ولقب الأخوة الأعداء هذا لا يدل على أن الطرفين متكافئان، وإنما يتبادلان الخدمات منذ وصول طائرة الخميني من باريس في 1 / فبراير 1979، وبالتحديد مع بدء أزمة الرهائن الأمريكيين الذين أطلق الخميني سراحهم في نفس اليوم الذي تسلم فيه رونالد ريغان الرئاسة بتاريخ 20/1/1981 خلفاً لجيمي كارتر، في صفقة بين الجمهوريين والخميني أزاحت الأخير من البيت الأبيض لحساب ريغان.
وتبادل الخدمات، رغم عدم التكافؤ، له قواعد يحددها أن (المشروع الإيراني) محتوى في (استراتيجية) الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بمعنى آخر فإن مشروع إيران جزء من الاستراتيجية الأمريكية، وهذا ما يفسر كل سياسات إيران وأمريكا وإسرائيل على حد سواء، وخدماتها المتبادلة في المنطقة منذ 1979.
تدرك إيران وبشكل واضح جداً منذ البداية أن لهذا التخادم ساعةَ نهاية تحددها مآلات أدوار الهدم التي تقوم بها في التأسيس للشرق الأوسط الكبير/الجديد، وتدرك بالتالي ان هذه الساعةَ قد تعني، إمكانية استبدال نظامها بنظام جديد كما حصل عندما تم استبدال نظام الشاه بنظام الملالي، لإشعال فتيل الصراع المذهبي -الدور الذي لا يستطيع نظام الشاه القيام به نتيجة لطبيعته المبني عليها – منتجاً دماراً كبيراً بتكاليف مادية لا تذكر، كما تدرك أن نظامها لا يصلح لشرق أوسط كبير/جديد، والذي يتطلب عملية تفكيك دول المنطقة إلى كونتونات مذهبية وقومية لن تكون هي استثناءً منها.
وبطبيعة الحال تدرك الولايات المتحدة وإسرائيل أيضاً أن هذا الدور بعد إزاحة جدار العراق العالي سينتهي صبيحة يوم تكون فيه إيران قد أتمت دورها بالكامل، وعليها أن تغطي سلوكها الإجرامي بحق الشعوب العربية، عبر الميليشيات المذهبية العابرة للدول، بشتى وسائل الخديعة والمكر والكيل بعدة مكاييل لتمرير الزمن اللازم لإنجاز إيران لمهامها.
وعليه، فإن التخادم الذي تُرسم قواعده في هذا المشهد، لا يعبر عن تحالف ولا عن شراكة.. بل عن علاقة بين أجير ورب عمله الذي سيحيله إلى المعاش إن عاجلاً أم آجلاً.
ولكن قواعد التخادم ما كانت لتصمد مع المتغيرات التي حصلت في هذه العلاقة إذ كان امتلاك إيران للمشروع النووي أهمَّ الأسباب التي غيرت قواعد التخادم بين الطرفين، فلم يعد ممكناً التفكير بإحالة النظام الإيراني إلى المعاش حتى ولو أنهى مهامه ، إلا بعد الوصول لحالة اطمئنان تام، بأن المشروع النووي قد تمت الإحاطة به عن طريق اتفاق دولي يحرسه بند الفصل السابع في مجلس الأمن.
وقد عرقل التوصل لهذه الحالة أمران:
الأول تحول ملف التفاوض نفسه إلى ورقة تفاوض بين أطراف الاتفاق النووي 5 + 1 … على قضايا النفط الإيراني وغيرها.
الثاني انسحاب ترامب منه مما عطل لأمد غير منظور حتى التفكير بالاستغناء عن وجود الملالي في المنطقة، ناهيك عن أن إيران نفسها ما كانت لتقبل بتجميد مشروعها النووي إلا باتفاق هامشي يضمن الاعتراف بشراكتها في المنطقة ضمناً، الأمر الذي مهد له فريق أوباما بإطلاق يدها للتوسع في المنطقة عسكرياً، ومشاركة الولايات المتحدة في مناطق نفوذها في العراق والخليج عبر مضائق الخليج والبحر الأحمر وفي الصراع اليمني، وابتزاز إسرائيل بالاقتراب أكثر فأكثر من حدودها في سوريا ولبنان.
أما أكثر أشكال تغيير قواعد التخادم بين الطرفين وضوحاً، كان ببدء إسرائيل بتحجيم التواجد الإيراني في سوريا عبر القصف المستمر، وكانت إيران تمتص الضربات وتصر على استراتيجية انتشارها العسكري في سوريا، رغم أن حليفها الروسي في سوريا كان لا يمانع في توجيه إسرائيل لتلك الضربات مغلقاً رادارات دفاعاته الجوية مع احتفاظ دمشق والضاحية بحق الرد.
