جامعة كولومبيا هى واحدة من كبرى الجامعات الأمريكية، ولأنها فى مدينة نيويورك ذات الأهمية الاقتصادية والسياسية، أصبحت الجامعة لها وضع خاص، وهى من أولى الجامعات الأمريكية، بل كانت الأكثر والأكبر ثقلًا فى تظاهرات الطلاب عام 1968 ضد حرب فيتنام وضد ما يحدث فى العالم، وأدت هذه الثورة الطلابية إلى تغييرات مهمة فى المجتمع الأمريكى. وأصبحت معظم الجامعات والمدن الكبيرة تصوت للحزب الديمقراطى.
بدأت حرب غزة يوم 7 أكتوبر، ولا تزال مستمرة فى الشهر التاسع. بمرور الوقت واستمرار العدوان بشكل عنيف مع تدمير البنية التحتية ومقتل وإصابة عشرات الآلاف من الفلسطينيين، منهم آلاف الأطفال والنساء، بدأ يحدث تعاطف مع الشعب الفلسطينى فى العالم كله فى صورة مظاهرات سلمية فى دول أوروبا، وامتدت إلى أمريكا، وقام اللوبى الصهيونى القوى المدعوم بقوى اقتصادية بالتعامل بمنتهى الشدة مع كل مَن عارض إسرائيل علانية ونجح فى تخويف الكثيرين، وفقد الكثيرون من المؤيدين علانية لفلسطين وظائفهم، ولكن بمرور الوقت وتفاقم الأحداث انفجر الطلاب فى أمريكا بمظاهرات عنيفة لم يكن فيها شىء ضد السامية أو اليهود، وإنما كانت واضحة ضد القسوة والاعتداء الرهيب على المدنيين الفلسطينيين. بدأت التظاهرات فى الجامعات المهمة مثل هارفارد، وقام أعضاء الكونجرس بعمل جلسات استماع لرئيسة الجامعة، وفى هذه الجلسات قام النواب بالهجوم الكاسح على الشخصية التى يتم استجوابها، والكثيرون منهم تعوزهم الكياسة والاحترام، وكان استجواب رئيسة «هارفارد» عنيفًا، ولكنها، وهى الأكاديمية المحترمة، رفضت دخول البوليس إلى الحرم الجامعى، ورفضت تحجيم حرية التظاهر للطلبة، وقالت إن التحقيق يتم فقط مع الطلبة الذين يرفعون لافتات مسيئة للآخرين أو تحمل شعارات عنصرية، وبالطبع لم يعجب هذا التصرف النواب الجمهوريين. وبالمناسبة، الكثير من هؤلاء النواب لا يؤمنون حقًّا بما يقولون، وإنما هم يتحدثون فى هذه الاستجوابات للشعب المتطرف الذى انتخبهم فى دوائرهم وهم يسجلون الفيديوهات ويذيعونها محليًّا للدعاية الانتخابية. وبعد شهور، أعلنت رئيسة «هارفارد» استقالتها، بعد اتهامها بمعاداة السامية والتزوير، وبالمناسبة، رئيسة «هارفارد» من الأكاديميين السود.
نأتى إلى نعمت شفيق، بعد أن تظاهر الطلاب ضد اعتداءات إسرائيل على المدنيين فى غزة وقتل عشرات الآلاف وهدم البنية التحتية لغزة، قامت بتصرف غريب وبعيد تمامًا عن الأكاديمية، قامت على الفور باستدعاء الشرطة لفض تظاهرات الطلاب والقبض عليهم، وكان هذا الفعل الطائش هو الذى تسبب فى كل المشاكل التى وقع فيها الطلاب النشيطون.
«مينوش» ليست أكاديمية، وإنما هى اقتصادية، وتعمل فى البنوك وأمور الاقتصاد، ولو كان لها تاريخ أكاديمى لما كانت قد وقعت فى هذا الخطأ الشديد. كل الأكاديميين يعرفون ويقدرون أهمية استقلال الجامعة وعدم قانونية دخول الأمن الجامعة، ولذا سُمى الحرم الجامعى. نعلم أنه فى العالم الثالث لا تُحترم هذه القواعد، إنما فى الغرب هذه مشكلة.
قامت «مينوش» بفصل عدد من الطلاب النشيطين، واعتقل البوليس حوالى مائة طالب، وفض التظاهر، ولكن انظر ما حدث: عادت أعداد ضخمة من الطلبة استفزتهم تصرفات «مينوش»، وزاد عدد المتظاهرين، وبعد ساعات أصبحت المظاهرة عدة أضعاف حجم المظاهرة الأولى، وأحضر الطلاب الخيام لتستمر المظاهرة ويناموا فى الحرم الجامعى، وفى اليوم التالى انضم أعضاء هيئة التدريس إلى الطلبة، وزاد موقف «مينوش» سوءًا، وأدى ما حدث فى كولومبيا إلى مظاهرات فى باقى الجامعات الكبرى.
وتم استدعاؤها إلى الكونجرس، حيث تم «شواؤها على النار»، كما يقول الأمريكيون. الجمهوريون المتطرفون زايدوا عليها بأن ما فعلته لا يكفى، وكانت ردودها مهتزة وضعيفة، وضغطوا عليها حتى قالت إن الطلاب كانوا يهتفون ضد السامية، وهو ما لم يحدث، فقد كانوا فقط متعاطفين مع فلسطين. ومن الناحية الأخرى قامت إيلان عمر، من الحزب الديمقراطى، والمتعاطفة مع غزة، بشوائها على الجانب الآخر، ولم تستطع فى الكونجرس أن تبرر موقفها، وبدَت كأنها ضد الإنسانية، بعد أن تسببت فى ضياع مستقبل عدد من الطلاب، وفى نفس الوقت أهانت الجامعة بتدخل الشرطة، وزادت التظاهرات لهيبًا
---------
اليوم السابع