وقال بسام القنطار، الباحث المعني بالشأن الليبي في منظمة العفو الدولية: “على مدى عام، تعيش عائلات المهدي البرغثي وأقاربه ومؤيديه في حزن وقلق، لأنها لا تعرف إن كان أحباؤها قد ماتوا أم ما زالوا على قيد الحياة. وتبيِّن المظالم التي تواجهها هذه العائلات المدى الصادم الذي يمكن أن تذهب إليه القوات المسلحة العربية الليبية في سعيها للقضاء على كل من يمثِّل تحديًا فعليًا أو مُتصورًا لسيطرتها المطلقة على السلطة، كما تكشف ما تتمتع به الجماعات المسلحة التابعة للقوات المسلحة العربية الليبية من إفلات شبه كامل من العقاب”.
“يجب على حكومة الوحدة الوطنية، التي تتخذ من طرابلس مقرًا لها، وكذلك القوات المسلحة العربية الليبية، باعتبارها سلطة الأمر الواقع في شرق ليبيا، أن تضمن إجراء تحقيقات نزيهة ومستقلة وفعَّالة في الجرائم المرتكبة، بما في ذلك الإفصاح عن مصير ومكان المختفين قسرًا، بالإضافة إلى أسباب وملابسات الوفيات في الحجز”.
وكان المهدي البرغثي، وهو منافس للمشير خليفة حفتر القائد العام للقوات المسلحة العربية الليبية، قد عاد إلى مسقط رأسه بنغازي، يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إثر جهود للمصالحة من جانب بعض القبائل. وبعد عودته، داهمت جماعات مسلحة تابعة للقوات المسلحة العربية الليبية منزل والدته في حي السلماني. وأعقب ذلك اندلاع اشتباكات مسلحة بين جماعات مسلحة تابعة للقوات المسلحة العربية الليبية، من بينها لواء طارق بن زياد وجهاز الأمن الداخلي من جهة، ومقاتلين موالين للمهدي البرغثي من جهة أخرى، مما أسفر عن مقتل 15 شخصًا على الأقل وإصابة آخرين، في ظل قطع القوات المسلحة العربية الليبية لشبكة الإنترنت.
على مدى عام، تعيش عائلات المهدي البرغثي وأقاربه ومؤيديه في حزن وقلق، لأنها لا تعرف إن كان أحباؤها قد ماتوا أم ما زالوا على قيد الحياة.وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول، أخذت عناصر تابعة للقوات المسلحة العربية الليبية 36 امرأة و13 طفلًا من عائلة البرغثي كرهائن. وقد أُفرج عن هؤلاء بعد اقتياد المهدي البرغثي وابنه، بالإضافة إلى 38 من أفراد عائلته وأنصاره، إلى حجز القوات المسلحة العربية الليبية. ولا يزال في طي المجهول مصير ومكان 19 على الأقل من هؤلاء، وسط مخاوف من احتمال أن يكونوا قد أُعدموا بعد أسرهم. وتأكدت وفاة ستة أشخاص آخرين؛ وتُوفي اثنان منهم على الأقل في ملابسات مريبة بعد أسرهم أحياءً. ويُعتقد أن الباقين، وعددهم 15 شخصًا، ما زالوا مُحتجزين في مراكز احتجاز تابعة للقوات المسلحة العربية الليبية.
بسام القنطار، منظمة العفو الدولية
وقد أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع عائلات ثمانية من المُحتجزين، بمن فيهم أهالي الرجلين اللذيْن تُوفيا في الحجز، وكذلك مع محامين ونشطاء سياسيين. وراجعت المنظمة تقارير طبية وتقارير للطب الشرعي، وصورًا، ومقاطع فيديو، ووثائق رسمية.
مداهمة حي السلماني
كان المهدي البرغثي يشغل سابقًا منصب وزير الدفاع في حكومة الوفاق الوطني السابقة، التي اتخذت من طرابلس مقرًا لها، وهي منافسة للقوات المسلحة العربية الليبية و”الحكومة الليبية” الموالية لها ومقرها في شرق ليبيا.وروت عائلة البرغثي أنه بمجرد عودته، داهمت قوات موالية للقوات المسلحة العربية الليبية مدججة بالسلاح منزلها، واشتبكت مع مقاتلين موالين لعائلة البرغثي، بمن فيهم مقاتلون من الجماعة المسلحة المعروفة باسم الكتيبة 204.
وعقب الاشتباكات، ادعى مسؤولون من القوات المسلحة العربية الليبية و”الحكومة الليبية” أنهم أحبطوا هجومًا إرهابيًا، وأعلنوا عن مقتل تسعة أشخاص من الموالين للمهدي البرغثي وإصابة ثمانية آخرين خلال محاولتهم مقاومة القبض عليهم.
