التعديل والتمديد “ضرورة” تتألف هيئة التفاوض من 37 عضوًا موزعين على 7 مكونات، هي الائتلاف الوطني المعارض، وكتلة الفصائل العسكرية، وهيئة التنسيق الوطني، ومنصة موسكو، ومنصة القاهرة، وكتلة المستقلين، بالإضافة إلى المجلس الوطني الكردي.
لكن ما يُحسب لبدر جاموس أنه تمكّن على مدار العامين الماضيين ليس فقط من إقناع الغالبية الساحقة من أعضاء هيئة التفاوض بالتوافق عليه، بل باستقطاب عدد كبير من الإعلاميين المعارضين البارزين ليكونوا داعمين له أو محايدين تجاهه، وهو الذي كان محل انتقاد وهجوم دائمَين، مثله مثل الشخصيات البارزة في مؤسسات المعارضة، الأمر الذي يعتبره البعض نجاحًا قويًا له على صعيد العلاقات العامة.
لذلك كانت “العلاقات والحفاظ عليها وتطويرها والاستفادة منها” على رأس مبررات مؤيدي التعديل، الذين يرون أنه يجب منح رئيس وقادة الهيئة وقتًا أطول من أجل تنفيذ الخطط وجني ثمار الاتصالات والاستفادة من العلاقات التي يبنيها هؤلاء، والذين يعانون من نفاد الوقت سريعًا ما يجبرهم على مغادرة مواقعهم قبل أن يتمكنوا من جني الثمار، كما يقول أصحاب هذا الرأي.
ينصّ النظام الداخلي لهيئة التفاوض قبل تعديله على أن مدة ولاية رئيسها سنة واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة، لكن البيان الذي صدر عن اجتماعها أمس الاثنين قال إن “النظام الداخلي كان أحد البنود التي تمّت مناقشتها في الاجتماع، حيث بحث ممثلو المكونات (ضرورة) تعديل عدد من المواد.. منها تعديل شروط العضوية وزيادة المدة المحددة لتكليف قيادة الهيئة سنتين بدلًا من سنة واحدة”.
ورغم الخطورة التي ينطوي عليها بند تعديل شروط العضوية والأهداف غير الموضحة التي دفعت لإقراره، إلا أن الجميع توقف عند بند تعديل المدة الزمنية لرئيس الهيئة، خاصة أن مصادر إعلامية كانت قد كشفت قبل أكثر من شهر عن التوجّه نحو إقراره.
لكن ما هي “الضرورة” التي قال بيان الهيئة إنها دفعت لاتخاذ هذا الإجراء؟ سؤال وجّهه “نون بوست” إلى عضو هيئة التفاوض جهاد مرعي، الذي قال إن “النظام الداخلي بات عمره 8 سنوات، وخلال هذه السنوات ظهرت بعض الفجوات في النظام المعمول به، وبالتالي نشأت الحاجة لسدّ هذه الفجوات وإنتاج نظام يتناسب مع المرحلة، وهذا ما تمّ نقاشه بين أعضاء هيئة التفاوض خلال الفترة الماضية، ومن ثم تمّ التوافق بين المكونات والأعضاء على تعديل النظام الداخلي”.
الموقف نفسه عبّرت عنه منصة القاهرة أيضًا التي أصدر منسقها فراس الخالدي، بيانًا حذّر فيه من خطورة الدعوة لتعديل النظام الداخلي لهيئة التفاوض، واعتبر أن “هذا التعديل لا يصبّ في المصلحة العامة، إنما من أجل غايات شخصية بحتة”.
وبينما التزم ممثل منصة موسكو بالموقف المعلن وصوّت برفض التعديل، أيّد جمال سليمان الذي حضر عن منصة القاهرة التعديل.
أمر لم يكن مفاجئًا، خاصة أن منصة القاهرة تشهد انقسامًا منذ أكثر من عامين، بين جناح يقوده الممثل المعروف جمال سليمان وآخر محسوب على الرئيس الأسبق للائتلاف أحمد الجربا.
