تطبيع السعودية لعلاقاتها مع النظامين الإيراني والسوري لم يكن ناتجاً عن ضعف الرياض التي دخلت في مواجهة غير مباشرة مع طهران منذ عام 1979، بل لأن عملية التنمية تحتاج إلى استقرار على كل المستويات، وهذا يعني أن تطبيعها للعلاقات مع إيران والنظام السوري كان ناتجاً عن رغبة في دعم استقرار البلاد، وإبعادها عن أي عمليات تهدد أمن الدولة بما يضمن نجاح المشاريع التنموية التي تديرها الدولة في الوقت الحالي.
وعلى الجانب الآخر نجد أن إيران وأذرعها أيضاً بحاجة كبيرة للاستقرار حيث أُنْهِكَت اقتصاداتهم على مدار أعوام من العقوبات الدولية. ومن المهم الإشارة إلى أن إيران وأذرعها لم يبدُ أيَّ سلوك عدائي تجاه السعودية خلال الفترة التي لحقت بالاتفاق إلى تاريخ كتابة هذه المقالة.
وعلى مستوى علاقات السعودية مع النظام السوري فإنها لم تشهد تطوراً سوى فتح السفارة السورية في الرياض، ولم يحدث أي تحولٍّ بين البلدين يصل إلى مستوى التعاون، ولم تُظهر الرياض أيَّ بوادر لتقديم أي دعم مالي أو ما شابه للنظام السوري لإنقاذه من محنته الاقتصادية. فبين الانفتاح الدبلوماسي والحذر الشديد في التعاون تضعنا السياسة السعودية تجاه النظام السوري أمام مستقبل مجهول، والذي قد يحمل في طياته سيناريوهين نناقشهما في سطور هذه المقالة، الأول، انفتاح وتعاون سعودي مع النظام السوري، والثاني، المحافظة على الوضع الراهن الذي يقوم على العلاقات الدبلوماسية الحذرة.
سيناريو أول
يقوم هذا السيناريو على أن السياسة السعودية تتجه نحو الانفتاح والتعاون مع النظام السوري، ويستند ذلك إلى التنبؤ برغبة السعودية في ضمان حالة الاستقرار الداخلي والإقليمي المرتبطة بالمحافظة على العلاقات الدبلوماسية مع النظام الإيراني وحليفه النظام السوري.
وقد يتطلب ذلك من الرياض رفع مستوى التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري مع النظام السوري كحامل للاستقرار الأمني على المدى المتوسط. وقد يمهد هذا السيناريو الطريق لدعم وتمويل الرياض لجزء من مشاريع التعافي المبكر التي يطلقها النظام والتي تتضمن مشاريع بنية تحتية. كما يستند هذا السيناريو إلى رغبة السعودية في العودة لتكون فاعلةً في الملف السوري عبر بوابة النظام بهدف منع سقوط الدولة ومؤسساتها بشكل كامل تحت سيطرة إيران، حيث ترى الرياض في تمكين علاقاتها السياسية والاقتصادية والأمنية مع النظام السوري وسيلة لمواجهة التمدد الإيراني في مؤسسات النظام السوري، ويكون ذلك من خلال تقديم الدعم المالي والسياسي الذي قد لا تستطيع إيران تقديمه في الوقت الراهن، مما يفرض على نظام الأسد العمل على تقليص مراكز النفوذ الإيراني في البلاد، لصالح الدول العربية.
وعلى الرغم من صعوبة تحقق هذه المعادلة فإن النظام السوري قد يجد نفسه في نهاية المطاف مجبراً على تقليص النفوذ الإيراني في البلاد بشكل أو بآخر، والضربات التي تتلقاها القوات الإيرانية ضمن الأراضي السورية قد تكون بشكل كبير إحدى وسائل النظام لتقليص القوات الإيرانية في البلاد.
