الواقع أن أحداً لا يملك أي أجوبة حاسمة، وسط قرقعة السلاح الصاخبة في كل من رفح وجنوب لبنان، لكن الواضح أن بايدن، الطامح الى ولاية ثانية يسعى الى أمرين: الأول وقف القتال في غزة وفق “تسوية متدرجة” تجفف دماء الفلسطينيين عن يديه، وتمنح اسرائيل في المستقبل جائزة ترضية تتمثل في تطبيع ممكن مع المملكة العربية السعودية، والثاني الانصراف الى وقف التقدم العسكري الروسي في أوكرانيا ولجم الاستفزازات الصينية في بحر الصين ومحيط تايوان والفليبين.
والواقع أيضاً أن نتنياهو، الذي يستعد لمخاطبة العالم من أروقة الكونغرس الأميركي قريباً، لا يرى سبباً للموافقة تماماً على مندرجات الهدنة، حتى لو أدى الأمر الى انفراط حكومته، معتبراً أن الوقوف الآن على أبواب رفح سيعني أن كل التقدم الذي حققه جيشه في غزة ذهب هباء، وأن هدف إسقاط “حماس” وقادتها قد دفن في أنفاق غزة الى الأبد.
وأكثر من ذلك، تشير أجواء نتنياهو الى أن الأخير لا يبدي أي اهتمام بما يدور من تناتش بين وزرائه حيال الحرب والمبادرة الأميركية معاً، والى أن انفراط الحكومة لا يعني انهاء حال الحرب ووقف القتال، وأن أي انتخابات مبكرة في اسرائيل قد تعطي نتنياهو ما لم يأخذه من قبل وفق آخر الاستطلاعات الشعبية في الدولة العبرية.
وتضيف: ان موضوع الرهائن لم يعد يضغط على نتنياهو وحده كما كانت الحال مع بداية الحرب، بل أيضاً على حركة “حماس” التي تعرف أن التخلي عن هذه الورقة يكاد يوازي التخلي عن سلاحها، وأن الحفاظ عليهم أحياء يكاد يوازي الحفاظ على يحيى السنوار حياً، معتبرة في سيناريو آخر أن الاحتفاظ بهم يعني استمرار المجازر، وأن عكس ذلك يعني الذهاب الى الحرب عراة، اضافة الى أن تصفية هؤلاء أو تحويلهم دروعاً بشرية سيحرمها من التعاطف الدولي غير المسبوق، وسيطلق يد الجيش الاسرائيلي ويجعل مسألة الدخول الى رفح مسألة حتمية لا تتوقف عند أي رادع اقليمي أو دولي.
من هنا، لا يبدو نتنياهو في وارد التراجع كثيراً الى الخلف في خطوة تخدم بايدن وتضر ترامب، ولا في وارد الذهاب الى هدنة تبقي السلاح في مخازن “حماس” والسلطة في قبضتها، ولا في وارد الدخول في تسوية يكون فيها السنوار شريكاً أو منتصراً، ولا في وارد التطبيع مع السعودية اذا كان ثمنه دولة فلسطينية مستقلة لا يعرف من يحكمها ومن يحميها.
ومن هنا أيضاً، يهمس نتنياهو في كواليسه أنه لن يكون اليهودي الذي “يأخذ شعبه الى محرقة أو هجرة جماعية ثانية”، ولن يكون الرجل الذي سقط أمام السنوار كما سقط سلفه ايهود أولمرت أمام حسن نصر الله في “حرب تموز”، مؤكداً أنه لن يخرج من غزة الا منتصراً، تماماً كما فعل ارييل شارون في بيروت عندما تمكن من طرد “منظمة التحرير الفلسطينية” وقائدها ياسر عرفات في حرب العام ١٩٨٢.
ويضيف انه يريد نصراً كاملاً لا يسمح للأصولية الفلسطينية بالعودة الى غزة من نوافذها بعدما طردها من أبوابها كما حدث مع الفلسطينيين في لبنان، مؤكداً أنه لم يزج بجيشه في معركة شوارع دامية ومكلفة كي يتمتع بايدن بولاية رئاسية جديدة أو كي تمد ايران حدودها حتى تخوم اسرائيل.
هذا في كواليس تل أبيب، ماذا في كواليس واشنطن؟
تكشف مصادر قريبة من حملة بايدن أن الأخير يقود سياسة تتوخى الفصل بين علاقته باسرائيل كحليف آمن يجب الحفاظ عليه، ونتنياهو كمتمرد يجب تبريد رأسه وتقليم أظافره، معتبراً أن هذا الرجل أسهم بعناده في تهميش حظوظه الرئاسية وفي تشويه صورته في العالم كرئيس يغطي المجازر في غزة، وفي منح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما يكفي من وقت لقلب المعادلة العسكرية في كييف رأساً على عقب، وفي اثارة المحاور الأوروبية التي تتهمه بالتخاذل على أكثر من جبهة اقليمية ودولية.