الخالدي أكّد بعد الاجتماع أن جمال سليمان لا يمثل منصة القاهرة إنما كان يحضر بصفته الشخصية، متهمًا بدر جاموس بزرع الانقسامات داخل مكونات هيئة التفاوض للاستفادة منها.
وقال في تصريح لـ”نون بوست”: “منذ عودة السيد جمال سليمان عن تعليق عضويته في الهيئة، لم يكن حضور اجتماعاتها يحدث بالتنسيق مع المنصة، وعند سؤاله أفاد أنه يمثل شخصه والمجتمع المدني، ووفقًا للنظام الداخلي تسقط عضويته، ما يتطلب إعادة ترشيحه من قبل منصة القاهرة وليس من أي مكون خارجها”.
وأضاف الخالدي أن “المنصة اتخذت قرارًا بالإجماع، وأي خروج عن هذا الإجماع لا يعني شيئًا، ومنذ اجتماع الهيئة في جنيف السنة الماضية لم يحضر أحد منا أي اجتماع للهيئة بشكل رسمي، على عكس ما كان يحدث في فترة ولاية السيد أنس العبدة، فبعد وصول الدكتور بدر جاموس إلى منصبه لم تشارك منصة القاهرة في الاجتماعات، بل لم نصوّت عند انتخابه، وهذه أيضًا مخالفة للقرار 2254”.
وعن سبب عدم الإعلان عن هذه التفاصيل بشكل رسمي، يقول الخالدي: “أشرنا إلى ذلك سابقًا، لكن حرصًا منا على عدم تدمير الهيئة توقفنا حينها عن التصعيد الإعلامي، متوقعين أن يأخذ الائتلاف بعين الاعتبار المحاذير التي أشرنا إليها، وأن يضع القضية السورية نصب عينيه أولًا، لكن سياسة رئاسة الهيئة تعتمد على زرع بذور الفرقة داخل باقي مكوناتها، وإظهار أشخاص معيّنين في كل مكون على حساب باقي شركائهم، والاعتماد على حضور شخص من كل مكون وتعميم الحضور على البقية، واكتساب شرعية مزيّفة للوصول إلى المصالح الضيقة على حساب دماء وعذابات الشعب السوري”.
انتقادات يعتبرها مهند دليقان، ممثل منصة موسكو في الهيئة، طبيعية، مشددًا في حديث لـ”نون بوست” على أن وجهة نظر المنصة من هذا التعديل كانت محقة.
ويضيف: “لأن وظيفة هذا التعديل ليست تطوير عمل الهيئة، إنما فقط تحقيق عملية التجديد والتمديد للرئاسة، والتي تسيء برأينا إلى مؤسسات المعارضة، وتجعلها في وضع بائس تعيد فيه تكرار واستنساخ الإجراءات المعمول بها لدى النظام، في الوقت الذي تقدّم نفسها فيه بديلًا عنه، لذلك كان موقفنا أن هذه التعديلات هي إساءة للفكرة الديمقراطية وفكرة التداول، وتكرار للنماذج السائدة”.
السياسي السوري المعارض محيي الدين اللاذقاني، شبّه ما جرى بعملية تعديل الدستور السوري بعد وفاة رئيس النظام السابق حافظ الأسد، من أجل السماح لتوريث نجله بشار السلطة.
وقال اللاذقاني لـ”نون بوست”: “كما حدث عند تنصيب بشار الكيماوي حين احتاج مجلس الشعب لتعديل الدستور أقل من 7 دقائق، قامت هيئة التفاوض المحسوبة على المعارضة -وهي إلى النظام وأساليبه أقرب- بتعديل نظامها الداخلي”.
وأضاف أن “التعديل لم يكن لأمر وطني هام يستدعي ذلك، بل من أجل التمديد لبدر جاموس رئيسها الحالي للسنة الثالثة، وقد حصل ما هو شبيه بذلك في انتخابات رئاسة الائتلاف الأخيرة، حين تم انتخاب هادي البحرة “بالصرماية” التزامًا بالتهديد الحرفي الذي أطلقه آنذاك رئيس الحكومة المؤقتة عبدالرحمن مصطفى”.