علاقات حذرة ومحدودة الدبلوماسية
يقوم هذا السيناريو على عدم رغبة السعودية في تطوير علاقاتها مع النظام السوري، ويستند هذا السيناريو إلى مجموعة من العوامل.
العامل الأول، توتر العلاقات بين الدولتين تاريخياً، حيث لم تخلُ التوترات في العلاقات السياسية بين العاصمتين، فما زالت السعودية ترى في النظام السوري حليفاً استراتيجياً وذراعَ إيران وجسرها في المنطقة، والذي أصبح مركزاً لنفوذ الميليشيات الشيعية التي تعادي السعودية، والتي قد تصبح مصدراً لهجمات إرهابية محتملة عبر الطائرات من دون طيار.
العامل الثاني، تقسيم ملف الحجاج السوريين بين النظام والمعارضة، في السابق منحت السعودية ملف إدارة الحج إلى الائتلاف السوري بشكل كامل بعد قطعها لعلاقاتها السياسية مع النظام السوري في عام 2012، لتعود في موسم حج عام 2024 وتقسمه بين النظام الذي يدير 17500 ألف من الحجاج السوريين والمعارضة 5250 ألفا.
ويعد ملف الحج من الملفات الرسمية والسيادية التي تمنحها السعودية للدول، ولتقسيم السعودية ملف إدارة الحج بين الطرفين دلالات سياسية مهمة: أولاً، ما زالت السعودية ترى في المعارضة السورية جهة رسمية وتمثل شريحة من المجتمع السوري ولا بد من التعامل معها.
ثانياً، ما زالت السعودية تقف إلى جانب المعارضة السورية على الرغم من تحول الموقف الدولي تجاه نظام بشار الأسد.
ثالثاً، يدلل على أن السعودية لم تمنح النظام السوري اعترافاً رسمياً كاملاً، بل اعترافاً منقوصاً لصالح المعارضة.
العامل الثالث، استمرار التعامل مع المعارضة السورية، على الرغم من عدم وجود أي تحرك سعودي لصالحها، إلا أن الرياض محافظة على التعامل مع المعارضة، حيث ما زالت تستضيف "منصة الرياض"، إلى جانب منحهم ملف إدارة حجاج تركيا وقطر وأربيل والمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وكل تلك السياسات التي تتبناها السعودية غير مقبولة من طرف النظام السوري.
نستنتج من عرض السيناريوهات أن السعودية كانت مضطرة لتطبيع علاقاتها مع النظام السوري كجزء من صفقة مع إيران لصالح تحقيق استقرار أمني داخلي وإقليمي يضمن نجاح عملية التنمية التي تقودها الدولة، بمعنى أن العامل الأمني المرحلي الذي تسعى الرياض لتحقيقه هو الدافع الرئيسي لعودة العلاقات مع النظام، وهو عامل متغير وليس ثابتا، ولا يحمل في طياته حتى تاريخ كتابة هذه المقالة أي تطورات وقنوات جديدة للتعاون والانفتاح أو وجود مساعدات مالية معلنة أو استثمارات يتلهف ويطلبها النظام.
وبالاستناد إلى ذلك قد لا تضطر الرياض مستقبلاً إلى رفع مستوى التعاون وفتح قنوات جديدة مع النظام السوري، وهو ما يؤكده السيناريو الثاني الذي يوضح حرص الرياض على التعامل مع المعارضة السورية في ملف الحج على الرغم من مطالب النظام المتكررة بضرورة نقل كل الملفات إلى النظام السوري.
نستنتج من ذلك أن مستقبل السياسة السعودية تجاه النظام السوري تكتنفها المصلحة المرحلية الأمنية، وليس لدى السعودية رغبات في وضع سياسات تمنح النظام أي مكاسب اقتصادية تساعده في التخلص من المشكلات التي يعيشها، بل ستحافظ على علاقات دبلوماسية مستقرة لا تعود على النظام السوري بمنافع مادية تنقذه من مشكلاته الاقتصادية التي يعيشها.
----------
موقع تلفزيون سوريا