهم في ما بينهم، وسيكون مريراً، لكنهم لن يدفعوا بعد الان ثمن صراعهم مع المنظمات والجبهات والتشكيلات التي اختلقتها الأنظمة العربية بإسم فلسطين. من كان من هذه الأنظمة على وفاء وتأييد حقيقي لفلسطين، عليه أن يساعد الفسطينيين في رأب صراعاتهم، لا أن يجند من مشردي مخيماتهم زمراً وأدوات لإذكاء الخلافات.
الأسئلة نفسها التي كانت تطرح في كل مرة يأتي الفلسطينيون فعل مقاومة، سوف تتكرر الآن. لكنها في الزمن الإيراني، أصبحت موجهة لإيران وتدور حول مشاركتها وأهدافها وما تضمره. وسلوكها يرفع من عدد الأسئلة وما تضمره فعلاٌ. فما انتهى وزير خارجيتها من تهديداته وإنذاراته في بيروت، والتي حدد بساعات مدة انتهائها، حتى أعلن مندوبها في الأمم المتحدة أنها لن تشترك مباشرة في الحرب المستعرة على الفلسطينيين طالما لم تهاجم إسرائيل أراضيها. الفلسطينيون وأبناء المنطقة لن يطرحوا أسئلة حول هذا السلوك، فقد اعتادوه في الحروب السابقة، لكن الأسئلة يطرحها العالم الذي ما زال حتى الآن يبحث عن دليل قاطع على مشاركة إيران في حدث غزة.
موقع fontanka الروسي المعارض نشر في 15 الجاري مقابلة مع الإختصاصي الروسي بالشؤون الإيرانية فيودور باشين. عنون الموقع نصه بما تضمنته المقابلة "تأجيج سلسلة من الصراعات، زرع الفوضى، وإثارة حرب كبيرة". الإختصاصي بإيران باشين ـــ عن أهداف الحرب في إسرائيل وعدم تورط إيران فيها".
قدم الموقع للمقابلة بالقول أن الإسرائيليين لا يساورهم شك بأن هجوم مقاتلي حماس على بلدهم الذي لا يذكرون دموية مماثلة له منذ حرب يوم الغفران، مرتبط بإيران. وفي 14 الجاري أعطى وزير الخارجية الإيراني إسرائيل بضع ساعات لوقف العمليات الحربية في غزة، "بعدها سيكون قد فات الأوان".
لم ير باشين ما هو إستثنائي في ما يجري، بل هو صراع إسرائيلي فلسطيني تقليدي، بينما الخطر يحدق بإيران نفسها. فالأزمة الأرمنية والحرب في إسرائيل قد يطول أمدهما وتتحولا إلى مشروع موجه لتدمير إيران. بل يرجح بألا يكون لإيران علاقة بهجوم حماس على إسرائيل، "لأنه ليس من صالحها في الوضع الراهن".
بعد أن يعيد باشين عداوة إيران لإسرائيل إلى القرون السحيقة، ويؤكد على فكرته بأن ليس لإيران علاقة بهجوم حماس، يعود ليقول بأنها لم تلعب الدور الرئيسي فيه، على الرغم من أنها في الواقع تساعد سوريا وحزب الله، و"حماس جزئياً". وللحرس الثوري نفوذ، أقل أو أكثر، على الأطراف الثلاثة.
يرى باشين أن إيران ليست معنية بزعزعة الوضع في المنطقة والإنخراط في نزاع جديد، لأن النزاع الأرمني الأذري المحتدم بمشاركة أنقرة ــــ شوكة في خاصرتها. وهي تخشى فقدان تأثيرها وموقعها في منطقة نفوذها التاريخية (جنوب القفقاز)، سيما وأن باكو تنشط في الفترة الأخيرة بالمشاركة في تشجيع الإحتجاجات المناهضة لطهران في أذربيجان الإيرانية.