وتابع اللاذقاني أنه “مع غضبهم العميق ممّا يجري من مهازل باسمهم، يضحك السوريون من معارضتهم الرسمية التي أدمنت لعبة تبديل الطرابيش بين الحريري والبحرة وجاموس، وقريبًا هناك استحقاق رئاسة اللجنة الدستورية التي يجب أن يتركها البحرة بعد انتخابه القسري لرئاسة الائتلاف، ومع هذه السخرية من هذه المهازل يكرر السوريون موقفهم الثابت، وهو ليس من أجل تكرار أساليب العصابة الأسدية قام الشعب بثورة ليرثها هؤلاء”.
واعتبر أن ما يجري اليوم “كان متوقعًا منذ أن تخلت المعارضة عن القرار السوري المستقل في جنيف واجتماع الرياض-٢ لصالح الأجندات الأقليمية”.
كما أشار إلى أنه “بهذا التمديد لجاموس وقبله للبحرة، وغدًا لغيرهما، لم يبقَ أمام جمهور الثورة غير الانضمام إلى ساحات التظاهر من أجل الإطاحة بهؤلاء الذين صاروا أخطر على المسار الثوري من كل دول الثورة المضادة التي اصطفتهم وخزّنتهم بانتظار اللحظة المناسبة لنقل خياناتهم للثورة إلى العلن”، حسب قوله.
وقال: “أولًا التعديل يأتي على مقاس الموقع والحاجة لا الأشخاص، وهو يمنح حرية العمل والحركة والإنجاز داخل الهيئة، وما ورد في التعديل لم يذكر أسماء أشخاص وإنما مواقع، وبالتالي كل من يأتي إلى هذا الموقع سيكون له عامان كاملان (في كل دورة) من أجل العمل والإنجاز، وهذا يمنح المؤسسة الاستقرار أكثر”.
وأضاف: “الممارسة الديمقراطية الحقيقية تحققت في التصويت على تعديل النظام الداخلي، فكانت الموافقة بأغلبية الثلثين وأكثر، ودعني أقول إنه علينا كصحفيين وناشطين ومؤثرين وقوى سياسية أن نركز على القضية الأساسية، وهي الوصول إلى تطبيق القرار 2254، وتحقيق الانتقال السياسي الديمقراطي في سوريا، وهزيمة الاستبداد والإرهاب والتطرف وتحقيق المحاسبة والمساءلة”.
وأضاف: “الذين يقدمون التنازلات للأجندات الدولية والإقليمية هم الذين يضعفون موقف الثورة، والذين سمحوا للمبعوث الدولي ديمستورا أن يسقط المرحلة الانتقالية باعتماد فكرة السلال الأربع التي ظلت فارغة، هم الذين طعنوا الثورة بالظهر وسلّموا قضية الشعب السوري إلى البيروقراطية الدولية التي لا تبالي بعذاباته، والذين يقلّدون أساليب العصابة الأسدية بالتمسّك بالكراسي والمناصب الشكلية، هم النقيض لكل ما قامت الثورة لأجله”.
واعتبر اللاذقاني أن “الدول التي تقبل بالتفسير الروسي للقرار 2254 وتدافع عنه هي الحريصة على إبقائهم في مناصبهم الشكلية أكثر من روسيا”، مشيرًا إلى أن “إصرار بدر جاموس على التعديلات يزيد الشروخ ويقسم الصف الثوري، لتظلَّ مؤسسات المعارضة على مقاس شخصيات تنازلت كثيرًا وستتنازل أكثر، لذا لم يعد يثق بها السوريون، وأفضل ما يمكن أن يقدمه أعضاؤها لهم أن يستقيلوا، للإتاحة للشعب السوري اختيار أحرار حقيقيين يمثلونه ويدافعون عن مصالحه لا عن مصالحهم”.
