نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


أقلية تنتفض وأخرى مترددة والأكثرية تترقب... الاحتجاج السوري الجديد إلى أين؟




"لن يقوم الساحل مهما حصل، وانتبه، أنا هنا لا أدعو إلى أن يقوم الناس أو لا يقوموا، أنا فقط أوصّف الوضع بدقة من وجهة نظري ووجهة نظر معظم من ألتقيهم في هذا المجتمع المدجّن والمروّض"؛ يقول جعفر محمد (34 عاماً)، وهو شاب من مدينة اللاذقية في معرض حديثه إلى رصيف22، حول ما يمكن أن يحصل في منطقته مستقبلاً.
ينطلق جعفر في مقاربته تلك من وقائع تاريخية معاصرة جعلت الطائفة التي ينتمي إليها (الطائفة العلوية)، أكثر حذراً وهدوءاً وفي الوقت ذاته خوفاً، وهي الطائفة التي قادتها الحرب لتكون رأس حربة المواجهة مع كل مكونات البلد، بشكل أو بآخر.
جعفر لا ينكر أنّ الوضع خطير للغاية، خطير كما لم يكن من قبل خلال كل العقود السابقة، ومن ضمنها عقد الحرب السورية السوداء، ولكنّه في الوقت ذاته يعتقد بأنّ القصة مركبة للغاية، أما الاتجاه الذي ستسير فيه الأمور بعد هذا فهو بطريقة أو بأخرى سيؤدي إلى شرخ عميق داخل الطائفة.



ويبدو أنّ فكرة الشرخ تلك أصبحت متداولةً بوضوح، ولعلّ الفكرة بحدّ ذاتها تحمل توجساً محمولاً على خيارات قليلة للمستقبل ومخاوف متزايدةً لما يمكن أن تصبح عليه الأمور في حال قيام أي حراكات شعبية حقيقية في الساحل.
عن ذلك الشرخ، يقول وسيم سلامة (37 عاماً)، وهو أيضاً شاب من اللاذقية: "هناك أربع فئات لدينا؛ واحدة منتفعة من السلطة وتعيش كعلقة عليها ورحيلها يعني رحيل المنتفعين في أفضل الأحوال، وخسارتهم الاقتصادية والاجتماعية والسلطوية، وفي أسوأ الحالات محاسبتهم وتلك المحاسبة قد تفضي ببعضهم إلى الإعدام، وثانية كامنة خوفاً تنتظر تغييراً كبيراً ولكن بشرط عدم إراقة ولو نقطة دم واحدة، وشرط مشاركتها في التعبير العلني هو ضمان ألّا يسأل أفرادها الأمن في أي لحظة ولأي سبب".
ويضيف: "الفئة الثالثة هي التي تربط وجودها الحيوي والعضوي والتاريخي ببقاء السلطة الحالية، وذلك أمر يطول شرحه، ولكنه مغروس في لا وعيهم. أما الفئة الرابعة، وهي الأقل، فهي التي رفعت صوتها ونالت من الرئيس شخصياً، ولكن هذه الفئة ليست لديها قاعدة شعبية فعلية تمكّنها من تحريك الأمور على الأرض، عدا عن كون جزء من المنتمين إليها أصبحوا مطلوبين أمنياً".