أما فيما يخص التصعيد الأخير مع الولايات المتحدة شرق سوريا فهو أكثر العلامات الفارقة حتى اليوم على استعصاء الصدام الأمريكي الإيراني في عند منعطف، يبدو عنده تكتيك إدارة الأزمات خاسراً ، وأن الحلول الجذرية، والعسكرية منها، أقرب من أي وقت مضى..
وإلى أن تتضح الصورة أكثر، يبقى مصير المنطقة معلقاً بالأحداث الدولية الكبيرة التي تعصف بمصير العالم ونحن على شفا حرب عالمية ثالثة.
-------
رسالة بوست
تدرك إيران وبشكل واضح جداً منذ البداية أن لهذا التخادم ساعةَ نهاية تحددها مآلات أدوار الهدم التي تقوم بها في التأسيس للشرق الأوسط الكبير/الجديد، وتدرك بالتالي ان هذه الساعةَ قد تعني، إمكانية استبدال نظامها بنظام جديد كما حصل عندما تم استبدال نظام الشاه بنظام الملالي، لإشعال فتيل الصراع المذهبي -الدور الذي لا يستطيع نظام الشاه القيام به نتيجة لطبيعته المبني عليها – منتجاً دماراً كبيراً بتكاليف مادية لا تذكر، كما تدرك أن نظامها لا يصلح لشرق أوسط كبير/جديد، والذي يتطلب عملية تفكيك دول المنطقة إلى كونتونات مذهبية وقومية لن تكون هي استثناءً منها.
وبطبيعة الحال تدرك الولايات المتحدة وإسرائيل أيضاً أن هذا الدور بعد إزاحة جدار العراق العالي سينتهي صبيحة يوم تكون فيه إيران قد أتمت دورها بالكامل، وعليها أن تغطي سلوكها الإجرامي بحق الشعوب العربية، عبر الميليشيات المذهبية العابرة للدول، بشتى وسائل الخديعة والمكر والكيل بعدة مكاييل لتمرير الزمن اللازم لإنجاز إيران لمهامها.
وعليه، فإن التخادم الذي تُرسم قواعده في هذا المشهد، لا يعبر عن تحالف ولا عن شراكة.. بل عن علاقة بين أجير ورب عمله الذي سيحيله إلى المعاش إن عاجلاً أم آجلاً.
ولكن قواعد التخادم ما كانت لتصمد مع المتغيرات التي حصلت في هذه العلاقة إذ كان امتلاك إيران للمشروع النووي أهمَّ الأسباب التي غيرت قواعد التخادم بين الطرفين، فلم يعد ممكناً التفكير بإحالة النظام الإيراني إلى المعاش حتى ولو أنهى مهامه ، إلا بعد الوصول لحالة اطمئنان تام، بأن المشروع النووي قد تمت الإحاطة به عن طريق اتفاق دولي يحرسه بند الفصل السابع في مجلس الأمن.
وقد عرقل التوصل لهذه الحالة أمران:
الأول تحول ملف التفاوض نفسه إلى ورقة تفاوض بين أطراف الاتفاق النووي 5 + 1 … على قضايا النفط الإيراني وغيرها.
الثاني انسحاب ترامب منه مما عطل لأمد غير منظور حتى التفكير بالاستغناء عن وجود الملالي في المنطقة، ناهيك عن أن إيران نفسها ما كانت لتقبل بتجميد مشروعها النووي إلا باتفاق هامشي يضمن الاعتراف بشراكتها في المنطقة ضمناً، الأمر الذي مهد له فريق أوباما بإطلاق يدها للتوسع في المنطقة عسكرياً، ومشاركة الولايات المتحدة في مناطق نفوذها في العراق والخليج عبر مضائق الخليج والبحر الأحمر وفي الصراع اليمني، وابتزاز إسرائيل بالاقتراب أكثر فأكثر من حدودها في سوريا ولبنان.
أما أكثر أشكال تغيير قواعد التخادم بين الطرفين وضوحاً، كان ببدء إسرائيل بتحجيم التواجد الإيراني في سوريا عبر القصف المستمر، وكانت إيران تمتص الضربات وتصر على استراتيجية انتشارها العسكري في سوريا، رغم أن حليفها الروسي في سوريا كان لا يمانع في توجيه إسرائيل لتلك الضربات مغلقاً رادارات دفاعاته الجوية مع احتفاظ دمشق والضاحية بحق الرد.
أما فيما يخص التصعيد الأخير مع الولايات المتحدة شرق سوريا فهو أكثر العلامات الفارقة حتى اليوم على استعصاء الصدام الأمريكي الإيراني في عند منعطف، يبدو عنده تكتيك إدارة الأزمات خاسراً ، وأن الحلول الجذرية، والعسكرية منها، أقرب من أي وقت مضى..
وإلى أن تتضح الصورة أكثر، يبقى مصير المنطقة معلقاً بالأحداث الدولية الكبيرة التي تعصف بمصير العالم ونحن على شفا حرب عالمية ثالثة.
-------
رسالة بوست