موقع قناة التلفزة الأميركية currenttime التي تبث من براغ نشر في 13 الجاري مقابلة مع المستشرق ميخائيل بارودكين عرض فيها رأيه بعدم مشاركة إيران وسوريا ولبنان في حرب إسرائيل على غزة. وفي تقديم الموقع للمقابلة نقل عن المستشار العسكري للرئيس الأميركي تشارلز براون قوله بأنه لا يرى دلائل على انضمام "أحد ما" أيضاً إلى الصراع.
يعتقد المستشرق أن الحرس الثوري شارك مباشرة في هجوم حماس، وساعدت القوى والهيئات الإيرانية الأخرى في التخطيط والإعداد وما إلى ذلك. كما لايستبعد بأن يكون أمر القيام بالعملية قد صدر من طهران. وليس بالضرورة أن يكون قد صدر في 7 الجاري بالتحديد، بل بشكل عام، من المحتمل جداً أن تكون إيران هي التي تقف وراء الهجوم على إسرائيل.
وعن علاقة حماس بإيران يقول بارودكين بأنها وثيقة جداً، لأن إيران في الوقت الراهن تبقى على الأغلب العدو الوحيد الذي لا يهادن إسرائيل، والذي يمد بالسلاح كل "الإرهابيين" الذي يعلنون تدمير إسرائيل هدفاً لهم.
يتوقف المستشرق عند مرحلة برودة العلاقات بين حماس وإيران، وتحول "الجهاد الإسلامي" "زبون" إيران الأول في غزة. لكن منذ سنوات تغير الوضع، وعادت إيران من جديد تمد حماس بالمال والسلاح، وتضع بتصرفها كل بنية الحرس الثوري التحتية.
وعن حزب الله وإمكانية إنخراطه في الحرب، يقول المستشرق بأنه كان بود حماس لو يتدخل حزب الله ويدعمها في عمليتها. ويتوقف عند تفاصيل قوة الحزب الذي يمكن أن تصيب صواريخه أهدافاً في جنوب إسرائيل، ولديه مقاتلون كثيرون خاضوا الحرب الأهلية السورية، " أي أشخاص لديهم خبرة قتالية حقيقية". وما قامت به حماس في 7 الجاري، كان الكل يتوقعه من حزب الله الذي يملك وحدات تم تدريبها خصيصاً لمثل هذه الأهداف. وإمكانية أن يتدخل حزب الله "ليست صفراً. وليست مئة بالمئة"
لكن "ما يبعث على التفاؤل قليلاً"، هو أن لدى حزب الله مهمة جدية ملموسة ــــ ردع إسرائيل عن مهاجمة إيران. ويضيف المستشرق بأن هذا العامل تضعه القيادة السياسية العسكرية الإسرائيلية في الحسبان لدى البحث في إمكانية القيام "بهذه الأعمال أو تلك" ضد البرنامج النووي الإيراني.
ويرى أن حزب الله ليس مستعداً للمشاركة الآن في الحرب، لكن تصاعد التوتر على الحدود مع إسرائيل وإرادة إيران في مشاركته، "سوف تجعله يشارك".
وعن إمكانية مشاركة سوريا، لبنان وإبران كدول في الحرب، يكتفي المستشرق بشان سوريا بالتذكير بأن مطاري دمشق وحلب قد خرجا من الخدمة نتيجة القصف الإسرائيلي.
أما بشأن لبنان، فقد أتى تقييمه صاعقا، وقد يصدم كثيرين ويعتبرونه غير واقعي. فقد رأى بارودكين أنه يمكن إستبعاد لبنان من هذا الإحتمال. لأن لبنان لا يزال يسمى دولة، فقط لأنه مرسوم على الخربطة المذيلة بكلمة "لبنان". فهذه الدولة ليست فاعلة بالمطلق، وحكومتها لا تعمل، وجيشها منهار، وإلخ. في لبنان ثمة حزب الله الذي لا يخضع عمليا للدولة، "أي أنه ليس ما يدعو للحديث عن لبنان كدولة"، على قول بارودكين.
------
المدن