انكسار الحاجز

في أواسط آب/ أغسطس الجاري، رفعت الحكومة السورية الدعم عن مواطنيها، وتالياً خنقتهم، وكأنها تثأر ممن بقي في البلد، على ما صارت الناس تقول، إذ رفعت الدعم والرواتب بمعدل مئة في المئة، ولكنّها نفذت احتيالاً اقتصادياً قهرياً سيجعلها تسترجع تلك الزيادة أضعافاً مضاعفةً.
لن يقوم الساحل مهما حصل، أنا أوصّف الوضع بدقة من وجهة نظري ووجهة نظر معظم من ألتقيهم في هذا المجتمع المدجّن والمروّض
ذلك كلّه جاء وفق مبدأ الإيهام بأن الدولة تفكر في مصلحة مواطنيها، ولكنّ تلك الزيادة أدت سريعاً إلى إحداث عجز اقتصادي سيدفعه المواطن من جيبه بطريقة إعجازية لا يمكن التعامل معها إطلاقاً، وستنتزع بالاحتيال مدّخرات المواطنين، في علاقة تتخذ للمرة الأولى هذا الشكل الفاضح والمباشر في إعلان الحرب على الشعب من قبل السلطة التنفيذية.
ليست المشكلة أنّ السلطة أعلنت الحرب، بل المشكلة هي على من أعلنتها؟ أعلنتها على شعب أساساً يموت من الجوع، وفيه أسر وعوائل "شهداء" ماتوا كرمى لبقاء السلطة الحالية، لتظل عائلاتهم من بعدهم محكومةً بالصبر و"الصمود" ومعادلات التصدي، قبل أن يناموا كل ليلة جائعين، وتلك العائلات تعدادها بعشرات الآلاف، ووجب طرحها كمثال للتدليل إلى العقلية الحاكمة في سوريا، والتي وصلت إلى مرحلة من اللا اكتراث، جعلتها قادرةً على احتقار أسباب بقائها.

مسمار الأمان المنزوع

الشارع يغلي، كلّ الشارع السوري. يغلي قهراً وحاجةً، في مشهد لا يحاكي في أي حال مشهد الـ2011، فحينها كان الموقف مختلفاً تماماً، والحراك الذي قام حينها لم يكن مستنداً إلى جوع، بل كان مستنداً إلى مطالب أخرى نظرياً، فلم تكن سوريا بلد الجياع قبل ذلك التاريخ. أما اليوم فهي بلد الجياع تماماً. الجياع المنتشرون في كل مكان على الخريطة الضيقة، الخريطة "المفيدة" التي تحكمها السلطة نظرياً، وتحكمها كمساحة فعلية، ويحكمها شركاؤها اقتصادياً، وهذا هو موضع الخطر ومسمار الأمان المنزوع.
بعد القرارات تلك، تفجر البلد دفعةً واحدةً، كأنّ شيئاً سحرياً سرى بجسده، وكأنّ الناس كانت تنتظر تلك الليلة لتعبّر عمّا يعتمر في صدرها من قهر وألم وأحياناً "حقد"، ذلك أنّ السلطة السورية نجحت إلى درجة تحتاج التصفيق في ألّا تترك لها حبيباً عاقلاً، وحبيباً غير جائع.
انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي حركات بدت منظمةً وأصدرت بياناتها وأمهلت فيها السلطات للتنفيذ، وحين لم تنفّذ السلطات مطالبها قامت بتوزيع مناشير في مدن عديدة، ولكن حركات كتلك لا تحتاج إلى الكثير من التفكير لاستنتاج أنّها ستخبو سريعاً، فلا برنامج سياسياً واضحاً لديها، ولا شخصيات معروفة في صفوفها، إذ إنّها سرّية بالمطلق ولم تعلن أبداً عن أشخاصها.
قد يبدو ذلك مفهوماً أمنياً في مكان ما، ولكنّه بالقدر نفسه سيجعلها فكرةً ميتةً في المهد، فمن شروط الشعبية الإفصاح أولاً، وثانياً إخبار الناس كيف يكونون جزءاً منها، وهذان الأمران لم يحصلا، ولكنّ الحركات تلك، لا شك في أنها كانت حجراً في مياه راكدة، وحجراً ثقيلاً أيضاً.