بينما يفاخر المعجبون ببدر جاموس والمؤيدون له بـ”حنكته وقدرته على نسج العلاقات”، ويقولون إنه “حقق نجاحات توجب التمديد له، خاصة في هذه الظروف”، يجمع الكثيرون على أنه كان ومنذ بداية التراجع في أداء الائتلاف ومن ثم هيئة التفاوض، أحد أبرز المسؤولين عن الواقع السلبي للمعارضة السورية، باعتباره ركنًا أساسيًا من مجموعة الـ G4 التي هيمنت على الائتلاف بعد خروج العشرات من المعارضين البارزين منه، ومن ثم تحكمت المجموعة بالكثير من مراحل ومفاصل هيئة التفاوض، الأمر الذي يرى معه هؤلاء أنه يستوجب المحاسبة لا المكافأة بالتمديد له، محملين أعضاء الهيئة والائتلاف المسؤولية الجماعية عن ذلك.
لكن ما يُحسب لبدر جاموس أنه تمكّن على مدار العامين الماضيين ليس فقط من إقناع الغالبية الساحقة من أعضاء هيئة التفاوض بالتوافق عليه، بل باستقطاب عدد كبير من الإعلاميين المعارضين البارزين ليكونوا داعمين له أو محايدين تجاهه، وهو الذي كان محل انتقاد وهجوم دائمَين، مثله مثل الشخصيات البارزة في مؤسسات المعارضة، الأمر الذي يعتبره البعض نجاحًا قويًا له على صعيد العلاقات العامة.
لذلك كانت “العلاقات والحفاظ عليها وتطويرها والاستفادة منها” على رأس مبررات مؤيدي التعديل، الذين يرون أنه يجب منح رئيس وقادة الهيئة وقتًا أطول من أجل تنفيذ الخطط وجني ثمار الاتصالات والاستفادة من العلاقات التي يبنيها هؤلاء، والذين يعانون من نفاد الوقت سريعًا ما يجبرهم على مغادرة مواقعهم قبل أن يتمكنوا من جني الثمار، كما يقول أصحاب هذا الرأي.
ينصّ النظام الداخلي لهيئة التفاوض قبل تعديله على أن مدة ولاية رئيسها سنة واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة، لكن البيان الذي صدر عن اجتماعها أمس الاثنين قال إن “النظام الداخلي كان أحد البنود التي تمّت مناقشتها في الاجتماع، حيث بحث ممثلو المكونات (ضرورة) تعديل عدد من المواد.. منها تعديل شروط العضوية وزيادة المدة المحددة لتكليف قيادة الهيئة سنتين بدلًا من سنة واحدة”.
ورغم الخطورة التي ينطوي عليها بند تعديل شروط العضوية والأهداف غير الموضحة التي دفعت لإقراره، إلا أن الجميع توقف عند بند تعديل المدة الزمنية لرئيس الهيئة، خاصة أن مصادر إعلامية كانت قد كشفت قبل أكثر من شهر عن التوجّه نحو إقراره.
لكن ما هي “الضرورة” التي قال بيان الهيئة إنها دفعت لاتخاذ هذا الإجراء؟ سؤال وجّهه “نون بوست” إلى عضو هيئة التفاوض جهاد مرعي، الذي قال إن “النظام الداخلي بات عمره 8 سنوات، وخلال هذه السنوات ظهرت بعض الفجوات في النظام المعمول به، وبالتالي نشأت الحاجة لسدّ هذه الفجوات وإنتاج نظام يتناسب مع المرحلة، وهذا ما تمّ نقاشه بين أعضاء هيئة التفاوض خلال الفترة الماضية، ومن ثم تمّ التوافق بين المكونات والأعضاء على تعديل النظام الداخلي”.