وترى المصادر أن بايدن يشعر بالقلق حيال ما يمكن أن يقوله رئيس وزراء اسرائيل أمام نواب الكونغرس وشيوخه قريباً، في خطاب يتردد في تل أبيب أنه سيكون مدوياً وقد يصيب بايدن ونائبته بأكثر من سهم، ويسهم ربما في استعادة التعاطف الذي فقدته الدولة العبرية في الأوساط الشعبية والسياسية الأميركية.
ومن تل أبيب وواشنطن الى طهران، لا يبدو الأمر مختلفاً كثيراً، فالقيادة الايرانية التي فقدت رئيسها في حادث غامض، تحاول انقاذ “حماس” بأي ثمن سواء عبر ادخال تعديلات على المبادرة الأميركية من جهة أو عبر الافادة من التباين الأميركي – الاسرائيلي وتفجير الساحات دفعة واحدة، أو عبر توظيف الحاجة الأميركية الى هدنة في غزة للوصول الى تخديرات موقتة في البر والبحر، قد تسهم في بقاء بايدن في البيت الأبيض وتقطع الطريق على ترامب الذي أردى أعتى رجالها الأمنيين قاسم سليماني في عملية لا يجرؤ أي رئيس اميركي آخر على تنفيذها.
وليس من قبيل المصادفة أن يخرج وزير الخارجية الايرانية بالوكالة علي باقري من طهران مباشرة الى بيروت على وقع موقف متشدد من المرشد علي خامنئي رفض فيه المبادرة الأميركية، لوضع حسن نصر الله في صورة ما بعد الرئيس الراحل ابراهيم رئيسي وما قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخريف المقبل، وسط تقارير من طهران تكشف أن باقري حمل استعداداً ايرانياً للمضي بأي مبادرة، ومنها اخماد جبهة الجنوب، اذا كانت تنقذ “حماس” أولاً وتسهم ثانياً في مبايعة بايدن مجدداً وإسقاط ترامب ثانيةً، وكذلك عن استعداد لتفجير أي مواجهة تنقذ السنوار وتُسقط نتنياهو.
انها حمى الانتخابات الرئاسية الأميركية، ولا شيء سواها يستطيع أن يحرّك الأمور في الشرق الأوسط لمصلحة هذا أو ذاك، سواء مات رئيس في ايران أو قام رئيس، وسواء جاء جان لوي لودريان ألف مرة الى بيروت، وسواء تحولت “اللجنة الخماسية” الى لجنة خمسينية، وسواء بقي قصر بعبدا خاوياً ألف عام.
انها ستة أشهر حاسمة لن ينتصر فيها من لا يملك النفس الطويل.
-------------
غراند ال بي
والواقع أيضاً أن نتنياهو، الذي يستعد لمخاطبة العالم من أروقة الكونغرس الأميركي قريباً، لا يرى سبباً للموافقة تماماً على مندرجات الهدنة، حتى لو أدى الأمر الى انفراط حكومته، معتبراً أن الوقوف الآن على أبواب رفح سيعني أن كل التقدم الذي حققه جيشه في غزة ذهب هباء، وأن هدف إسقاط “حماس” وقادتها قد دفن في أنفاق غزة الى الأبد.
وأكثر من ذلك، تشير أجواء نتنياهو الى أن الأخير لا يبدي أي اهتمام بما يدور من تناتش بين وزرائه حيال الحرب والمبادرة الأميركية معاً، والى أن انفراط الحكومة لا يعني انهاء حال الحرب ووقف القتال، وأن أي انتخابات مبكرة في اسرائيل قد تعطي نتنياهو ما لم يأخذه من قبل وفق آخر الاستطلاعات الشعبية في الدولة العبرية.
وتضيف: ان موضوع الرهائن لم يعد يضغط على نتنياهو وحده كما كانت الحال مع بداية الحرب، بل أيضاً على حركة “حماس” التي تعرف أن التخلي عن هذه الورقة يكاد يوازي التخلي عن سلاحها، وأن الحفاظ عليهم أحياء يكاد يوازي الحفاظ على يحيى السنوار حياً، معتبرة في سيناريو آخر أن الاحتفاظ بهم يعني استمرار المجازر، وأن عكس ذلك يعني الذهاب الى الحرب عراة، اضافة الى أن تصفية هؤلاء أو تحويلهم دروعاً بشرية سيحرمها من التعاطف الدولي غير المسبوق، وسيطلق يد الجيش الاسرائيلي ويجعل مسألة الدخول الى رفح مسألة حتمية لا تتوقف عند أي رادع اقليمي أو دولي.