الموحدون أولاً

في السويداء، المدينة الجنوبية التي يسكنها "الدروز"، يبدو المشهد مختلفاً بصورة جذرية. هناك تجمّع الناس على الفور، وفي 42 نقطة احتجاج في أوسع أيام المشاركات، وتجمهروا ورفعوا يافطات وقطعوا الطرق نحو العاصمة دمشق بالإطارات المشتعلة، وأغلقوا بالقوة المدنية المقار الحكومية (المحافظة وفرع الحزب وغيرهما).
ماذا تعني قوة مدنية؟ هذا بالضبط ما أدركه أهل السويداء متأخرين، وهو أنّ أي حراك يجب ألّا يكون فيه سلاح لئلا تذهب الأمور نحو احتمالات اتهامية بعيدة عن مطالبهم، لذا كلّف المنظمون بضعة شبان مدنيين بإغلاق المقار والمصالح الحكومية دون أي احتكاك عنفي مع أحد.
"الدروز" كسروا حاجز الخوف من الأمن السوري لأسباب عدة، وتغوّلوا على الأمن خلال سنوات منتزعين منهم امتيازات تحت ضغط القوة وتجمّع "الكانتون" المتجانس، كيف؟
"الدروز" كسروا حاجز الخوف من الأمن السوري لأسباب عدة، إذ تغوّلوا على الأمن خلال سنوات منتزعين منهم امتيازات تحت ضغط القوة وتجمّع "الكانتون" المتجانس، فصدرت قرارات تباعاً ومنها ألّا يخدم أولاد السويداء في الجيش خارجها، ومنع إيقاف أي مطلوب جنائي أو أمني خارج السويداء، وكلّ تلك امتيازات لم تظفر بها منطقة سورية واحدة.
اللافت في السويداء أمران، الأول هو مشاركة شيخ العقل حكمت الهجري، وهو كبير الطائفة، إلى جانب شيخين آخرين في المظاهرات ودعمها، وتلاوته شخصياً بيان الدعم مع التأكيد على سلمية الحراك والحفاظ على الأمن الداخلي وما إلى هنالك، في مؤشر يمكن تفسيره في اتجاهين؛ الأول هو انخراط الشيخ تحت ضغط مسؤوليته الدينية-المجتمعية في ما يحدث لئلا يكون منبوذاً في حال تغيّر الوضع بشكل ما، والثاني أنّ الشيخ يُعدّ من أقرب رجالات الدين إلى الحكم السوري، ويقول أهل السويداء دائماً إنّه يملك اتصالاً مباشراً مع "القصر الجمهوري"، فلربما يكون وجوده عنصر ضبط للأمور، قبل أن تتخذ منحى التصعيد والتفلّت والمقامرة بمواجهة مفتوحة.
الأمر الآخر اللافت هو أنّ كل مظاهرات/ احتجاجات السويداء، لم ترقَ إلى الأعداد المطلوبة في بادئ الأمر، وظلّت في مجملها تقتصر على المئات أو العشرات، وهذا ما جعل السلطة مرتاحةً نسبياً وغير مضطرة إلى التجاوب أو التدخل، لكن الأمور في الأيام الماضية أخذت منحى تصاعدياً، فتوسعت رقعة الاحتجاجات وكبرت وشملت غالبية قرى السويداء.
يكرر مصدر مطلع في النظام الكلام الذي كانوا يقولونه عام 2011: "أعداد المشاركين في مظاهرات السويداء توحي بأنّ هؤلاء الناس لا يمثلون عموم المحافظة التي يقطنها مئات الآلاف، وتالياً هذا ما يجعلنا نشكك في مطالبهم من الأساس، وهل هي كلمات حق يراد بها باطل؟ مستندين في ذلك إلى نقاط جوهرية عدة، من بينها دفوعات خارجية نحو التظاهر والتخريب، وفي هذا الإطار، يلعب أحد الأطراف السياسية الدرزية في بلد مجاور دوراً كبيراً".