انقسامات منصة القاهرة
لكن هذه الضرورة لم تقتنع بها منصة موسكو التي صدر عنها، الأحد الماضي، تصريح صحفي أكدت فيه أن “ما يجري يشكّل إساءة كبرى للمؤسسة التي ينبغي أن تقدم نموذجًا ديمقراطيًا تداوليًا”. وأضافت أن “عملية التعديل ينبغي أن تصبّ في مصلحة تطوير عمل الهيئة، وليس لخدمة مصالح أطراف تسعى لعملية تجديد وتمديد”.الموقف نفسه عبّرت عنه منصة القاهرة أيضًا التي أصدر منسقها فراس الخالدي، بيانًا حذّر فيه من خطورة الدعوة لتعديل النظام الداخلي لهيئة التفاوض، واعتبر أن “هذا التعديل لا يصبّ في المصلحة العامة، إنما من أجل غايات شخصية بحتة”.
وبينما التزم ممثل منصة موسكو بالموقف المعلن وصوّت برفض التعديل، أيّد جمال سليمان الذي حضر عن منصة القاهرة التعديل.
أمر لم يكن مفاجئًا، خاصة أن منصة القاهرة تشهد انقسامًا منذ أكثر من عامين، بين جناح يقوده الممثل المعروف جمال سليمان وآخر محسوب على الرئيس الأسبق للائتلاف أحمد الجربا.
الخالدي أكّد بعد الاجتماع أن جمال سليمان لا يمثل منصة القاهرة إنما كان يحضر بصفته الشخصية، متهمًا بدر جاموس بزرع الانقسامات داخل مكونات هيئة التفاوض للاستفادة منها.
وقال في تصريح لـ”نون بوست”: “منذ عودة السيد جمال سليمان عن تعليق عضويته في الهيئة، لم يكن حضور اجتماعاتها يحدث بالتنسيق مع المنصة، وعند سؤاله أفاد أنه يمثل شخصه والمجتمع المدني، ووفقًا للنظام الداخلي تسقط عضويته، ما يتطلب إعادة ترشيحه من قبل منصة القاهرة وليس من أي مكون خارجها”.
وأضاف الخالدي أن “المنصة اتخذت قرارًا بالإجماع، وأي خروج عن هذا الإجماع لا يعني شيئًا، ومنذ اجتماع الهيئة في جنيف السنة الماضية لم يحضر أحد منا أي اجتماع للهيئة بشكل رسمي، على عكس ما كان يحدث في فترة ولاية السيد أنس العبدة، فبعد وصول الدكتور بدر جاموس إلى منصبه لم تشارك منصة القاهرة في الاجتماعات، بل لم نصوّت عند انتخابه، وهذه أيضًا مخالفة للقرار 2254”.
وعن سبب عدم الإعلان عن هذه التفاصيل بشكل رسمي، يقول الخالدي: “أشرنا إلى ذلك سابقًا، لكن حرصًا منا على عدم تدمير الهيئة توقفنا حينها عن التصعيد الإعلامي، متوقعين أن يأخذ الائتلاف بعين الاعتبار المحاذير التي أشرنا إليها، وأن يضع القضية السورية نصب عينيه أولًا، لكن سياسة رئاسة الهيئة تعتمد على زرع بذور الفرقة داخل باقي مكوناتها، وإظهار أشخاص معيّنين في كل مكون على حساب باقي شركائهم، والاعتماد على حضور شخص من كل مكون وتعميم الحضور على البقية، واكتساب شرعية مزيّفة للوصول إلى المصالح الضيقة على حساب دماء وعذابات الشعب السوري”.
موقف منصة موسكو
الانتقادات كانت واسعة، ومنصات التواصل الاجتماعي حفلت بالسخرية والهجوم على الخطوة التي اتخذتها هيئة التفاوض، حيث تساءل الكثيرون عن الإنجازات التي يقول مؤيدو التمديد لبدر جاموس أنه حقّقها، خاصة أنه يترأّس مكتب العلاقات الخارجية لهيئة التفاوض منذ التأسيس الثاني لها عام 2017، وهو من يحضر كل الاجتماعات الدولية منذ ذلك التاريخ ويحضّر لها، وعندما أصبح رئيسًا للهيئة عام 2022 لم يتم تكليف أحد غيره بمكتب العلاقات الخارجية، ومن موقعه هذا يشرف على مكتب الهيئة في جنيف.انتقادات يعتبرها مهند دليقان، ممثل منصة موسكو في الهيئة، طبيعية، مشددًا في حديث لـ”نون بوست” على أن وجهة نظر المنصة من هذا التعديل كانت محقة.