من هنا، لا يبدو نتنياهو في وارد التراجع كثيراً الى الخلف في خطوة تخدم بايدن وتضر ترامب، ولا في وارد الذهاب الى هدنة تبقي السلاح في مخازن “حماس” والسلطة في قبضتها، ولا في وارد الدخول في تسوية يكون فيها السنوار شريكاً أو منتصراً، ولا في وارد التطبيع مع السعودية اذا كان ثمنه دولة فلسطينية مستقلة لا يعرف من يحكمها ومن يحميها.
ومن هنا أيضاً، يهمس نتنياهو في كواليسه أنه لن يكون اليهودي الذي “يأخذ شعبه الى محرقة أو هجرة جماعية ثانية”، ولن يكون الرجل الذي سقط أمام السنوار كما سقط سلفه ايهود أولمرت أمام حسن نصر الله في “حرب تموز”، مؤكداً أنه لن يخرج من غزة الا منتصراً، تماماً كما فعل ارييل شارون في بيروت عندما تمكن من طرد “منظمة التحرير الفلسطينية” وقائدها ياسر عرفات في حرب العام ١٩٨٢.
ويضيف انه يريد نصراً كاملاً لا يسمح للأصولية الفلسطينية بالعودة الى غزة من نوافذها بعدما طردها من أبوابها كما حدث مع الفلسطينيين في لبنان، مؤكداً أنه لم يزج بجيشه في معركة شوارع دامية ومكلفة كي يتمتع بايدن بولاية رئاسية جديدة أو كي تمد ايران حدودها حتى تخوم اسرائيل.
هذا في كواليس تل أبيب، ماذا في كواليس واشنطن؟
تكشف مصادر قريبة من حملة بايدن أن الأخير يقود سياسة تتوخى الفصل بين علاقته باسرائيل كحليف آمن يجب الحفاظ عليه، ونتنياهو كمتمرد يجب تبريد رأسه وتقليم أظافره، معتبراً أن هذا الرجل أسهم بعناده في تهميش حظوظه الرئاسية وفي تشويه صورته في العالم كرئيس يغطي المجازر في غزة، وفي منح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما يكفي من وقت لقلب المعادلة العسكرية في كييف رأساً على عقب، وفي اثارة المحاور الأوروبية التي تتهمه بالتخاذل على أكثر من جبهة اقليمية ودولية.
وترى المصادر أن بايدن يشعر بالقلق حيال ما يمكن أن يقوله رئيس وزراء اسرائيل أمام نواب الكونغرس وشيوخه قريباً، في خطاب يتردد في تل أبيب أنه سيكون مدوياً وقد يصيب بايدن ونائبته بأكثر من سهم، ويسهم ربما في استعادة التعاطف الذي فقدته الدولة العبرية في الأوساط الشعبية والسياسية الأميركية.
ومن تل أبيب وواشنطن الى طهران، لا يبدو الأمر مختلفاً كثيراً، فالقيادة الايرانية التي فقدت رئيسها في حادث غامض، تحاول انقاذ “حماس” بأي ثمن سواء عبر ادخال تعديلات على المبادرة الأميركية من جهة أو عبر الافادة من التباين الأميركي – الاسرائيلي وتفجير الساحات دفعة واحدة، أو عبر توظيف الحاجة الأميركية الى هدنة في غزة للوصول الى تخديرات موقتة في البر والبحر، قد تسهم في بقاء بايدن في البيت الأبيض وتقطع الطريق على ترامب الذي أردى أعتى رجالها الأمنيين قاسم سليماني في عملية لا يجرؤ أي رئيس اميركي آخر على تنفيذها.
وليس من قبيل المصادفة أن يخرج وزير الخارجية الايرانية بالوكالة علي باقري من طهران مباشرة الى بيروت على وقع موقف متشدد من المرشد علي خامنئي رفض فيه المبادرة الأميركية، لوضع حسن نصر الله في صورة ما بعد الرئيس الراحل ابراهيم رئيسي وما قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخريف المقبل، وسط تقارير من طهران تكشف أن باقري حمل استعداداً ايرانياً للمضي بأي مبادرة، ومنها اخماد جبهة الجنوب، اذا كانت تنقذ “حماس” أولاً وتسهم ثانياً في مبايعة بايدن مجدداً وإسقاط ترامب ثانيةً، وكذلك عن استعداد لتفجير أي مواجهة تنقذ السنوار وتُسقط نتنياهو.
انها حمى الانتخابات الرئاسية الأميركية، ولا شيء سواها يستطيع أن يحرّك الأمور في الشرق الأوسط لمصلحة هذا أو ذاك، سواء مات رئيس في ايران أو قام رئيس، وسواء جاء جان لوي لودريان ألف مرة الى بيروت، وسواء تحولت “اللجنة الخماسية” الى لجنة خمسينية، وسواء بقي قصر بعبدا خاوياً ألف عام.
انها ستة أشهر حاسمة لن ينتصر فيها من لا يملك النفس الطويل.
-------------
غراند ال بي