أخطاء البدايات

الدروز عامةً لديهم حرية واسعة في الحركة في مناطقهم، حيث وجود السلطة والأمن هناك لا يعدو أكثر من كونه شكلياً وبلا صلاحيات، فضلاً عن أنّه في السويداء ثمة توافر للسلاح بين أيدي الناس، وما يؤدي إلى تراجع موقفهم القادر على زرع بذرة حراك عامة هي العقلية التي يتم فيها تنظيم الموقف حالياً.
في كل المظاهرات التي خرجت وتخرج في السويداء، رُفع مرةً واحدةً علم الجمهورية السورية، العلم المتفق عليه عملياً، وإلى جانبه العلم الذي يرفعه المعارضون، ولكنّهم، في كل يوم، يرفعون علم "الحدود الخمسة"، العلم الخاص بالطائفة الدرزية، ما جعل مكونات تشاركهم مشاعرهم وقد تشاركهم حراكهم يوم غدٍ، تشعر بالارتياب.
يقول مراد فخر، أحد شبان المظاهرات في السويداء، في حديثه إلى رصيف22: "رفع علم طائفتنا لا يعني تخلّينا عن بقية الطوائف السورية، بقدر ما هو اعتزاز بها وبموروثنا وقيمنا، نحن مثلاً لنا شأن خاص في قانون الأحوال المدنية منفصل عن المسلمين وغيرهم، وكل مكونات البلد تعرف تموضعنا السياسي والاجتماعي والديني ولا يمكن لأحد تخويننا".
ويتابع: "أما عدم رفع العلم السوري فليس على سبيل الانتقاص من الحالة الوطنية، ولكن العلم نفسه ليس مهماً، المهم هو ما نفعله فعلياً على الأرض".
تبرير مراد لم يبدُ مقنعاً للشابة ريم سالم من حمص، إذ تقول: "لا، العلم الوطني فوق كل شيء، هناك مسلمات لا يمكن تجاوزها، بذرة الخلاف في الحرب السورية كانت شكل العلم، نحن متعاطفون مع أهلنا في السويداء، وهذا ألم جميع السوريين اليوم، ما من أحد كبير على الفقر والجوع والحاجة، ولكن لنتفق أولاً بأن يعطي الناس لبعضهم أماناً وبوادر ثقة وإيحاءات بوحدة المصير لئلا ندخل في دوامة جديدة من التفتت".
صوت من حمص: لا نريد حراكات طائفية، لا نريد صليباً وهلالاً وسيفاً معقوفاً وحدوداً خمسةً، نريد علماً واحداً نجلس تحته لنشعر بأنّنا سواسية في مطالبنا واستحصال حقوقنا
وتتابع: "أنا لا أخاف أن أقول إنّ على الجميع التحرك، فالحقوق تؤخذ ولا تعطى، ولكن تحت سقف الشرعية وسيادة القانون والمسلمات الخالصة. لا نريد حراكات طائفية، لا نريد صليباً وهلالاً وسيفاً معقوفاً وحدوداً خمسةً، نريد علماً واحداً نجلس تحته لنشعر بأنّنا سواسية في مطالبنا واستحصال حقوقنا".
ريم تأخذ أيضاً على أهل السويداء رفعهم يافطات يمكن أن تعقّد المشكلة أكثر من حلّها: "بغض النظر عن رأيي في تطبيق القرار الأممي 2254 من عدمه، ولكن القرار ليس شيئاً عادياً. رفع يافطات تطالب بتطبيقه فوراً يعني صراعاً جديداً مع مكونات سورية أخرى، والدخول في حمام دم لا أحد يدري متى سيتوقف. علينا أن نحدد ونتفق لماذا نتظاهر، هل هدفنا إزاحة النظام؟ هل هدفنا تعديل سلوكه؟ هل هدفنا إقرار شكل حكم وطني فعلي؟ هل نريد النظر إلينا كبشر ومنحنا حقوقنا البديهية؟ علينا أن نتفق أولاً لئلا نورط البلد في غوغائية سلبية تقضي على ما تبقى".