ويضيف: “لأن وظيفة هذا التعديل ليست تطوير عمل الهيئة، إنما فقط تحقيق عملية التجديد والتمديد للرئاسة، والتي تسيء برأينا إلى مؤسسات المعارضة، وتجعلها في وضع بائس تعيد فيه تكرار واستنساخ الإجراءات المعمول بها لدى النظام، في الوقت الذي تقدّم نفسها فيه بديلًا عنه، لذلك كان موقفنا أن هذه التعديلات هي إساءة للفكرة الديمقراطية وفكرة التداول، وتكرار للنماذج السائدة”.
تشبُّه بالنظام
رغم الصمت الذي التزم به قسم من المعارضين من خارج مؤسسات المعارضة الرسمية، وتجاهل جزء من الإعلاميين والناشطين لما حدث، إلا أن الغضب كان واضحًا في مواقف المعلقين على ما حصل، الذين اتفقوا على أن القرار الذي اتخذته هيئة التفاوض يمثل تحديًا للشعب السوري والمتظاهرين في الشمال تحديدًا، المحتجّين على تردي أوضاع مؤسسات المعارضة والمطالبين بالتغيير فيها.السياسي السوري المعارض محيي الدين اللاذقاني، شبّه ما جرى بعملية تعديل الدستور السوري بعد وفاة رئيس النظام السابق حافظ الأسد، من أجل السماح لتوريث نجله بشار السلطة.
وقال اللاذقاني لـ”نون بوست”: “كما حدث عند تنصيب بشار الكيماوي حين احتاج مجلس الشعب لتعديل الدستور أقل من 7 دقائق، قامت هيئة التفاوض المحسوبة على المعارضة -وهي إلى النظام وأساليبه أقرب- بتعديل نظامها الداخلي”.
وأضاف أن “التعديل لم يكن لأمر وطني هام يستدعي ذلك، بل من أجل التمديد لبدر جاموس رئيسها الحالي للسنة الثالثة، وقد حصل ما هو شبيه بذلك في انتخابات رئاسة الائتلاف الأخيرة، حين تم انتخاب هادي البحرة “بالصرماية” التزامًا بالتهديد الحرفي الذي أطلقه آنذاك رئيس الحكومة المؤقتة عبدالرحمن مصطفى”.
وتابع اللاذقاني أنه “مع غضبهم العميق ممّا يجري من مهازل باسمهم، يضحك السوريون من معارضتهم الرسمية التي أدمنت لعبة تبديل الطرابيش بين الحريري والبحرة وجاموس، وقريبًا هناك استحقاق رئاسة اللجنة الدستورية التي يجب أن يتركها البحرة بعد انتخابه القسري لرئاسة الائتلاف، ومع هذه السخرية من هذه المهازل يكرر السوريون موقفهم الثابت، وهو ليس من أجل تكرار أساليب العصابة الأسدية قام الشعب بثورة ليرثها هؤلاء”.
واعتبر أن ما يجري اليوم “كان متوقعًا منذ أن تخلت المعارضة عن القرار السوري المستقل في جنيف واجتماع الرياض-٢ لصالح الأجندات الأقليمية”.
كما أشار إلى أنه “بهذا التمديد لجاموس وقبله للبحرة، وغدًا لغيرهما، لم يبقَ أمام جمهور الثورة غير الانضمام إلى ساحات التظاهر من أجل الإطاحة بهؤلاء الذين صاروا أخطر على المسار الثوري من كل دول الثورة المضادة التي اصطفتهم وخزّنتهم بانتظار اللحظة المناسبة لنقل خياناتهم للثورة إلى العلن”، حسب قوله.
