إلى جانب نفي مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي لادعاءات إيران، قامت الحكومة العراقية بتسليم مذكرة احتجاج للسفير الإيراني في بغداد، أبلغته من خلالها إدانتها لما وصفته بـ"الاعتداء" على أربيل، وهي خطوة ما كانت لتتم لو أن المستهدف هو مقرٌّ للموساد الإسرائيلي فعلاً، لأن رئيس الحكومة الحالي محمد شياع السوداني ليس بوارد منح خصومه السياسيين المتربصين به، وعلى رأسهم رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي المرتبط بإيران فرصة لإسقاطه، تحت ذريعة معارضته لهجمات ضد إسرائيل.
أهداف غير معلنة
لا يبدو أن الهجوم الإيراني مرتبطٌ فقط بالتفجير الذي حصل قبل مدة عند ضريح سليماني، وأيضاً ليس متعلقاً بحرب غزة، فهذه ليست المرة الأولى التي تقصف فيها طهران مواقعاً داخل إقليم شمال العراق، وسبق أن شنت هجمات مماثلة في مطلع عام 2022 على موقع ادعت أنه مركز تجسس إسرائيلي ضد إيران.
ثمة أهدافٌ غير معلنة للهجمات التي نفذتها طهران في العراق وسوريا، ويبدو أن الأمر متعلق برسائل أرادت إيران إيصالها لأطراف متعددة.
تشعر إيران بالقلق البالغ من استمرار نشاط جماعات كردية مناهضة للسلطات الإيرانية ضمن إقليم شمال العراق، وتعتقد أن هذه الجماعة خطر على أمنها القومي، ولذا مارست ضغوطات كثيرة على الحكومة الاتحادية العراقية لتضطلع بدورها في الضغط على سلطات أربيل من أجل إنهاء نشاط المعارضين الإيرانيين، ولهذا السبب وقعت إيران مع الحكومة العراقية اتفاقاً أمنياً في أيلول/ سبتمبر 2023، ينص على إبعاد الأكراد المعارضين لإيران من على الشريط الحدودي شمال العراق، وإنهاء وجودهم قرب الحدود بحلول موعد كانون الأول/ ديسمبر 2023، لكن السلطات في إقليم شمال العراق لم تستجب للمطالب الإيرانية.
"ضبط" سلوك كردستان
إن اغتيال رجل الأعمال دزيي المقرب من مسعود برزاني وابنه نيجرفان رئيس إقليم شمال العراق، وأحد أهم الفاعلين في مجال العمران ضمن الإقليم يحمل في طياته رسائل واضحة حول عزم إيران استهداف مصالح الإقليم من أجل ضبط سلوكه وعلاقاته الخارجية، بما في ذلك انحيازه للتنسيق مع تركيا اقتصادياً وأمنيا ضد حزب العمال الكردستاني المتحالف مع طهران، كما أن البرزاني وحزبه "الديمقراطي الكردستاني" يعتبران من القوى الرئيسية المناهضة للنفوذ الإيراني في العراق، ولديهما تنسيق مع قوى سنية أخرى مثل حزب تقدم بقيادة محمد الحلبوسي الذي دعمت إيران مؤخراً الإطاحة به هو الآخر من رئاسة مجلس النواب العراقي عن طريق موالين لطهران داخل البرلمان والحديث هنا تحديداً عن نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون.
لقد عمدت إيران إلى تنفيذ هجوم صاروخي عشوائي على شمال إدلب قرب الحدود التركية، بالتوازي مع قصفها لأربيل، وقد سُمع دوي الانفجار داخل الأراضي التركية في الولايات الجنوبية، والرواية الإيرانية تحدثت عن قصف مقار للحزب الإسلامي التركستاني وهيئة تحرير الشام.
اللافت أن القصف في إدلب حصل بعد أيام قليلة من التصعيد الميداني من طرف الميليشيات الإيرانية المنتشرة في محيط إدلب، والذي طال قصفها نقاط مراقبة تركية، الأمر الذي استدعى رداً عسكرياً تركياً تمثل بتدمير مواقع لتلك الميليشيات قرب سراقب، بالإضافة إلى اعتراض طائرة مسيرة من قبل سلاح الجو التركي، مما يوحي بأن وصول الصواريخ الباليستية الإيرانية إلى مقربة من الحدود التركية مرتبط برسائل سياسية، خاصة أن الهجمات الإيرانية تطورت في 17 كانون الثاني/ يناير الحالي وطالت إقليم بلوشستان غرب باكستان، حيث شنت طائرات إيرانية غارات داخل الأراضي الباكستانية أدت إلى مقتل طفلين، تحت ذريعة استهداف مقار تتبع لجيش العدل المعارض لإيران.
يبدو أن إيران تسعى لتأكيد قدرتها على الردع، بعد أن تلقت ضربات متتالية مؤخراً، أبرزها اغتيال الجنرال المهم في الحرس الثوري الإيراني رضي موسوي بغارة إسرائيلية داخل سوريا، لكن اختارت شمال العراق وإدلب، نظراً لأنه خيار غير مكلف، على عكس الهجوم المباشر ضد أهداف إيرانية أو إسرائيلية الذي قد يكلفها الانزلاق إلى تصعيد غير مرغوب، وبالمقابل ستظل طهران على جماعة الحوثي والحشد الشعبي العراقي في توجيه الرسائل غير المباشرة إلى واشنطن.
-----------
تلفزيون سوريا