وقدم بعض أقارب الضحايا لمنظمة العفو الدولية قائمة بأسماء 40 شخصًا باتوا في عداد المفقودين في أعقاب القتال. ووفقًا لأدلة جمعتها منظمة العفو الدولية، تأكد أن القوات المسلحة العربية الليبية احتجزت 15 من هؤلاء الأشخاص، كما تأكدت وفاة ستة منهم، بينما لا يزال مصير ومكان 19 شخصًا طي المجهول. ففي 13 أكتوبر/تشرين الأول، نشر جهاز الأمن الداخلي صورًا لهؤلاء الرجال الخمسة عشر وهم يرتدون زي السجن الأزرق. وأُذيعت “اعترافات” بالإكراه لأربعة من هؤلاء يقولون فيها إنهم خطَّطوا لهجمات إرهابية، في منصات إعلامية موالية للقوات المسلحة الليبية، مما يُعد انتهاكًا لحقوقهم. ولم تُوجه اتهامات إلى هؤلاء ولم تجرِ محاكمتهم، وحرموا من الاتصال المنتظم بعائلاتهم ومحاميهم.
مصير المهدي البرغثي ومكان
وفقًا لما قالته روان البرغثي، ابنة المهدي البرغثي، لم تتسلم العائلة جثة والدها ولا تزال تعتبره مختفيًا قسرًا، وتطالب القوات المسلحة العربية الليبية بالكشف عن الموقع الذي دُفن فيه، وبالتعرف على جثته من خلال اختبار الحمض النووي. وبموجب القانون الدولي، يُعتبر الاختفاء القسري جريمةً مستمرة إلى أن يتم الكشف عن مصير الضحية ومكانها، أو عن رُفاتها. وأظهر مقطع فيديو مُسرب لجهاز الأمن الداخلي، تم تداوله يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول، صورًا للمهدي البرغثي بدا فيها مُصابًا وهو يسير ويتحدث عند القبض عليه في 7 أكتوبر/تشرين الأول. وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن المدعي العام العسكري في شرق ليبيا فرج الصوصاع أن المهدي تعرّض لإصابات جسيمة أثناء القبض عليه. وأشار تقرير أولي للطب الشرعي، اطلعت عليه منظمة العفو الدولية، إلى أنه تُوفي من جراء إصابته بطلق ناري.مقتل الأقارب والمؤيدين
وفقًا لمقابلات أجرتها منظمة العفو الدولية مع بعض أفراد العائلة، ولتقارير الطب الشرعي وشهادات الوفاة وتصاريح الدفن التي اطلعت عليها المنظمة، قُتل ودُفن ستة على الأقل من بين 40 مفقودًا عقب الاشتباكات، من بينهم إبراهيم، ابن المهدي البرغثي، واثنان من أفراد الكتيبة 204، واثنان من أقارب البرغثي، وتاجر أغنام.وسُلمت جثث أولئك الستة جميعهم إلى عائلاتهم، ولكن معظم العائلات أُجبرت على دفن ذويها دون أن تُقدم لها تقارير مفصلة من الطب الشرعي توضح سبب الوفاة. ومن بين الجُثث التي أُعيدت جثة إبراهيم، ابن المهدي البرغثي. ووفقًا لتقرير للطب الشرعي، بتاريخ 21 أكتوبر/تشرين الأول، تُوفي إبراهيم نتيجة إصابته بطلق ناري. وقد أُعيدت جثته إلى أحد أفراد العائلة في اليوم التالي. وتسلمت معظم العائلات جثث ذويها ملفوفة بأكفان لا يظهر منها سوى الوجه، وقد بدت عليها آثار التعذيب.
وتشير نتائج توصَّلت إليها منظمة العفو الدولية، بناءً على مصادر وشهادات متوافقة، إلى أن اثنين على الأقل من الستة المتوفين هما مدنيان تم أسرهما أحياءً خلال المداهمة أو في الأيام التي تلتها، ويُعتقد أنهما أُعدما خارج نطاق القضاء.
وكان أحدهما، ويُدعى معتز البرغثي، قد أُصيب بجروح طفيفة في ساقه عند القبض عليه. ومع ذلك، يشير التقرير الأولي للطب الشرعي أن وفاته نجمت عن إصابتين بطلقات نارية في الرئة والرأس. أما الثاني، ويُدعى أحمد بوفنارة، وهو تاجر أغنام، فقد قُبض عليه بعد أيام من المداهمة. وأظهرت صورة لجثته وجود كدمات تدعي عائلته أنها تعود إلى تعرضه للتعذيب، كما اقتُلعت عيناه. وظهرت بوضوح قُطَبٌ حول رأسه والنصف العلوي من جسمه.
خلفية
كان المهدي البرغثي من كبار الضباط السابقين في القوات المسلحة العربية الليبية، وعُيِّن وزيرًا للدفاع في حكومة الوفاق الوطني الليبية في عام 2016، وظل في منصبه حتى يوليو/تموز 2018. وقد جاهر بانتقاده للهجوم الذي شنَّته القوات المسلحة العربية الليبية على طرابلس بين عامي 2019 و2020.تسيطر القوات المسلحة العربية الليبية على بنغازي، ثاني أكبر مدينة في ليبيا، وعلى مساحات واسعة من شرق ليبيا وجنوبها، وتؤدي مهامًا شبيهة بمهام الحكومة. ويُذكر أن القوات المسلحة العربية الليبية، وهي سلطة الأمر الواقع وتسيطر على أراضٍ وتمارس مهامًا شبيهة بمهام الحكومة، ملزمةٌ بالتقيُّد بالقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.