العلويون يعبّرون عن رأيهم

اليوم ليست مشكلة السلطة في مظاهرات في السويداء، ولا في درعا، ولا دمشق أو ريفها حتى، مشكلتها الكبرى في بيئتها الحاضنة الفعلية، الحاضنة بالسلاح والإمداد والأرواح والتي تشكل العمق الإستراتيجي لبقائها لسنوات قادمة.
أي تحرّك ما لم يخرج من امتداد حمص إلى الساحل، لن يكون له ربع التأثير في المشهد العام، وهذا واضح تماماً، فالسلطة نجحت سابقاً في مواجهة كل معارضيها عبر قاعدتها المتنامية بشرياً في مناطق نفوذها العميقة.
البيئة الحاضنة العلوية اليوم غاضبة، بل غاضبة بشدّة. فجأةً أصابها تبدّل في المفاهيم، وتوسّع في الرؤية، وإنكار لضرورة الحرب التي حصلت من أساسها (وهذه النقطة بحدّ ذاتها كفيلة لتقرع السلطة جرس الإنذار)، وشعور بكونهم وقوداً ليس إلا، بالإضافة إلى تأكدهم من تخلّي السلطة عنهم عبر إفقارهم ومعاقبتهم بشكل جماعي بلا سبب منكرةً عليهم كلّ جراحهم ومعاناتهم في سبيل وجودها.
هناك أصوات كبيرة خرجت من داخل الطائفة خلال الشهرين الأخيرين، وكلّها خرجت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكلّها رفعت السقف إلى درجة لم تعتدها السلطة في تاريخها وبدا واضحاً أن الناس كسرت حاجز الخوف وبدأت تحكي وتطلب وتشجب وتشتم، وتلك التعابير وصلت إلى شخص الرئيس (وهذه ظاهرة غير مسبوقة تاريخياً من قبل البيئة الحاضنة)، في حين أن الأمن لم يتحرك نسبياً في مواجهتهم بشكل واضح حتى الآن (ولهذا تبريراته).
تبريرات هذا الأمر يمكن قراءتها في إطار أنّ السلطة لا تريد أي صراع مجاني محتمل، وبأنّ تلك الأصوات ستخبو عاجلاً أم آجلاً، فضلاً عن إمكانية إسكاتها في أي وقت لاحق عبر قضايا جنائية لا أمنية، وذلك بطبيعة الحال لا يعني أنّ البعض ممن عبّر عن صوته بصخب لم يصبح مطلوباً، وبعضهم اعتُقلوا وهم قلّة، وآخرون مطلوبون ولكن لم يجرِ القبض عليهم، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الأمن لو أراد لاستطاع، وفي المحصلة فإنّ الحراك الأمني المعتاد لم يأتِ إطلاقاً كما اعتادت السلطات أن تفعل.