الهيئة تردّ وتطالب
نقد وهجوم واتهامات اعترض عليها عضو هيئة التفاوض جهاد مرعي، مطالبًا الجميع بالتكاتف من أجل الوصول إلى تطبيق القرار الدولي 2254 والابتعاد عن الخلافات.وقال: “أولًا التعديل يأتي على مقاس الموقع والحاجة لا الأشخاص، وهو يمنح حرية العمل والحركة والإنجاز داخل الهيئة، وما ورد في التعديل لم يذكر أسماء أشخاص وإنما مواقع، وبالتالي كل من يأتي إلى هذا الموقع سيكون له عامان كاملان (في كل دورة) من أجل العمل والإنجاز، وهذا يمنح المؤسسة الاستقرار أكثر”.
وأضاف: “الممارسة الديمقراطية الحقيقية تحققت في التصويت على تعديل النظام الداخلي، فكانت الموافقة بأغلبية الثلثين وأكثر، ودعني أقول إنه علينا كصحفيين وناشطين ومؤثرين وقوى سياسية أن نركز على القضية الأساسية، وهي الوصول إلى تطبيق القرار 2254، وتحقيق الانتقال السياسي الديمقراطي في سوريا، وهزيمة الاستبداد والإرهاب والتطرف وتحقيق المحاسبة والمساءلة”.
التغيير هو الحل
دعوة ردَّ عليها اللاذقاني بالقول إن “من يضعفون موقف الثورة ويساهمون بإلغاء القرار 2254 هم القائمون على مؤسسات المعارضة الرسمية، من خلال تحدّيهم للإرادة الشعبية ومسايرة القوى المتلاعبة بالملف السوري في تحقيق أهدافها على حساب الشعب”.وأضاف: “الذين يقدمون التنازلات للأجندات الدولية والإقليمية هم الذين يضعفون موقف الثورة، والذين سمحوا للمبعوث الدولي ديمستورا أن يسقط المرحلة الانتقالية باعتماد فكرة السلال الأربع التي ظلت فارغة، هم الذين طعنوا الثورة بالظهر وسلّموا قضية الشعب السوري إلى البيروقراطية الدولية التي لا تبالي بعذاباته، والذين يقلّدون أساليب العصابة الأسدية بالتمسّك بالكراسي والمناصب الشكلية، هم النقيض لكل ما قامت الثورة لأجله”.
واعتبر اللاذقاني أن “الدول التي تقبل بالتفسير الروسي للقرار 2254 وتدافع عنه هي الحريصة على إبقائهم في مناصبهم الشكلية أكثر من روسيا”، مشيرًا إلى أن “إصرار بدر جاموس على التعديلات يزيد الشروخ ويقسم الصف الثوري، لتظلَّ مؤسسات المعارضة على مقاس شخصيات تنازلت كثيرًا وستتنازل أكثر، لذا لم يعد يثق بها السوريون، وأفضل ما يمكن أن يقدمه أعضاؤها لهم أن يستقيلوا، للإتاحة للشعب السوري اختيار أحرار حقيقيين يمثلونه ويدافعون عن مصالحه لا عن مصالحهم”.
بينما يفاخر المعجبون ببدر جاموس والمؤيدون له بـ”حنكته وقدرته على نسج العلاقات”، ويقولون إنه “حقق نجاحات توجب التمديد له، خاصة في هذه الظروف”، يجمع الكثيرون على أنه كان ومنذ بداية التراجع في أداء الائتلاف ومن ثم هيئة التفاوض، أحد أبرز المسؤولين عن الواقع السلبي للمعارضة السورية، باعتباره ركنًا أساسيًا من مجموعة الـ G4 التي هيمنت على الائتلاف بعد خروج العشرات من المعارضين البارزين منه، ومن ثم تحكمت المجموعة بالكثير من مراحل ومفاصل هيئة التفاوض، الأمر الذي يرى معه هؤلاء أنه يستوجب المحاسبة لا المكافأة بالتمديد له، محملين أعضاء الهيئة والائتلاف المسؤولية الجماعية عن ذلك.