هل يثور "الساحل"؟

بوضوح، وبعيداً عن بيع الوهم، الجميع غاضب بلا استثناء، ولكن احتمال وجود حراك واسع وموحد مستبعد إلى درجة كبيرة، وأسباب ذلك متعددة لدى فئة كبيرة من العلويين تحديداً، ومن بينها: الخوف من الدولة والأمن في لحظة المواجهة، والأمن ليس لديه كبير كائناً من يكون (ومثال رامي مخلوف حاضر في أذهانهم)، عدا عن الشد العصبي الديني في اتجاهين بحسب اللا وعي لديهم، الأول: لولا السلطة لكان العلويون يعيشون في الجبال حتى الآن (وهذا اعتقاد سائد وشبه شامل ومشغول عليه خلال عقود)، والثاني: سيتوحش السنّة على العلويين ويذبحونهم في الطرقات في حال رحيل السلطة والأخطر أنهم سيفكرون في الثأر، وعليه ستتم معاقبة العلويين بأشنع الطرائق.
"أخي عنصر في الأمن، وابن عمي عنصر في الجيش؛ هل يمكن أن أصطدم معهما؟ لن أفعل ذلك مهما بلغت الأمور، ومن يدري ماذا يحصل، فقد تبدأ القصة بمظاهرة وتنتهي بشلال دم. متنا وشفنا الأموات في الحرب السورية، هل يستحق شيء في الكون مليون قتيل جديد؟ لا يدري هؤلاء المحرضون أنّ الفراغ هو التهلكة، وأنّ حرباً أهليةً ستنشب، وأنّه لا يوجد ضامن في الكون للسلم الأهلي سوى هذه السلطة القائمة"؛ كان هذا رأي عمران نصر (26 عاماً)، وهو شاب من طرطوس، مبدياً استنكاره للكثير من الأحاديث التي يسمعها من حوله بضرورة الانتفاض، وواصفاً أولئك الأشخاص بالـ"سُذّج".
الآن يجب أن يخشى العلويون من مواجهة داخلية بينهم. هي الآن على فيسبوك، وغداً قد تصير في الشوارع، وبهذا الانقسام ستستفيد السلطة، وستنقسم الطائفة، وكلّ ذلك سيؤجل كثيراً في بناء سوريا المستقبل
مازن اسم مستعار لشاب من حمص، يريد إخفاء هويته لأسباب شخصية، يقول: "باختصار لا حلول في ظل وجود هذه السلطة. هي البلاء لمعيشتنا، ورحيلها سيتيح لنا إمكانية عيش حياة كريمة من جديد. كل من أجلس معه أشعر في حديثه بسؤال: إلى متى؟ ليرحل ويتركنا نعيش، لكنّ أحداً منهم لن يثور ولن يتظاهر، ذلك مفهوم، الاعتقاد الشائع أنّ السلطة السابقة هي من انزلت العلويين من القرى إلى المدن، ولولا السلطة السابقة والحالية لكان السنّة أكلوا العلويين، لذلك في لا وعيهم يريدون رحيل السلطة ولا يريدون، وهذا أصعب شعور في الكون: أن تعيش بقية عمرك ذليلاً لأنك خائف من سكين الآخرين الافتراضية. الدولة نجحت في زرع تلك الفكرة".
"العلويون معظمهم يريد الثورة لكنّ أحداً منهم لن يثور ولو بعد ألف عام"؛ بهذه الجملة اختصر حيدرة الشيخ (29 عاماً) شاب طرطوسي حديثه إلى رصيف22.
مؤيد اسم مستعار لشاب آخر يقطن في دمشق، له رأي تحليلي للمشهد عموماً، يقول: "الدولة ببساطة ستسحق بالحذاء العسكري أي حراك علوي. كل شيء يهون عليها إلا أن تنتفض حاضنتها. العلويون يعلمون ذلك ويعلمون أن ثمنهم رصاصة أو قذيفة. من وجهة نظري السلطة الحاكمة تحاول في هذه الأثناء اكتناز الأموال بأي شكل وإرسالها عبر قنواتها إلى الخارج لأنّ رحيل السلطة بات قريباً للغاية وبقوة التغيير الدولي، وما من دليل على ذلك أوضح من تبنّي العرب الضغط لتطبيق القرار 2254، فعاجلاً أم آجلاً سيتم تطبيقه وتنتهي هذه الحقبة".
ويضيف: "الآن يجب أن يخشى العلويون من مواجهة داخلية بينهم. هي الآن على فيسبوك، وغداً قد تصير في الشوارع، وبهذا الانقسام ستستفيد السلطة، وستنقسم الطائفة، وكلّ ذلك سيؤجل كثيراً في بناء سوريا المستقبل".
على المقلب الآخر داخل الطائفة، ثمة آراء أكثر انفعالاً وتطرفاً تجاه بقاء السلطة، يعبّر عنها محمود هائل (30 عاماً)، من اللاذقية، قائلاً: "هذه الدولة هي من صنعت للناس مجدهم وعزّهم وحياتهم، وليتذكر الجميع كيف كنا نعيش قبل 2011. الآن كل دعوة للتظاهر هي خيانة بحق الشهداء والمقدسات وهي استقدام للاحتلال. أكيد أنّ الدولة ليست مرتاحةً ولكنّها معاقبة وتعاني كثيراً لتؤمّن لنا هذا القليل، وعلينا أن نصبر فما النصر إلّا صبر ساعة".
بين هذا وذاك، على أحد من السلطة "القوية" أن يقرأ في القهر الذي أبكى الرجال من كل الطوائف دون تمييز وفيه سنّت الدولة "المنتصرة" أسنانها لتنهش مقدرات البلاد وأجساد العباد، الدولة "المنتصرة" على شعبها لا على أعدائها، ولا على حلفائها، الذين ينشغلون هذه الأيام بتوزيع تركة الديمغرافيا والنفط، فيما يقف المواطن السوري في طوابير المواد الغذائية متسائلاً: "لماذا قدّمنا ألف شهيد وألفين، لتحرير حقول شاعر النفطية، طالما أنّ روسيا ستستثمرها؟". 
---------
رصيف ٢٢

ادم افرام
الاربعاء 30 غشت 2023